جراحة الشرايين التاجية للقلب هي الأكثر رواجاً واهمّيةً!
كنا قد نشرنا منذ ايام الأجزاء الثلاثة الأولى من هذا الملف حول واقع الجراحات القلبية في لبنان والعالم وتكلّمنا بشكلٍ موجز وسريع عن تداعيات الأزمة الإقتصادية-المالية-النقدية-المعيشية التي يمرّ بها لبنان منذ حوالي ٣ سنوات او اكثر إضافة الى الآثار المدمرة التي تسببّت بها جائحة كورونا واللتان تركتا آثار خطيرة على كل المستويات. واشرنا كذلك الى اهم التقنيات التي سعى الى تطويرها اطباء وجراحو القلب في هذا المجال واهمها الطرق الغازية أو التدخلية (Interventional or Invasive Theray)، وكذلك تقنيات لا تستدعي اللجوء إيقاف القلب (Beating heart surgery or Off-pump surgery) وتقنيات جراحية أقل غزواً أو تغلغلاً في الجسم
( Minimally invasive heart surgery) من اجل إجراء تسريع عملية خروج المريض من المستشفى وعدم إحداث جرح كبير في القفص الصدري اثناء الجراحة. واستعرضنا بشكلٍ سريع جراحات الصمامات القلبية بشقّيها
” الترميمي” أو “المُحافظ” او “التصليحي” للصمام (Conservative or reparative surgery) والآخر “التغييري” (Valves replacement). وقد استعرضنا بشكلٍ موجز ايضاً كل الجوانب التي لها علاقة بإيجابيات وبسلبيات وعوائق كل تقنية من هذه التقنيات. وقد اشرنا الى الظاهرة الجديدة التي ظهرت منذ حوالي عشرين سنة تقريباً مع تطوير عمليات زرع او تركيب الصمام الأبهر للقلب عبر تقنيات التمييل(TAVI) وهي التي ادّت الى إيجاد ظاهرة او وحدة “الفريق القلبي” او “Heart team ” متعدد الأطراف والتي يُشارك فيه اطباء القلب التدخلييون وغير التدخلييون، جراجو القلب، اطباء البنج والتخدير، الأطباء المتخصّصون بالمتقدّمين بالسن، المعالجون الفيزيائييون والنفسيون وغيرهم من المعنيين بدراسة تفصيلية لحالة المريض لأجل دراسة كامل ملفهِ من كل الجوانب واخذ القرار المناسب بالنسبة لحالته بحسب عمره ووضعه العام وحالته النفسية والذهنية وامراضه الأخرى وعدة عوامل اخرى شرحنا بعضها وسوف نُكمل شرحها لاحقاً.
في هذا الجزء الرابع من هذا الملف نسكتمل الحديث عن الجراحات القلبية ونتكلّم تفصيلياً عن جراحة الشرايين التاجية للقلب (Coronary Artery Baypass Graft surgery : CABG) التي تُعتبر حالياً من اهم هذه الجراحات، بحيث يخضع لها حوالي مليون مريض في مختلف انحاء العالم سنوياً في الوقت الحاضر. كذلك سنخصّص حيّزا مهما للحديث عن مخاطر الجراحة القلبية وعن كيفية ووسائل مراقبة المريض ما بعد الجراحة:
1-مشاكل الشرايين التاجية للقلب
( Coronary artery disease): وهي كما ذكرنا الجراحات القلبية الأكثر رواجاً في لبنان والعالم. وفي هذه الحالة يجب على “الفريق القلبي” الموجود في المركز الطبي الجامعي او المتخصّص في هذا المجال أخذ الأمور التالية بالحسبان قبل اخد القرار المناسب بإجراء عملية أم لا!؟
أ-مكان وحالة ووضعية الإنسدادات على الشرايين التاجية للقلب، عدد هذه الإنسدادات وإنتشارها على شبكة هذه الشرايين، حجم او قطر هذه الشرايين وكمية العضلة المُستفيدة من كل شريان من هذه الشرايين. بحيث أن الجراحة بشكلٍ عامّ هي الحلّ في حال وجود إنسدادات في الشريان الأساسي الأيسر الذي يخرج من القلب والذي يُسمّى ب “النهر الكبير” (Left main) أو في حال وجود إنسدادات في الشريان الأمامي النازل (Left Anterior Descending Artery) وغيره من الشرايين الأساسية للقلب. وبحيث أن العلاج