مع اكتساح الموجة الثانية المدمرة من فيروس كورونا لجميع أنحاء الهند، وجدت العاصمة دلهي نفسها تئن تحت وطأة الجائحة، حيث ارتفع عدد حالات الإصابة ارتفاعاً كبيراً، وكادت تنفد إمدادات الأوكسجين، وفي بعض المستشفيات، نفدت تماماً بالفعل، ما تسبب في وفاة المرضى على أسرَّتهم.
صحيفة The Guardian البريطانية قالت إنه لأكثر من أسبوعين، استمرت المكالمات في الانهمار، وأحياناً كان العاملون في مواجهة كورونا بالهند يتلقون أكثر من 1000 مكالمة في اليوم الواحد، وتتزايد الأصوات التي تصرخ مطالبةً بالأوكسجين.
يقول أرورا، وهو أحد المتطوعين: “نتلقى 1000 مكالمة يومياً، لكن كل ما يمكننا توفيره هو 10 إلى 15 أسطوانة أوكسجين يومياً، هذا كل شيء. إنه أمر مؤلم للغاية، فالناس يتصلون ويبكون على الهاتف، ويطلبون الأوكسجين طوال الليل”.
نقص الأوكسجين يخنق مرضى كورونا
أضاف أرورا أن “الوضع في دلهي على وجه الخصوص مروِّع: الناس يموتون في الطرقات وعلى أبواب المستشفيات؛ لعدم تمكنهم من الحصول على الأوكسجين الذي يحتاجون إليه. ومع أننا نبلغ قصارى جهدنا، فإنه من المؤلم للغاية أن نقول لا لأحد المرضى، لأنه لا يتوافر لدينا كميات كافية كل يوم”.
كما قال أرورا إنه من الواضح أن الحكومة المركزية وحكومات الولايات قد باتت عاجزة، ومن ثم فإن الأمر أصبح واقعاً على عاتق المنظمات غير الحكومية الصغيرة والمدنيين للتدخل، ومحاولة بذل ما في الطاقة، لكن هذا ليس كافياً، حتى إنه ليس كافياً لملء جزء من الفراغ.
وبالتزامن مع امتلاء المستشفيات وأسرَّة العناية المركزية في العاصمة بأعداد تتجاوز سعتها، لم يعد أمام الأطباء من مفر سوى مطالبة المرضى وذويهم بإيجاد أنابيب الأوكسجين لأنفسهم. ومن ثَم، ارتفع الطلب على أسطوانات الأوكسجين إلى مستويات غير مسبوقة، وبدأ بعض البائعين في السوق السوداء بيع أسطوانة الأوكسجين الواحدة، التي لا يتجاوز ثمنها عادةً 6 آلاف روبية (81 دولاراً) بأضعاف ثمنها، ومبالغ تصل إلى 977 دولاراً.
متطوعون لتوفير الأوكسجين
في غضون ذلك، هبَّ جيش من المدنيين والمتطوعين للاضطلاع بمهمة توفير الأوكسجين في المدينة، حيث يقدم هؤلاء أنابيب الأوكسجين وخدمة إعادة ملئها مجاناً لكل من هم في أمَسّ الحاجة إلى ذلك.
هؤلاء المتطوعون هم جزء من منظمة غير ربحية تُدعى Sewa Satkar Trust، وهي منظمة حملت على عاتقها مهمة توزيع أنابيب الأوكسجين المجانية عبر دلهي لمن يتصلون بها، إلا أن قدراتها حتى الآن لا تكاد تكفي حتى لتلبية الطلب المتزايد باستمرار في أي من أنحاء المدينة.
كانت منظمة Sewa Satkar Trust من بين عديد من المنظمات التطوعية التي أعلنت أنه بات من الصعب عليها العثور على إمدادات الأوكسجين من مصانع إنتاج وتعبئة الأوكسجين. وتذهب اللوائح الجديدة التي أدخلتها الحكومة إلى أنه يتعين على المصانع إعطاء الأوكسجين مباشرة إلى المستشفيات، بدلاً من ملء الأنابيب للأفراد، ومع ذلك فإن الواقع أن معظم المرضى المحتاجين إلى إمدادات الأوكسجين لا مكان لهم في المستشفيات ولا يستطيعون الدخول إليها.
فيصل خالق، متطوع من مسجد ومدرسة Amania Trust، تقدَّمَ للمساعدة في توزيع أنابيب الأوكسجين مجاناً في جميع أنحاء دلهي. وعن طريق التعاون مع منظمة غير حكومية أخرى، هي مؤسسة Asma Esa Foundation، بدأت في شراء أنابيب الأوكسجين في فبراير/شباط وتوزع الآن نحو 200 أنبوبة يومياً بلا مقابل في جميع أنحاء دلهي. ومع ذلك، فإن فيصل خالق يقول إنه “من المستحيل” تلبية جميع الطلبات، وإلا فنحن في حاجة إلى ما يزيد على 5 آلاف أنبوبة يومياً لتلبية الطلب الحالي.
من جهة أخرى، فليست دلهي وحدها التي تعاني نقصاً في إمدادات الأوكسجين، ففي ولاية أوتار براديش، إحدى أكثر الولايات الهندية اكتظاظاً بالسكان، تعاني مدينة أغرا شحّاً حاداً في إمدادات الأوكسجين.
السلطات تهدد المستشفيات في الهند
وعلى الرغم من إصرار رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، يوغي أديتياناث، على أن الولاية “لا تعاني نقصاً في إمدادات الأوكسجين” وتهديده باتخاذ إجراءات قانونية ضد المستشفيات التي تزعم ذلك، فإن الحديث منتشر بين أولئك الذين يعيشون في أغرا عن “نقصٍ مأساوي في إمدادات الأوكسجين”.
وفي مدينة جانسي، وهي مدينة أخرى في ولاية أوتار براديش تعاني معاناة شديدة من أزمة نقص إمدادات الأوكسجين نفسها، تطوع الطالب أكاش بارشار ونجح في توصيل أنابيب الأوكسجين لأكثر من 1500 شخص في النطاق المحلي.
ويقول بارشار: “الناس هنا يتوسلون للحصول على أنابيب الأوكسجين، لكن بسبب فشل الحكومة، يُضطر الناس إلى توديع أحبائهم، لأنهم لا يستطيعون توفير الأوكسجين الذي يحتاجون إليه. المنطقة كلها تعاني والحكومة تبدو كالأعمى والأصم عن معاناتنا”.
يأتي ذلك فيما لا تزال أعداد حالات الإصابة ترتفع في العاصمة، التي لديها معدل زيادة يومي الآن يزيد على 35% وتسجِّل أكثر من 20 ألف حالة جديدة كل يوم، وفي ذلك اليوم لم يكن هناك، ولو سرير واحد، للعناية المركزة متاح في دلهي.