دخل “الوقف” المتزامن لإطلاق النار، الذي اشترطته المقاومة الفلسطينية، اختباره الحقيقي ليل الخميس – الجمعة، حيث شهدت الساعات الأخيرة قبل الثانية من فجر اليوم تبادلاً للقصف بوتيرة متوسطة. على أن الموقف لدى الطرفين، المقاومة والعدو الإسرائيلي، هو أن اليد على الزناد، مع أن الأجواء المصرية والأميركية تشي بانتهاء المعركة عند هذا الحدّ. يأتي ذلك بعدما وافقت المقاومة وحكومة العدو على تهدئة متبادلة ومتزامنة عقب وقت قصير من موافقة الاحتلال على وقف النار خلال اجتماع «المجلس الوزاري المصغر» (الكابينت)، والذي قيل إنه سيبحث صيغة وقف إطلاق النار من طرف واحد، قبل أن ينتهي بإعلان رسمي بالموافقة على المبادرة المصرية. وأعلنت القاهرة، من جهتها، في بيان رسمي، أنها ستوفد «وفدَين أمنيين إلى تل أبيب والمناطق الفلسطينية لمتابعة إجراءات التنفيذ والاتفاق على الإجراءات اللاحقة التي من شأنها الحفاظ على استقرار الأوضاع بصورة دائمة».
في المقابل، كانت الفصائل الفلسطينية أكثر وضوحاً، إذ أفادت «حماس» بأنها أكدت خلال المفاوضات «بنص واضح وصريح ومكتوب أن أيّ إجراء يقوم به الاحتلال ضدّ المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جراح وما أدى إلى المواجهة الأخيرة، يعني العودة إلى معركة سيف القدس»، فيما ذكرت مصادر قيادية في الحركة أن الأخيرة «أبلغت المصريين بوضوح أنه إذا عادت اقتحامات الأقصى، وصودرت منازل الفلسطينيين في الشيخ جراح، فستكون الحركة في حلّ من هذه التهدئة، وستردّ على الاحتلال بما هو مناسب بما في ذلك العودة إلى المعركة». كما أكدت المصادر، لـ”الأخبار”، أن الوفد المصري سيصل إلى قطاع غزة خلال يومين لاستكمال المباحثات لتثبيت التهدئة، على أن يجري مباحثات مكوكية بين غزة وتل أبيب لحلّ القضايا المتعلقة بالقدس، وأيضاً إعادة إعمار القطاع. ولوضع النقاط على الحروف، ذكّر المتحدّث باسم «كتائب القسام»، «أبو عبيدة»، في كلمة نيابة عن «غرفة العمليات المشتركة»، بأن المقاومة «أذلّت الاحتلال وكيانه الهش وأظهرت جيشهم المهزوم»، كاشفاً أن المقاومة «علّقت ضربة صاروخية كبيرة جداً تغطّي كلّ فلسطين من حيفا حتى رامون استجابة للوسطاء»، لكنها لا تزال «تضع قرار الضربة على الطاولة حتى الثانية من فجر اليوم الجمعة (أمس)، وتضع قيادة الاحتلال أمام اختبار حقيقي»
سيشهد اليوم الجمعة تلبيةً لـ«دعوات من كلّ فلسطين لشدّ الرحال إلى باحات الأقصى”
أمّا ما حرّك الماء الراكد، فهو ما شهدته القاهرة من تفويض أميركي مساء الأربعاء، انتهى أمس باتصال بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ونظيره الأميركي، جو بايدن، هو الأول من نوعه منذ وصول الأخير إلى البيت الأبيض، وكان عنوانه مناقشة الأوضاع في غزة. وفق المصادر المصرية، أكد السيسي لبايدن ضرورة «الحفاظ على سلامة المدنيين»، مشيرة إلى أن «التوتر ساد المحادثة بعدما دافع السيسي عن حماس ووصَف ما تقوم به بأنه ردّ فعل على ما قامت به إسرائيل في الشيخ جراح ومناطق القدس بعدما حاولت تغيير الواقع الديموغرافي»، وأن ذلك أمر «لن تسمح به مصر والدول العربية لأنه يعيدنا عقوداً إلى الوراء وينسف أيّ محاولات للتطبيع الشعبي». في المقابل، أبدى بايدن رغبة في «فرض قيود أكثر إحكاماً على غزة خلال المدّة المقبلة، مع الأخذ بالاعتبار التنسيق المصري ــ الأميركي»، وهو ما ردّ عليه السيسي بالقول إن لهذا الطلب «حاجات كثيرة من أسلحة متطوّرة وحديثة للسيطرة علي الحدود بشكل كامل». وفي النهاية، اتفق الرئيسان على استكمال التشاور بمشاركة قطرية لممارسة مزيد من الضغوط على «حماس»، فيما تعهّد الرئيس المصري بمراقبة المساعدات والتأكد من إنفاقها بطريقة سليمة. وفي وقت لاحق، قال بايدن إنه تحدث مع نتنياهو، وشدد على ضرورة وقف الأعمال العدائية، وقد وافق الأخير على ذلك.