بواسطة الطُرق التدخّلية غير مُمكن لأسباب تقنية بسبب وجود مفارق او تفرّعات كثيرة أو أعوجاجات مهمة أو تكلّس كبير في الشرايين المريضة. وقد نلجأ للجراحة ايضاً في بعض البلدان الفقيرة او النامية لأسباب إقتصادية مثلاً بسبب الحاجة مثلاً إلى إستعمال أربعة أو خمسه رسورات ومستلزمات اخرى مُكلفة. ولذلك قد يكون ذلك غير مُمكناً مادياً مثلاً في بعض تلك الدول ومنها لبنان في الظروف الإقتصادية والمالية والمعيشيةالحالية حيث ان بعض الأطباء وبعض المرضى قد يلجؤون لإجراء العمل الجراحي لأنه اصبح اقل كلفة من كلفة العلاج التدخّلي بواسطة تقنبات البالون والروسور خاصة وانه يُعتبر كحلّ جذري لازمة المريض ويُعطي كما نرى في بعض الحالات المعقّدة نتائج سريرية افضل على مستوى تخفيف نسبة الوفيات على المدى المتوسط والبعيد ونسبة حدوث بعض الذبحات القلبية وتكرار حالات الدخول الى المستشفى ما بعد إجراء العلاج . وقد ازدادت ايضاً هذه الحالات مع الإنهيار الكامل او شبه الكامل للتمويل من قِبل المؤسسات الضامنة أو وزارة الصحة المطلوب منها تغطية كلفة هكذا عمليات بالطرق التدخلية في الماضي. وقد إزداد لذلك عدد هذه الحالات التي نعمد فيها لإجراء الجراحة بدل العلاج التدخّلي بعد الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تعصف بلبنان منذ ثلاث سنوات او اكثر بحيث ان كلفة عمليات توسيع الشرايين بالبالون والرسور إرتفعت بشكلٍ مهول واصبح المرضى وحتى الأطباء يلجؤون لهكذا علاجات جراحية بدل العمليات الجراحية وذلك فقط لأسباب مادية خالصة.
ب-تقدير الضرر الحاصل في عضلة القلب عند المريض: بحيث أنه يجب دائماً السعي إلى إعادة التروية الطبيعية الى مناطق العضلة القلبية المحرومة من ذلك. ولا فائدة كبيرة تُرتجى من إعادة التروية إلى مناطق ميّتة من عضلة القلب. وفي هذا المجال أيضاً أثبتت الدراسات أن المرضى الذين يُعانون من قصور في عضلة القلب مع قوة مضخة عضلية أقل من %40 ( LVEF < 40%) يستفيدون أكثر بكثير من الجراحة عبر زرع جسور ابعرية-تاجية بالمقارنة مع العلاج بالطرق التدخلية أي بالبالون والرسور.
ج-الوضع العام للمريض: بحيث أنه يجب دائماً البحث عنده عن الأمراض المُصاحبة لمرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب مثل البدانة ومرض السكري والمشاكل الرئوية أو الكلوية او الكبدية المُزمنة أو الأمراض السرطانية او امراض الدم او المشاكل المتقدّمة في المفاصل والعظام وآثار او إختلاطات الجلطات الدماغية السابقة وما قد تكون تركته من عوائق على حركة المريض وإستقلاليته وغيرها من الأمراض الخطيرة أو المتقدمة. كذلك يجب ان نأخذ بالإعتبار التقدم الكبير بالسنّ والحالة النفسية والذهنية للمريض وما إذا كان مُدمن على الكحول او المخدرات او يعاني من امراض نفسية خطيرة وغير قادر على المتابعة مع الأطباء او تناول ادويته بشكلٍ منتظم وطبيعي بعد العمل الجراحي او العلاج التدخّلي. وكلها عوامل قد تُشكّل مانعاً أمام العمل الجراحي أو قد تجعل من الجراحة عملاً غير مناسب خاصة إذا كان متوسط الحياة بسبب هذه الأمراض المُتعددة الأخرى أقل من سنة. ففي هذه الحالة من الممكن مثلاً الإكتفاء بعلاج دوائي أو بواسطة البالون والرسورات لأن المريض يعاني من مشاكل صحية أخرى خطيرة وأمله بالبقاء على قيد الحياة مُتعلق أكثر بهذه المشاكل “غير القلبية”. ولذلك نكتفي بالعمل الأقل خطورة والأقل غزواً لتمديد فترة حياته بدل الرجوع.
