كاتب المقال : اساس ميديا
انتهت قمّة غلاسكو للتغيّر المناخيّ بـ”وعد ميقاتي” لقيادات دول العالم بـ”تعزيز لبنان قدراته في إنتاج الطاقة المتجدّدة، وتقديمه استراتيجية طويلة الأمد للحدّ من الانبعاثات، وتحقيق النموّ المستدام بحلول 2050، وإعطاء الأولويّة للاقتصاد الأخضر الدائري، والفصل بين النموّ الاقتصادي وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري”.
لكن عمليّاً حطّت طائرة ميقاتي الخاصّة أمس على أرض محروقة، وللمناسبة غارقة بالنفايات ودخّان مولّدات الكهرباء المُسرطِن، ولا انبعاثات فيها إلّا لسموم ملفّاتٍ مُشتعِلة باتت تمهّد لخراب كامل لا مكان فيه لرؤية مناخيّة استباقيّة بهذا الثقل حتّى لو كان الفاصل الزمني عنها 30 عاماً.
انتهى ميقاتي من الكلام “الإنشائي”، الذي يُحِبّ أن يَسمعه الغرب حتّى لو كان من دولة منكوبة مثل لبنان، ليلتفت إلى “مناخ عاصف” يلفح حكومته التي لم يضبط بعض الوزراء فيها أعصابهم فشطحوا في مواقفهم عن التضامن الوزاري، و”رسّموا” الحدود داخل الحكومة يما يتناسب مع رؤى مرجعيّاتهم السياسية.
يرى مصدر وزاريّ لبناني أن “لا دعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء في المدى القريب، فيما يتركّز جهد رئيس الحكومة على تخريجة مع الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه برّي وحزب الله وتيار المردة تُعفي الفريق الداعم لوزير الإعلام من الإحراج، فتكون الاستقالة طوعيّة وبمبادرة شخصيّة من وزير الإعلام. أمّا نتائج لقاءات ميقاتي في الخارج فلا تزال ضبابيّة، وكذلك المساعي لحلّ عقدة تحقيقات المحقّق العدلي طارق البيطار”.
لم يستسلم ميقاتي بعد ولم يتراجع عن الدفع إلى استقالة يريدها ضمنيّاً رئيس الجمهورية ولا يمانعها الرئيس برّي حتّى لو أوحى بعكس ذلك. في حسابات ميقاتي هي الخطوة الإلزامية لأيّ مدخل للحلّ، بغضّ النظر عن تأثيراتها على الموقف الخليجي.
وقد استُقبل رئيس الحكومة العائد بموقف عالي السقف من جانب المطارنة الموارنة يُفهم من بين سطوره دعوة عاجلة لـ”إزالة أسباب” الأزمة مع دول الخليج، وأولى الخطوات تقديم الوزير قرداحي استقالته. وتفيد معلومات عن لقاءٍ سيجمع اليوم عون وميقاتي الذي سيضع رئيس الجمهورية في أجواء اتّصالاته الخارجيّة في شأن الأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج، فيما الهمّ الأكبر سينصبّ على العمل على استئناف جلسات مجلس الوزراء.
وعكست أوساطٌ مسيحيةٌ استياءً من تحوّل الوزير الكسرواني إلى واجهة لاشتباك مع دول الخليج، فيما المعركة الحقيقية واضحة، وهي بعنوان “حزب الله-السعوديّة”.
تقول مصادر سياسية بارزة في هذا السياق: “من دون أيّ لبس، طابع الأزمة هو سنّيّ – شيعيّ يبدأ بخطوط التماس في قصقص وينتهي بخطوطها في كابول. هذه هي خريطة الصراع. المفارقة أنّ ضمن هذا الصراع الحادّ “أداتين”: أداة مارونيّة من فيترون الكسروانية تتمثّل بالوزير جورج قرداحي. وأداة مارونية أخرى من روم تتمثّل بالوزير عبدالله بو حبيب. وقد يتحوّلان إلى فرق عملة في هذا الصراع ولا أحد من المعنيّين بالأزمة يحسب حسابهما إن من خلال خيار التأزيم أو الحلّ. وباختصار، ما حدن قاريهم”.