ميدانياً، في اليوم الحادي عشر، وربّما الأخير، كثفت المقاومة قصف ثلاث مدن محتلة بوابل من الصواريخ، أتبعتها بعملية استهداف حافلة تقلّ جنوداً شمال القطاع، ردّاً على سلسلة غارات عنيفة تعمّد فيها الاحتلال استهداف بنى تحتية ومصانع، فضلاً عن تنفيذه عملية اغتيال بطائرات استطلاع لمقاومين. وجراء ذلك، شهدت عسقلان وأسدود وبئر السبع رشقات مكثفة طوال أمس، أطلقتها «القسام» و«سرايا القدس» و«ألوية الناصر صلاح الدين»، ما أدى إلى إصابات وأضرار واسعة، بعدما اعترف جيش الاحتلال بسقوط عشرات الصواريخ على هذه المدن، وادّعى تمكّن «القبة الحديدية» من التصدي لبعضها. كما قصفت الفصائل المواقع العسكرية بالصواريخ وقذائف الهاون، بما فيها بطاريات مدفعية الهاوتزر قرب «سديروت». وفي الظهيرة، وعلى عكس توقّع جيش الاحتلال الذي يبحث عن صورة نصر يقنع بها جمهوره، أعلنت «القسام» استهداف حافلة جنود قرب قاعدة «زيكيم» بصاروخ موجّه دمّرها بالكامل، فيما ادّعت المصادر العبرية أن الصاروخ تسبّب في إصابة جندي كان يقف بجوارها بجروح طفيفة.
ومنذ الفجر، استهدفت الغارات منازل وشوارع رئيسيّة في مخيم جباليا ومنطقة الصفطاوي (شمال)، فيما لم تتوقف البوارج البحرية عن استهداف ساحل غزة، كما جدّدت مدفعية الاحتلال قصفها على القطاع من جنوب عسقلان، وواصل سلاح الطيران عملياته ودمر ثلاثة منازل وثلاث شقق سكنية في مناطق مختلفة. وبدا واضحاً، قبل التهدئة، سعي الاحتلال إلى زيادة حجم الأضرار الاقتصادية، إذ تعمّد استهداف مستودع كبير للأدوات الزراعية في الشمال، وأتبعه باستهداف ثلاثة مصانع للبلاستيك في المنطقة الصناعية شرقاً، ما أدى إلى حريق كبير استغرق إطفاؤه أكثر من خمس ساعات. كذلك، نفذ عصراً عملية اغتيال لمقاومين بعد استهداف السيارة التي كانوا يستقلونها شمال القطاع فاستشهد اثنان وأصيب ثلاثة. ووفق وزارة الأشغال العامة في غزة، وصل إجمالي الوحدات السكنية المتضرّرة بفعل العدوان إلى 16800، منها 1800 غير صالحة للسكن و1000 هُدّمت بشكل كامل.
إلى ذلك، وفي إطار الاستمرار في دعم جمهورية إيران الإسلامية للمقاومة، وجّه قائد «قوة القدس» في «حرس الثورة»، العميد إسماعيل قآاني، رسالة إلى قائد «القسام»، محمد الضيف، وقائد السرايا، أكرم العجوري، يؤكد فيها «العهد الذي قطعه لهم شهيد القدس القائد الحاج قاسم سليماني»، وأن «الجمهورية الإسلامية لن تترك فلسطين وحيدة مهما تعاظمت الضغوط واستحكم الحصار».