وسوف نرى لاحقاً في سياق الأجزاء الأخرى المتبقية من هذا الملف ان مفهوم جراحة الشرايين التاجية للقلب قد تطوّر بشكلٍ كبير منذ بداية اجراء هكذا عمليات حيث كنا نستعمل فقط اوردة الساقين لزرع ومدّ الجسور الأبهرية التاجية الى مفهوم آخر تكرّس منذ عدة سنوات يقضي بأن يسعى الجراح فقط الى الإعتماد على إستعمال الشرايين فقط ( الشريان الداخلي للثدي الأيسر والشريان الداخلي للثدي الأيمن والشريان الكعبري مع او بدون إستعمال الشريان المعدي- المعوي في بعض الأحيان. لأن إستعمال الشرايين في هكذا جراحات يعطي نتيجة افضل بكثير على المدى المتوسط والبعيد كما ذكرنا سابقاً وكما اظهرت عدة دراسات رائدة ومُؤكدة وثابتة في هذا المجال.
2- مخاطر الجراحة القلبية:
من المُمكن القول بشكلٍ عام أن هذه المخاطر تتعلّق بعمر المريض وبالمشاكل الصحية الأخرى التي قد يعاني منها. وتُقدّر نسبة الوفيات في الشهر الأول من الجراحة (من اليوم الأول حتى 30 يوما بعد الجراحة) بحوالي %5 عند إجراء عملية تغيير صمام قلبي وبـ %2 فقط عند إجراء عملية زراعة شرايين (جسور أبهرية – تاجية). ولكن خطر الوفاة يزداد طبعاً مع وجود مشاكل صحية أخرى.
ومن أهم العوامل التي تزيد من مخاطر الجراحة القلبية وكما اشرنا سابقاً : التقدّم بالسنّ، كون المريض أنثى، في جراحة الشرايين التاجية للقلب، لأن قطر شرايين المرأة اصغر من قطر شرايين الرجل وهذا ما يجعل هذه العمليات اكثر تعقيداً خاصة عند إجراء عمل وصل وتقطيب الشرايين او الاوردة بالشرايين التاجية لأن صغر حجم الشرايين يجعل هذه العمليات اكثر دقةً وصعوبةً. كذلك وتزداد نسبة الوفيات بسبب وجود قصور كلوي أو رئوي، او بسبب وجود قصور متقدّم في عضلة القلب. وكذلك في حال إجراء العملية بحالة طارئة وإجراء العملية عند مريض كان قد خضع سابقاً لعملية قلبية. ومن المُمكن القول أن الجراحة المثالية (القليلة المخاطر) هي جراحة يخضع لها رجل عمره أقل من 50 سنة ولديه عضلة قلب طبيعية ولايعاني من مشاكل صحية أخرى وعنده إمكانية لإعادة التروية إلى أكبر عدد مُمكن من الشرايين التاجية للقلب. في المقابل فإن الجراحة عند المُسنّين الذين عندهم مشاكل شريانية أكثر تعقيداً ومشاكل صحية أخرى مُتعددة، أو عند المرضى الذين كانوا قد خضعوا سابقاً لعمليات قلبية أو خضعوا للعملية الجراحية بحالة طارئة يكون عندهم خطر الوفيات والإختلاطات الجانبية بعد الجراحة أكبر بكثير من الشباب. وفي هذا السياق ايضاً هناك عدة نقاط من المُمكن إستعمالها لتقييم خطر العمل الجراحي القلبي وهي مُستعملة جداً من قبل جرّاحي القلب لتوقّع خطر أية عملية جراحية قلبية ومن أهمها:
(Euroscore and Synthax Score) وكلاهما مُؤشّران مُهمّان يعتمدان على مُعطيات سريرية مُختلفة وعلى نتائج عملية التمييل او القسطرة القلبية وطبيعة شبكة الأوعية الدموية وأماكن الإنسدادات والأعوجاجات والتكلّس الموجود على هذه الشرايين. وهما يُستعملان كثيراً في الدراسات العلمية للتنبؤ بمخاطر العمل الجراحي قبل إجراء العلاج ولتوجيه المريض نحو علاجات أخرى في حال كانت المُحصّلة أو النقاط ( Score) مُرتفعة جداً.