ونشأت على هامش الأزمة المصيرية مع دول الخليج مُشكلة إضافية وسّعت بيكار غضب الخليجيّين من حزب الله ووزير الإعلام جورج قرداحي، بعدما امتدّت إلى وزير الخارجية إثر نشر مقتطفات من تسجيلات بالصوت عائدة له رأى الوزير عبدالله بو حبيب نفسه أنّها “تصبّ الزيت على النار مع دول الخليج”.
وقد كانت هذه المسألة مدار بحثٍ أمس بين رئيس الجمهورية ووزير الخارجية. وبدا لافتاً أمس، بعد انتهاء لقائه مع الرئيس عون، توجيهه رسائل إيجابية بالجملة إلى الخليجيّين حاصراً المشكلة بـ”شخص”، وداعياً إلى “ضرورة أن يقف ما حدث عند تغليب المصلحة العربية المشتركة وعدم صبّ الزيت على النار”.
وبالنسبة إلى راصدي “بروفيل” الوزير عبدالله بو حبيب، كان الرجل من المعسكر الذي ينتقد صراحةً أداء العهد، وثمّة مقالات ومقابلات عدّة له، ومنها خاصّ بموقع “أساس”، أعلن خلالها أنّ “نصرالله هو الرئيس الفعليّ للبنان”. لكنّ تموضعه المُستجدّ إلى جانب الوزير جبران باسيل مهّد له الطريق إلى قصر بسترس.
وفي هذا السياق، يقول مطّلعون إنّ “ميقاتي وباسيل اتّفقا على أن يكون رئيس الحكومة هو وزير الخارجية الفعليّ، فيما تتركّز مهامّ الأخير على أن يكون المُعتمَد الإداري لباسيل لشؤون الاغتراب والتشكيلات الدبلوماسية. وفي الواقع تتمّ كلّ حركة ميقاتي الخارجية من دون تنسيق مع وزير الخارجية”.
وبعد انفجار قضية تصريحات بو حبيب وطلب ميقاتي من الأخير البقاء في لبنان وتأليف خليّة الأزمة وعدم الالتحاق بالوفد اللبناني في غلاسكو، اعترض الفريق الشيعيّ وسَحب وزير المال من الخليّة بالتزامن مع إطلاق الوزير قرداحي موقفاً تصعيديّاً بإعلان أنّ استقالته “غير واردة”.
ومن هذا المشهد تفرّع مشهد أكثر حساسيّة مرتبط بالعلاقة بين عون وحزب الله، إذ أكّد مطّلعون أنّ “تمسّك الحزب ببقاء قرداحي في الحكومة لاقى استياءً كبيراً في القصر الجمهوري لأنّه قد يؤدّي إلى تكريس الشلل الحكومي”. لكن في رأي هؤلاء “يعوّل عون وباسيل على إيجابيّة واحدة لهذه الأزمة تتجلّى في تأثيرها السلبيّ على سليمان فرنجية على أبواب الانتخابات الرئاسية”.
في سياق آخر، وعلى هامش الاتصالات التي أجراها ميقاتي، خصوصاً مع الأميركيين والفرنسيين، برز هاجس لديه، وفق مصادر مطّلعة، بأن “تبقى مصالحه الخاصّة ومشاريعه بعيدةً عن أيّ استهداف ربطاً بتداعيات الأزمة مع الخليج”.
وربط هؤلاء احتمال استقالة ميقاتي بأمريْن أساسيّين: وجود خطر مباشر على شبكة مصالحه في الخارج، ورفع الغطاء السنّيّ الداخلي عنه، وتحديداً من قبل ما تبقّى من نادي رؤساء الحكومات السابقين. أمّا الأمر الثالث والمسلّم به أصلاً فهو عدم قدرة ميقاتي على تحمّل فترة طويلة من الشلل الحكومي.