لبنان فدرالي عرفيا…
إن الفدرالية في مفهومها العام شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة بين حكومة مركزية ووحدات حكومية أصغر تتقاسم السيادة في الدولة ، و يكون لكل ولاية او اقليم وحدة دستورية تحدد فيه سلطاتها التشريعية و التنفيذية و القضائية .
منذ زمن ليس ببعيد ، بدء البعض بطرح فكرة الفدرالية في لبنان ،بمعنى أبسط ، تقسيم لبنان إلى أقاليم تملك حكوماتها و قوانينها المستقلة التي تتوافق مع طبيعة السكان و انتمائاتهم المذهبية و السياسية، لكننا هنا لن ندخل في تفاصيل الطرح و أسبابه و لا خلفياته، فمنهم من طرحه هربا من الحصار و العقوبات و منهم بغية توسيع نفوذه و نيله حصة وازنة من الحكم في منطقته، إنما سنشرح كيف أن لبنان فدرالي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
أولا، القوانين الإنتخابية في لبنان
إن القوانين الإنتخابية تنبثق من مفهوم طائفي مناطقي بحيث تنتخب كل منطقة ممثلين عنها في البرلمان ، فيتحول النائب من ممثل للأمة جمعاء كما نص الدستور إلى ممثل لطائفته و دائرته الإنتخابية، فهم وحدهم من يمكنهم محاسبته إنتخابيا ، لذلك سيعمل على إرضاء طموحاتهم و متطلباتهم متغافلا عن باقي السكان في الدوائر الأخرى.
ثانيا،طبيعة السكان و قوانينهم الخاصة في المناطق
يمكنك في لبنان ، الدولة الواحدة ذات القانون الواحد ، أن ترى ما هو مسموح في منطقة ممنوع في أخرى ، و يعود ذلك إلى عادات السكان و تقاليدهم و مذهبهم الذي غالبا ما يكون واحدا في كل منطقة ، مثال على ذلك ، في مدينة صيدا ، بوابة الجنوب ، يمنع بيع أي مشروبات كحولية تحت طائلة إغلاق المحال و تغريم أصحابها ، بينما تجد محال المشروبات الروحية في بيروت و جونية أمر طبيعي و متعارف عليه .
ثالثا،تفاوت الخدمات من منطقة إلى أخرى
يعيش لبنان عموما أزمة كهرباء حادة ، لكنه تختلف بين منطقة و أخرى ، ففي الشمال ، الكهرباء شبه معدومة رغم توفر معمل ضخم لإنتاجها ، بينما في زحلة ، الكهرباء ٢٤/٢٤ ، أضف الى ذلك ملف الجامعة اللبنانية و فروعها ، حيث أنه لا يمكنك مقارنة فرع بآخر ، فلا تشابه بينهم ، فهنالك فروع تملك غالبية الإختصاصات بسنواتها كاملة كالفرع الخامس في صيدا و فروع لا يمكنك الدارسة بها سوى سنة واحدة ككلية العلوم في صور.
رابعا،الوجه الدمغرافي للسكان و التخوف الطائفي
من أكثر الصور تجليا للطائفية في لبنان ، هي منع المسلمين من التملك في مناطق المسيحيين ، حتى وصل الأمر الى تغيير أسماء بعض الأحياء و المدن لتتماشى مع هذا المفهوم المستحدث عونيا ، و يمكن أخذ منطقة الحدث كمثال بارز ، التي باتت اليوم تسمى “الحدت”، و يمنع على أي مسلم التملك بها خوفا من تغيير طابعها الديني رغم أننا جميعا لبنانيين تحت حكم واحد و قانون موحد لكافة الأراضي اللبنانية.
خامسا، إختلاف القضايا بإختلاف المناطق
في لبنان ، لا يوجد قضية سامية وطنية بالمعنى الفعلي للكلمة، فالقضية السامية في بقعة جغرافية تختلف عن غيرها في بقعة أخرى ، و كل ذلك ضمن ال١٠٤٥٢كم² ، و الكل يعلم مثلا ، أن قضية الجنوب السامية هي المقاومة بينما لا تعد هذه القضية من الثوابت في الشمال ، و يعود ذلك إلى إحتلال العدو للجنوب ضمانا لمصالحه التي لا يؤثر عليها شمال لبنان كما يؤثر جنوبه، و غيرها الكثير من القضايا كالعداء للنظام السوري أو التحالف معه ، كدعم المعارضة أو محاربتها و تكفيرها.
إن وطننا اليوم يعيش حكما فدراليا مستترا ، و هو من أسوء أنواع هذا الحكم و أكثرها ضررا و فرادة في كل العالم، لذلك ، يتوجب علينا اليوم الخروج عن هذا النظام و تخطي خطوط التماس المرسومة في أذهاننا و التي ما هي إلا وهم و خراب سيقودنا يوما إلى تكرار حرب ال٧٥ الدموية .
علي حدرج