كتبت النهار
في عزّ احتدام المخاوف والمؤشرات المنذرة بانفجار حرب إسرائيلية شاملة على لبنان، رغم أن معظم التقديرات والتوقعات لا تزال تستبعدها، بغرابة شديدة، يكاد مجمل المشهد السياسي الداخلي في لبنان يتحول الى محرقة ناجزة لفرص إنهاء أزمة الرئاسة الشاغرة بدلا من الدفع نحو استنقاذ الرئاسة والنظام ولبنان سواء بسواء. صفق كثيرون على ضفتي الانقسام الداخلي المعتمل بعمق أكبر حول الأزمة لتحركات تولتها قوى محلية في لحظة تنذر بإدبار القوى الخارجية والدول المعنية عن لبنان، حتى إنه يتردد منذ أسابيع أن المجموعة الخماسية (الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) قد تكون في طور إنهاء مجموعتها ووساطتها وتدخلها الحميد في لبنان في الأسابيع الطالعة.
ومع أن العامل الخارجي الآخذ في الابتعاد عن الملف السياسي اللبناني والغارق في أولويات لم يعد يظهر لبنان على أي منها، كان ليشكل أفضل الدوافع لاختراق داخلي “صنع في لبنان”، تنذر طبيعة تداعيات هذه التحركات ونتاجها ليس فقط بإخفاق تام سيلتحق بإخفاق “الخارجيين” من أصحاب الوساطات، بل بأثرها الأعمق على صورة بلد يتهمش موقعه تهميشا قاتلا بإزاء ما يرسم للمنطقة كلّا بعد زلزال غزة.
أسوأ الأسوأ في ما يمكن أن يعاينه مراقب عن بعد لمجريات الواقع اللبناني الراهن، هو أن يكون البلد العربي الأول والوحيد خارج الميدان الفلسطيني في غزة المستباح لحرب محدودة تتدحرج بقوة خطيرة للغاية نحو حرب شاملة، فيما تتعاظم في داخله أزمة – فتنة بكل معايير الكارثة وعدّتها السياسية والطائفية والاجتماعية والاقتصادية. طاب للكثيرين أن يظنوا أن اشتعال السجالات حول أضحوكة اسمها “التشاور أو الحوار” السابق لانتخاب رئيس للجمهورية بعد سنة وثمانية أشهر من الفراغ قد يحمل نسمات تحريك فعلي لقعر متيبس لهذه الازمة منذ “حجر” عليه (أي وضع حجرا لا يتزحزح) رئيس مجلس النواب الغالبة صفته رئيسا لحركة “أمل”، وتبنى بلا هوادة موقف الشريك في ثنائية شيعية وقدّمه على موقع الرئاسة الثانية في النظام الدستوري.
تبيّن بأسرع مما ظن الطيبون أن شراك فتنة نصبت وراء بعض هذا المهرجان الداخلي الجاري منذ أسابيع، وكان هدفه “الأمثل” اللعب بقوة متجددة على الحساسيات التاريخية والتناقضات والتنافسات النارية بين الموارنة وتسليط الأضواء على هذا الجانب، لئلا تبقى التبعة حيث هي حقا، أي لدى الفريق المسيطر على بقايا السلطة الحكومية والرسمية والمعطل بقوة مذهبية بالدرجة الأولى انتخاب رئيس لا يكون من فريقه، تابعا له تبعية مطلقة. يجري هذا الفولكلور السلبي الفاقع في ظرف يكاد يكون مصيريا بالكامل في الشرق الأوسط، عقب صعود وقائع جيوسياسية وجيواستراتيجية رهيبة بخطورتها بعد مرور نحو تسعة أشهر على المطحنة الحربية الراعبة في غزة، والتي امتدّ لهيبها الى جنوب لبنان وحوله البلد المرشح في أي لحظة للانزلاق في الجحيم الحربي.
يكاد اللبناني لا يقوى على تحمل ترف “ثقيل الدم” في يوميات إعلامية وسياسية ضحلة كتلك التي تتعاقب عليه، فيما تتبادل إسرائيل و”حزب الله” أخطر عمليات التسابق نحو انفجار يستحيل على أي ذي منطق أن يستبعد انفجاره في أي لحظة تتفلت فيها حسابات ميدانية وتصيب هدفا كاسرا. ويجري في غرف الديبلوماسيات الإقليمية رسم خرائط ومصائر، لا “شيء” حاضرا فيها اسمه دولة لبنان، ولا أحد عارفا أو معنيا بها.
ترانا نتساءل أي فتنة أخطر من هذه؟ وما معنى الجاري في مجمل الفولكلور الداخلي وملهاته وألاعيبه سوى “انطحوا صخرة الرئاسة”!