صـحـيــفــة الأخــبــار
كما لو أنه يوم 4 تشرين الثاني 2017، يوم قرر وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان خطف رئيس حكومة لبنان، سعد الحريري، وإجباره على الاستقالة.
يوم أمس، قرر ابن سلمان خطف الحكومة اللبنانية كاملة، وإجبارها على الركوع أمامه، أو الرحيل، بذريعة تصريحات قالها وزير الإعلام جورج قرداحي، قبل تعيينه وزيراً، انتقد فيها العدوان على اليمن.
وكما قبل 4 سنوات، كذلك ليل أمس. ما إن أعلن النظام السعودي سحب سفيره من بيروت وطرد السفير اللبناني في الرياض ووقف الاستيراد من لبنان، حتى خرجت وسائل الإعلام نفسها، والسياسيون أنفسهم، ليغطّوا جنون ابن سلمان وقراره بالضغط على لبنان ودفعه إلى الخضوع.
على سبيل المثال، رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع ــــ الذي كان السياسي الوحيد الذي زاره السفير السعودي، وليد البخاري، علناً قبل إعلان سحبه من بيروت ــــ انبرى ناقلاً للبنانيين تهديداً واضحاً:
«هناك أزمة متدحرجة كبيرة جداً بين دول الخليج والحكومة اللبنانية.
إن الأكثرية الحكومية الحالية مدعوّة إلى اتخاذ قرار سريع وحاسم وواضح لتجنيب الشعب اللبناني مزيداً من المآسي».
فيما كان النائب السابق وليد جنبلاط أكثر وضوحاً من جعجع، لجهة مطالبته بإقالة «هذا الوزير الذي سيدمّر علاقاتنا مع الخليج».
مصادر على صلة بالنظام السعودي أكّدت أن الرياض تريد إسقاط حكومة نجيب ميقاتي، فإما أن يخضع الأخير وحكومته، مع ما يعنيه ذلك من فتح باب للتنازلات التي لن تقف عند حد، وإما أن يستقيل.
الموقف السعودي المستجد يبدو أنه اتّخذ من تصريحات قالها الوزير قرداحي، قبل تأليف الحكومة، ذريعة للانقضاض على لبنان، بسبب فشل قوات ابن سلمان في اليمن، وتحديداً في معركة مأرب.
وفي بيانها الذي أعلنت فيه سحب سفيرها من بيروت وطرد السفير اللبناني في الرياض، كررت الحكومة السعودية أكاذيب عن عدم تعاون لبنان معها في مجال مكافحة المخدرات.
رغم أن غالبية عمليات ضبط المخدرات في الموانئ السعودية تتم بناءً على معلومات من الأجهزة الأمنية اللبنانية.
لكن أهم ما في البيان هو تكرار الحديث عن حزب الله و«سيطرته» على لبنان، و«توفير الدعم والتدريب لميليشيا الحوثي الإرهابية».
قرار السعودية التصعيد في لبنان ستلتحق به دول خليجية أخرى، كان أولها، كالعادة، البحرين التي نسخت ليلاً إجراءات الرياض (طرد السفير اللبناني).
وفيما تردّد أن قطر وعُمان لن تجاريا السعودية، قررت الرياض إجراء سلسلة اتصالات مع دول عربية أخرى في محاولة لاتخاذ قرار في الجامعة العربية ضد لبنان!
ما جرى يبقى في إطار مغامرة جديدة لابن سلمان، إلا إذا قررت الولايات المتحدة وفرنسا تبنّيه.
وفي تلك الحالة، سيكون لبنان أمام قرار كبير بجرّه إلى الفوضى الشاملة، وهو ما يدعم حجّة المقتنعين به قرارُ العقوبات الأميركي الذي صدر أول من أمس بحق النائب جميل السيد ورجلَي الأعمال جهاد العرب وداني خوري.
لكن المعلومات التي توفرت أمس أشارت إلى اتصالات أميركية وفرنسية بميقاتي، لحضّه على عدم الاستقالة، مع «وجوب معالجة المشكلة المستجدة مع السعودية».
ميقاتي سارع إلى الاتصال برئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وبعد بيان عبّر فيه عن أسفه للقرار السعودي، أجرى اتصالاً بالوزير قرداحي «وطلب منه تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لإعادة إصلاح علاقات لبنان العربية»، بحسب بيان صادر عن رئاسة الحكومة.
وهذا البيان يعني تشجيعاً من ميقاتي لقرداحي على الاستقالة.
قبل ذلك، كان حزب الله قد أبلغ رئيس الحكومة بأن أيّ مسعى لإقالة وزير الإعلام في مجلس الوزراء (يحتاج هذا القرار إلى ثلثَي أعضاء الحكومة) يعني استقالة وزراء الحزب.
وجرت محاولات للضغط على النائب السابق سليمان فرنجية، كونه سمّى قرداحي للوزارة، إلا أن رئيس «المردة» رفض الضغط على الوزير ودفعه إلى الاستقالة.
وأبلغه أمس أنه ينتظر موقفه ويدعمه مهما كان هذا الموقف.
وفي انتظار ما سيقرره وزير الإعلام، قرر رئيس الحكومة عدم قطع زيارته لاسكتلندا، حيث يشارك في مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي.
مصادر على تواصل مع السلطات السعودية قالت إن الرياض أبلغت حلفاء لها في لبنان منذ أول من أمس أنها بصدد خطوات تصعيدية ضد لبنان.
وبموازاة ذلك، أعرب السعوديون عن «خيبتهم» من اقتصار ردود الفعل على كلام قرداحي على بيانات استنكار، وسط توقعات بأن يبادر وزراء محسوبون على تيار المستقبل والحزب الاشتراكي الى الاستقالة من الحكومة.
كذلك حصول تحركات شعبية في عدد من المناطق اللبنانية استنكاراً لما أدلى به قرداحي.
ولفتت المصادر الى أن السعودية التي سمعت طلبات بالتروّي من قطر والكويت، سارعت الى المباشرة بخطواتها وأنها تنتظر إجراءات مماثلة في وقت قريب من الآخرين، وخصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة التي لم تكن قد أعلنت أي إجراء.
إلى جانب هذه الخطوات، بدا أن السعودية تتصرف بغضب شديد، وقال المتصلون إن الدبلوماسية السعودية تتحدث عن فشل في المفاوضات الإيرانية ــــ السعودية حول العراق واليمن ولبنان.
وإن الرياض سعت مع دمشق من خلال الجانب الإماراتي للقيام بدور في ملف اليمن وفي ملف لبنان أيضاً، مقابل أن تساعد الرياض على إعادة سوريا الى الجامعة العربية والتواصل مع الأوروبيين والأميركيين لفتح باب المساعدات في عملية إعادة الإعمار.
أما بشأن الموقف من الحلفاء في لبنان، فإن الجانب السعودي تعمّد أن تقتصر زيارات السفير على جعجع دون غيره من القيادات البارزة.
وإنه عبّر بوضوح عن استمرار القطيعة مع الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، وإن الرياض لن تطلب من الأخير أي خطوة «وهو يعرف ما يجب القيام به».