كتبت نسرين مرعب في “أساس ميديا”:
♦لم يعد منطقياً تشريع أبواب المدارس والحضانات استناداً إلى دراسات تتحدّث عن “قوّة الجهاز المناعي” للأطفال، وقدرته على مقاومة الفيروس. فهذه الدراسات التي تتمسك بها وزارة التربية في قرارها، تقابلها دراسات أخرى تحذّر من تحوّل الطفل إلى ناقل للعدوى.
فالجهاز المناعي للطفل يحميه هو فقط، ولا يحمي من يخالطه من انتقال العدوى إليه. ومن بين هذه الدراسات: دراسة أُعدّت في كوريا الجنوبية من قبل الطبيبتين روبيرتا ديبيازي وميغان ديلاني، إضافة إلى دراسة أميركية نشرت مؤخراً في دورية “ساينس”، وأشرف عليها رمنان لاكسيمناريان من مركز “ديناميات” للأوبئة والاقتصاد والسياسة، وجاء فيها أنّ “الأطفال بإمكانهم نقل العدوى بمرض كوفيد-19 إلى حدّ كبير، ولكنّ البالغين من متوسطي الأعمار هم أول مصدر لانتقال العدوى”.
هذه الدراسات كانت محور اتصال أجراه موقع “أساس”، مع الرئيس السابق للجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية الدكتور زاهي الحلو.
لم ينفِ الحلو أنّ عدداً قليلاً من الأطفال هم الذين تتدهور صحتهم جراء الإصابة بالفيروس، وحذّر من أنّ “الفيروس يتكاثر لدى الأطفال بشكل أكبر، ما يؤدّي إلى نقل العدوى لمن يخالطوهم”، مضيفاً: “هنا الخوف على كبار العمر، ففي أكثر العائلات اللبنانية يعيش في المنزل نفسه مع الأطفال الأجداد. وهؤلاء في خطر”.
ويرى الحلو أنّه “من الخطر فتح المدارس في هذه المرحلة. إذ لا تجهيزات بشكل كافٍ. وبحسب ما نرى فإنّ أكثر المدارس لا تباعد فيها، ولا تهوئة ولا التزام بالكمامة، ولا بالتعقيم. بل أكثر من ذلك، في بعض المدارس لا يوجد حتى صابون في الحمّامات”.
ولا ينكر الحلو أنّ ضبط الطفل في كلّ الأحوال هو من الأمور التي تكاد تكون مستحيلة: “الأطفال لا يعلمون مساوئ هذا الفيروس، ولا يعون خطورته”، داعياً إلى “إغلاق المدارس حتى رأس السنة الميلادية على الأقل. والتركيز على التعليم أونلاين خلال الشهرين المقبلين. وبعد هذه المدة، يجري تقييم للوضع، واتخاذ قرار إما بفتح المدارس أو بتمديد الإغلاق. أما اليوم ومع 2000 إصابة يومياً، فأنا صراحة لست مع المخاطرة بعودة الطلاب إلى مدارسهم. كان هناك تسرّع في اتخاذ هذا القرار”.
في السياق نفسه، يوضح رئيس قسم العناية الفائقة في مستشفى الحريري الدكتور محمود حسون لـ”أساس”، أنّ “الطفل لا يولد لديه مناعة من الكورونا. بل هو لديه جهاز مناعة يجعله قادراً على مقاومة الكورونا، وعدم التأثر سلبياً بهذا الفيروس”.
من المعروف أنّ الوفيات لدى الأطفال في مختلف الفيروسات أقل نسبة من البالغين وكبار العمر: “فجهاز مناعتهم قادر على المقاومة أكثر. وحتّى الأطفال الذي يعانون من مشاكل خَلْقية في القلب، هم قادرون على تحمّل الأوكسيجين ولا تتأثر حياتهم، لكون جسمهم صغيراً، ولا يستهلك كمية كبيرة من الأوكسجين”.
وفي ما يتعلّق بتحوّل الطفل لمصدر العدوى، يميّز الدكتور حسون بين مرحلتين عمريتين، موضحاً أنّ “الأطفال تحت عمر 3 أو 5 سنوات، لا يتكاثر الفيروس في جسمهم بنسبة كبيرة، خلافاً للأكبر عمراً. إذ أثبتت إحدى الدراسات التي قارنت بين طفل مصاب بفيروس كورونا وخالط مجموعة من الأشخاص، وبين طفل مصاب بالـH1N1، أنّ الطفل المصاب بالكورونا نقل العدوى لاثنين فقط، في حين أنّ الطفل المصاب بأنفلونزا الخنازير نقل العدوى لـ10 أشخاص. وهذا إن دلّ على شي،ء فعلى أنّ جسم الأطفال يقاوم الكورونا، وأنّ الفيروس لا يتكاثر لديهم. وهنا لا نقول إنّهم ليسوا مصدر عدوى. هم بالطبع مصدر عدوى، ولكنّ احتمال نقله لديهم أقل من البالغين”.
إلى ذلك يوضح حسون، أننا في لبنان أصبحنا في حالة انتشار للفيروس فـ”الوباء تفشّى. ولم نعد في حالة سيطرة على الفيروس”، وأنّ الإقفال “كي يكون فعّالاً يجب أن يرتبط بفتح عدد من الأسرّة في المستشفيات الخاصة. ففي لبنان هناك فقط 18 مستشفى خاصاً من أصل 120، تتعاون في مسألة كورونا”.
إذاً، لا حلّ إلاّ بإقفال المدارس. واتخاذ قرار جريء بالتعليم عن بعد. أما الاستمرار بلعبة الإغلاق والإقفال في القطاع التربوي، فسيؤدي إلى كارثة صحية، إن نجا منها الأطفال، فلن ينجو منها ذووهم.