كتبت النهار
يتحارب الاخرون، فيجعلون من لبنان ساحة لتصفية حساباتهم. يتصالح الاخرون فيتقاسمون نفوذهم في لبنان. جعلوا من وطن الأرز ساحة لحروبهم ولمصالحهم. جميعهم لا يقيمون وزناً لحق الشعوب في ارضها وبلادها وحريتها وكرامتها.
ها نحن نعيش فصلاً جديداً مما سماه غسان تويني “حروب الاخرين على ارض لبنان”، وها نحن امام جرّ لبنان الى تلك الحرب، بدفع من ايران التي تريد حجز حصة لها في عملية تقاسم النفوذ والخيرات، ينفذ خياراتها “حزب الله” بوعي او بغير ارادة منه.
المشكلة في لبنان وليست في الخارج، اذ يرتضي قسم من اللبنانيين دائماً ان يكونوا وقوداً لهذه الحروب، وان يحترقوا بها، وان يدفعوا ثمنها، من دون اهداف وطنية واضحة تمهّد لمستقبلهم ولبناء دولة تليق بأبنائهم وبالأجيال المقبلة.
المشكلة تكمن في انقسام اللبنانيين على جنس الملائكة، ورفضهم، نعم رفضهم الاتفاق على الحد الأدنى من الامور كما كل الشعوب والأمم. يربطون استحقاقاتهم بكل ثورات العالم وحروبه وصراعاته وتناقضاته. حتى الارادات الدولية والمساعي التي تبذل لمساعداتهم يعرقلونها، والمبادرات يحاولون تطويعها لخدمة مآربهم، وحسابات غالبا ما تطغى عليها الشخصانية والانانية وحب التسلط، ولا ترتقي الى اي مصلحة وطنية عليا.
عندما ينتخب رئيس للبلاد يقسم باسم “الأمة اللبنانية” لكن هذه الأمة لم تكن ابداً موجودة، بل مجموعة من الزعامات السياسية – العائلية – المذهبية، التي تلاقت مصالحها لزمن، قبل ان يفرقها طارئون على الحياة السياسية اللبنانية من بوابة الحروب والميليشيات، فيدمروا الهيكل من دون اي قدرة على بناء البديل، او ترميم القائم، حتى صار البلد ضحيتهم، مشلعاً، مخلّعاً، منقسماً على ذاته.
لبنان اليوم، كما في ايام كثيرة مضت، امام مفترق، وعلى ابواب حرب جديدة، كأنه لم يشبع حروباً وقتلاً ودماراً.