كتبت النهار
لا تعتقد مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة سواء داخل لبنان أو خارجه أن إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان بنجاح مجلس النواب في الاجتماع بنصابٍ مكتمل وتالياً في انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيتم في وقت قريب. الأسباب كثيرة تعرفها “الشعوب” اللبنانية وتعرفها معها الدول التي تحاول إقناع نفسها أولاً ثم إقناع اللبنانيين واللاعبين الكبار في العالم والمنطقة بأنها قادرة على تذليل العقبات التي حالت منذ 19 شهراً وبضعة أيام دون إعادة الحياة الى قصر الرئاسة في بعبدا.
وهي الانقسامات اللبنانية الداخلية و”انضمام” أصحابها الى الجهات الإقليمية المتناحرة على النفوذ والسلطة في الإقليم واقتناعهم بأنها مخلصة لهم وستبذل أقصى ما تستطيع كي تنصر بعضهم على بعض أو كي ترعى “تفاهماً وطنياً” جديداً بينهم على الأقل بعد دخول “اتفاق الطائف” مرحلة الموت السريري واقترابه من مرحلة الموت الفعلي
من الأسباب أيضاً تنافس بعض دول الإقليم على تنوّعها وتحاربها على استعادة دور في بعض لبنان، وبعضها الآخر على تأسيس دور قوي فيه لا تُزعزعه رياحٌ إقليمية وحتى دولية قوية ومعادية في آن واحد. من الأسباب أخيراً أن لبنان صار في حالٍ بائسة نتيجة انقساماته الحادة وتصارع دول المنطقة عليه وعجز كلٍّ منها عن النجاح في الاستحواذ عليه، إذ إن ذلك يحتاج الى “ختم” الدول العظمى والكبرى المعنيّة بالمنطقة وبالعالم وفي مقدمها الولايات المتحدة في هذه المرحلة. رغم كل هذا التحليل المعلوماتي لا يزال قادة شعوب لبنان وطوائفه ومذاهبه وعشائره وأحزابه يؤمنون بأن التزام حلفائهم الخارجيين معهم ثابتٌ ونهائي.
علماً بأن “العقّال” من بينهم يعرفون أنه انتهى من زمان. لكنهم لم يعودوا قادرين على إعادة النظر في مواقفهم وعلى العمل معاً لإعادة الأمل بإمكان إحياء الدولة اللبنانية وإن بروح جديدة وإطارٍ جديد ومضمون موحّد، ربما لأنهم ذهبوا بعيداً في العداء وفي الارتباط بالخارج، إقليمياً كان أو دولياً. وصاروا من جرّاء ذلك “تركةً” كبيرة يحتفظ بها كبار هذا الخارج لتوزيعها بعد نجاحه في إرساء نظامٍ إقليمي جديد وناجح.
يعني ذلك في رأي المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة نفسها أن لبنان سيبقى الآن بلا رئيس للجمهورية ولمدة قد تقصر كما قد تطول لأنها ستكون نتيجة انتهاء وضعٍ خارجي إقليمي – دولي متشنّج باتفاق على تقاسم الغنائم والأسلاب، والذي يكون لبنان من حصته يختار من يراه من اللبنانيين الأفضل لرئاسة الدولة. يعني ذلك أيضاً في رأي المصادر نفسها أن الحرب الدائرة بين “حزب الله” في لبنان وإسرائيل لن تنتهي بالسرعة التي يتمناها الأول. يعني أيضاً أن احتمال توسّعها بحيث تصبح حرباً شاملة محتمل جداً رغم إصرار “الحزب” على أنه لا يراها متجهة إليه بل الى لبنان بكل شعوبه. بهذا الموقف يكون “الحزب” اللبناني وأعداؤه في لبنان يتصرّفون بأساليب متشابهة وغير واقعية قد تسبّب الكثير من الأذى للجميع وللمكوّنات الشعبية التي تواليهم، إذ مثلما يعتقد “الحزب” أن مؤسِّسته إيران ستخرج من الحرب الإقليمية غير المباشرة التي تخوضها منتصرة بالتفاهم مع الولايات المتحدة عدوّها اللدود منذ 1979، وأن ذلك سينعكس إيجاباً على دوره في لبنان، يعتقد أعداؤه وهم من أبناء الوطن الواحد أنه سيخسر من جرّاء الحرب الدائرة ومعه حليفه الإقليمي. هذا أمرٌ لا تُراهن عليه حتى الآن على الأقل الدول المعادية لإيران في المنطقة وخارجها.
يعني ذلك احتمال إصابة هذا الفريق بالخسارة. لكن الفرق في النهاية وفي رأي المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة والمشار إليها أعلاه أن خسارة “حزب الله” وتحديداً من جرّاء احتدام الحرب بينه وبين إسرائيل، وهي دائرة منذ 8 أكتوبر الماضي، لا تعني أنه سيخسر أي دور له في لبنان في السياسة وغيرها عندما تضع كل الحروب أوزاها. هذا أمرٌ لا يمكن تأكيده بالنسبة الى أخصامه وأعدائه وهم أشقاء له لكونهم “لبنانيين” مثله. في أي حال، يظن الأفرقاء اللبنانيون في معظمهم بل قادتهم أنهم قادرون بالضغط على دولتهم وبالاعتماد على حلفائهم في الخارج التخلص منها أو التخفيف من حدتها أي الحرب على شعوبهم على الأقل.
إن مشكلة النازحين السوريين الى لبنان بل “المصيبة” التي يراها اللبنانيون نازلةً عليهم تبقى هي العامل الأساس الذي لا بد من التعاطي مع المجتمع الدولي من أجل تخفيف انعكاساته السلبية على لبنان وشعوبه ريثما تنحلّ قضيتهم. في أي حال، إن هذا الأمر أي معالجة قضية النزوح السوري هو “كالحصرم الذي رأيته في حلب” كما يُقال، فاللقاءات مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والاتصالات الهاتفية به من قياداتٍ لبنانية في الداخل وهو في الخارج يُطالب أصحابها بالضغط وبحلّ مشكلة هؤلاء النازحين لكن تحركاتهم كلها لم تعطِ أيّ نتيجة ولن تعطي أيّ نتيجة إذ إن القائمين بها إما لا يعرفون حقيقة الوضع في بلادهم والمنطقة والعالم وعدم الاهتمام بهم وبها، وإما يحاولون إقناع مؤيّديهم بأنهم “يعملون من أجلهم”.
وفي الحالتين لن يكون الجواب في مصلحتهم. أما بالنسبة الى غزة وفلسطينييها فإن المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة نفسها تقول إن من سيتولى الأمن فيها بعد انتهاء حربها سيكون قوة عسكرية مؤلّفة من مجموعات تابعة لجيوش عربية مشابهة بتركيبتها لتركيبة “اليونيفيل”. ولا بد أن تساعدها في ذلك قوة فلسطينية مدرّبة لا علاقة لـ”حماس” بها.