أخيراً لايجب فقط النظر إلى الوفيات التي من المُمكن أن تحصل من جراء العمل الجراحي ولكن يجب النظر أيضاً إلى تحسن طبيعة الحياة التي سوف يعيشها المريض بعد هذه الجراحة او العمل الطبي التدخّلي. ويجب إذاً مُقارنة المخاطر الحاصلة في حال ترك المريض بدون علاج مع المخاطر بعد العلاج مع أخذ نسبة الوفيات المُمكنة خلال العملية الجراحية بالحسبان. ويجب أيضاً إذاً مراقبة “تحسّن طبيعة حياة” وأداء المريض وشفائه من الأعراض وإختفاء الآلآم الصدرية وضيق التنفّس بعد إجراء عملية جسور أبهرية- تاجية عند مريض ما. وهذا ما يُترجم أيضاً بإطالة “أمل حياته” بعد العمل الجراحي. وهذا من احد اهمّ العوامل التي نأخذها بالإعتبار عند اي قرار علاجي.
ونشير هنا إلى أن المرضى الذين يعانون من مشاكل شريانية خطيرة وغير مُستقرّة يستفيدون أكثر بالمقارنة مع المرضى الذين يعانون من أمراض أقل خطورة أو لديهم حالات مُستقرّة الذين قد نكتفي عندهم فقط بالعلاج الدوائي والوقاية. وقد اثبتت عدة دراسات عالمية واسعة اننا من المُمكن ان نكتفي فقط بالعلاج الدوائي في بعض الحالات المُستقرة التي لا تكون فيها حالة المرض الشرياني مُتطوّرة وخطيرة.
2- مخاطر الجراحة القلبية:
من المُمكن القول بشكلٍ عام أن هذه المخاطر تتعلّق بعمر المريض وبالمشاكل الصحية الأخرى التي قد يعاني منها. وتُقدّر نسبة الوفيات في الشهر الأول من الجراحة (من اليوم الأول حتى 30 يوما بعد الجراحة) بحوالي %5 عند إجراء عملية تغيير صمام قلبي وبـ %2 فقط عند إجراء عملية زراعة شرايين (جسور أبهرية – تاجية). ولكن خطر الوفاة يزداد طبعاً مع وجود مشاكل صحية أخرى.
ومن أهم العوامل التي تزيد من مخاطر الجراحة القلبية وكما اشرنا سابقاً : التقدّم بالسنّ، كون المريض أنثى، في جراحة الشرايين التاجية للقلب، لأن قطر شرايين المرأة اصغر من قطر شرايين الرجل وهذا ما يجعل هذه العمليات اكثر تعقيداً خاصة عند إجراء عمل وصل وتقطيب الشرايين او الاوردة بالشرايين التاجية لأن صغر حجم الشرايين يجعل هذه العمليات اكثر دقةً وصعوبةً. كذلك وتزداد نسبة الوفيات بسبب وجود قصور كلوي أو رئوي، او بسبب وجود قصور متقدّم في عضلة القلب. وكذلك في حال إجراء العملية بحالة طارئة وإجراء العملية عند مريض كان قد خضع سابقاً لعملية قلبية. ومن المُمكن القول أن الجراحة المثالية (القليلة المخاطر) هي جراحة يخضع لها رجل عمره أقل من 50 سنة ولديه عضلة قلب طبيعية ولايعاني من مشاكل صحية أخرى وعنده إمكانية لإعادة التروية إلى أكبر عدد مُمكن من الشرايين التاجية للقلب. في المقابل فإن الجراحة عند المُسنّين الذين عندهم مشاكل شريانية أكثر تعقيداً ومشاكل صحية أخرى مُتعددة، أو عند المرضى الذين كانوا قد خضعوا سابقاً لعمليات قلبية أو خضعوا للعملية الجراحية بحالة طارئة يكون عندهم خطر الوفيات والإختلاطات الجانبية بعد الجراحة أكبر بكثير من الشباب. وفي هذا السياق ايضاً هناك عدة نقاط من المُمكن إستعمالها لتقييم خطر العمل الجراحي القلبي وهي مُستعملة جداً من قبل جرّاحي القلب لتوقّع خطر أية عملية جراحية قلبية ومن أهمها:
(Euroscore and Synthax Score) وكلاهما مُؤشّران مُهمّان يعتمدان على مُعطيات سريرية مُختلفة وعلى نتائج عملية التمييل او القسطرة القلبية وطبيعة شبكة الأوعية الدموية وأماكن الإنسدادات والأعوجاجات والتكلّس الموجود على هذه الشرايين. وهما يُستعملان كثيراً في الدراسات العلمية للتنبؤ بمخاطر العمل الجراحي قبل إجراء العلاج ولتوجيه المريض نحو علاجات أخرى في حال كانت المُحصّلة أو النقاط ( Score) مُرتفعة جداً.
أخيراً لايجب فقط النظر إلى الوفيات التي من المُمكن أن تحصل من جراء العمل الجراحي ولكن يجب النظر أيضاً إلى تحسن طبيعة الحياة التي سوف يعيشها المريض بعد هذه الجراحة او العمل الطبي التدخّلي. ويجب إذاً مُقارنة المخاطر الحاصلة في حال ترك المريض بدون علاج مع المخاطر بعد العلاج مع أخذ نسبة الوفيات المُمكنة خلال العملية الجراحية بالحسبان. ويجب أيضاً إذاً مراقبة “تحسّن طبيعة حياة” وأداء المريض وشفائه من الأعراض وإختفاء الآلآم الصدرية وضيق التنفّس بعد إجراء عملية جسور أبهرية- تاجية عند مريض ما. وهذا ما يُترجم أيضاً بإطالة “أمل حياته” بعد العمل الجراحي. وهذا من احد اهمّ العوامل التي نأخذها بالإعتبار عند اي قرار علاجي.
ونشير هنا إلى أن المرضى الذين يعانون من مشاكل شريانية خطيرة وغير مُستقرّة يستفيدون أكثر بالمقارنة مع المرضى الذين يعانون من أمراض أقل خطورة أو لديهم حالات مُستقرّة الذين قد نكتفي عندهم فقط بالعلاج الدوائي والوقاية. وقد اثبتت عدة دراسات عالمية واسعة اننا من المُمكن ان نكتفي فقط بالعلاج الدوائي في بعض الحالات المُستقرة التي لا تكون فيها حالة المرض الشرياني مُتطوّرة وخطيرة.
3- مراقبة المريض ما “بعد الجراحة القلبية”: هنا لا نتكلّم عن الفترة الحرجة التي يقضيها المريض في المستشفى والتي تتراوح بين 5 أيام إلى 10 أيام بحسب حالة المريض والمشاكل الصحية الأخرى المرافقة والأختلاطات الكثيرة الممكنة خلال هذه الفترة. ونكتفي بالقول أن هناك تحسناً كبيراً حصل في إدارة وعلاج كل هذه المشاكل أدّى في السنوات الأخيرة الماضية إلى الحصول على نتائج أفضل بكثير بعد الجراحة القلبية. في المقابل يجب التركيز على الفترات اللاحقة بعد خروج المريض من المستشفى وعلى الدور الكبير الذي يجب أن يقوم به الطبيب المعالج ( طبيب القلب وطبيب العائلة او طبيب الصحة العامة الخاص بالمريض) والمراكز المُتخصّصة في إعادة تأهيل المرضى في توعية المريض حول طبيعة مرضه وعوامل الخطورة الخاصة بهذا المرض وأهمية مراقبة وعلاج كل هذه العوامل مثل إيقاف التدخين والكحول وإتّباع نظام غذائي صُحّي والقيام بتمارين رياضية على الأقل 3 إلى 4 أيام في الأسبوع. وكذلك يجب الإلتفات الى مُراقبة الضغط الشرياني ومستوى الدهنيات والشحوم في الدم والتشدّد في مُراقبة مرض السكّري وتخفيف الوزن في حال وجود بدانة او زيادة كبيرة في الوزن. ذلك لأن كل هذه العوامل قد تؤدّي في حال عدم مُراقبتها أما إلى ظهور المرض على الجسور الأبهرية-التاجية التي تم زرعها أو على الشرايين “الأصلية الطبيعية” للمريض. وفي كلا الحالتين قد تعود الأعراض ويحتاج المريض إلى علاجات دوائية أخرى أو إلى إجراء عمليات بالون ورسور جديدة وحتى إلى معاودة إجراء العمل الجراحي في حال ظهور المرض على عدة شرايين أو في حال إنسداد أو مرض الشرايين المزروعة سابقاً.
وبسبب كل ما تقدّم يجب على المريض معاودة مُتابعة حالته عند طبيب القلب الذي أرسله لإجراء العمل الجراحي وزيارته على الأقل مرتين في السنة من أجل مراقبة كل العوامل التي ذكرناها والبحث عن معاودة ظهور الأعراض الجديدة في بعض الأحيان. وهناك مُتابعة خاصة بالمريض الذي خضع لعملية تغيير لأحد صمّامات القلب وهي تهدف أولاً إلى مراقبة فعالية العلاج بواسطة الأدوية المُضادّة للتجلّط، بحيث أنه يجب على المريض تناول هذه الأدوية مدى العمر في حال كان الصمام معدنياً أو في بعض الحالات الأخرى التي يكون فيها الصمام بيولوجي مع وجود إضطرابات في ضربات القلب مثل في حالة مرض “الرجفان الأذيني الليفي”( Atrial fibrillation). ويجب إجراء فحص نسبة التجلّط أو سيلان الدم (PT+INR) كل ثلاثة أسابيع أو كل شهر على الأكثر والحرص على ان يكون هذا المُؤشّر ضمن المنطقة الفعّالة المطلوبة لكل نوع من الصمامات ( ابهري او تاجي مع مراعاة وجود امراض اخرى مثل الرجفان الأذيني. ويجب قياس هذا المؤشّر ايضاً في كل حالة يتناول فيها المريض أدوية أخرى متنوّعة أو أطعمة معينة قد يكون لها تأثير على فعالية هذه الأدوية في الدم. كذلك يجب هنا البحث عن الإختلاطات الجانبية المُمكنة لهذه الصمامات الإصطناعية مثل إمكانية حصول جلطات في الدماغ أو في الأعضاء الأخرى أو إمكانية حصول إنسداد كامل مُفاجئ في الصمّام بسبب عدم تناول الدواء المُضاد للتجلّط بشكلٍ فعّال أو بسبب إهمال مراقبة فعاليته أو لأسباب أخرى قد تكون لها علاقة بالحالة الذهنية والنفسية والإقتصادية والإجتماعية للمريض خاصة وان بعض المرضى قد يضطرّون احياناً لإيقاف ادويتهم لعدم توفّرها في الأسواق او بسبب إرتفاع اسعارها كما حصل ويحصل حالياً في لبنان منذ ثلاث سنوات.
كذلك يجب البحث عن إمكانية حصول نزيف ما في أماكن مُتعددة من الجسم بسبب تناول كميات زائدة من هذه الأدوية لأن زيادة جرعات هذه الأدوية قد تؤدي الى هكذا إختلاطات جانبية. أخيراً يجب دائماً التنبّه أثناء المراقبة إلى إمكانية حصول إلتهابات على هذه الصمامات الإصطناعية او البيولوجية والوقاية من ذلك عبر إعطاء المُضادّات الحيوية عند أي عمل جراحي “غازي” خاصة في الأسنان او اللثة او الفم او عند إجراء عمليات التنظير في الكولون وغيرها من العمليات. ولا بد ايضاً الى الإلتفات إلى إمكانية تدهور حالة هذه الصمامات وإصابتها بالترهّل مع مرور الوقت خاصة في حالة “الصمامات البيولوجية”. وإلى إمكانية حصول خلل في وظائفها مع “تهريب جانبي” أو “إنسداد” في مكونات هذه الصمامات بمواد ليفية وجلطات صغيرة في حالة الصمامات المعدنية. ولكل هذه الأسباب الآنفة الذكر يجب إجراء صورة صوتية للقلب مع دوبلر بشكلٍ مُتكرّر كل 6 أشهر إلى سنة لمراقبة وظيفة ومكونات هذه الصمامات وكيفية تأديتها لعملها بشكلٍ دقيق والبحث عن كل الإختلاطات الجانبية التي ذكرناها. ويجب طبعاً طلب هذه الصورة بحالة طارئة في حال ظهور أية “أعراض غير طبيعية” أو في حال حصول “تدهور مُفاجئ” في حالة المريض مع حصول حالة إحتقان رئوي حادّ مثلاً، لأن ذلك قد يكون مُؤشراً خطيراً لحصول خلل كبير في عمل هذه الصمامات.
في الأجزاء القادمة من هذا الملف سوف نستعرض ما وصلت اليه هذه الجراحات في العالم مُستندين الى التجارب الأوروبية (الفرنسية والسويسرية تحديداً). وكذلك واقعها في الولايات المتحدة الأميركية حيث سنستعرض كيف تُدار الامور في العام 2022 في اهم مركز لجراحة القلب في الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم وهو مركز او مستشفى Cleveland Clinic. وسنستعرض ايضاً ما هو واقعها الحالي في لبنان في ظل تداعيات الأزمة السياسية-الإقتصادية- -المالية-النقدية-المعيشية المُدمّرة التي تخنق البلد وتدمّر كل مقومات وركائز جسمه الإستشفائي والطبي منذ ثلاث سنوات.
د. طلال حمود- طبيب قلب مُتخصّص بعلاج امراض القلب والشرايين بالطُرق التدخّلية وبأمراض القلب عند المُصابين بمرض السُكّري-منسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود