التجربة الفرنسية بين الواقع الحالي والمستقبل!؟
كنا قد نشرنا منذ عشرة ايام الأجزاء الأربعة الأولى من هذا الملف حول واقع الجراحات القلبية في لبنان والعالم وتكلّمنا بشكلٍ موجز وسريع عن تداعيات الأزمة الإقتصادية-المالية-النقدية-المعيشية التي يمرّ بها لبنان ىالآثار المدمرة التي تركها ذلك على القطاع الصحي والإستشفائي. واستعرضنا تفصيلياً اهم التقنيّات التي سعى الى تطويرها اطباء وجراحو القلب واهمها “الطرق الغازية” أو “التدخلية” (Interventional or Invasive Theray) الآخذة في التوسّع بشكلٍ كبير على حساب الجراحة الكلاسيكية. كذلك التقنيّات لا تستدعي اللجوء إلى إيقاف القلب (Beating heart surgery or Off-pump surgery) وتقنيات جراحية أقلّ غزواً أو تغلغلاً في الجسم
(Minimally invasive heart surgery) من اجل إجراء تسريع عملية خروج المريض من المستشفى وعدم إحداث جرح كبير في القفص الصدري اثناء الجراحة. واستعرضنا ايضاً بشكلٍ سريع جراحات الصمامات القلبية بشقّيها ” الترميمي” أو “المُحافظ-التصليحي و”التغييري وجراحة الشرايين التاجية للقلب التي تُعتبر من اهم الجراحات القلبية واكثرها رواجاً بلا منازع. وتطرّقنا ايضاً الى ظاهرة او مفهوم “الفريق القلبي” او “Heart team “، وهو الفريق المُتعدّد الأطراف الذي يتولّى حالياً الدراسة المُعمّقة لملف كل مريض ويأخذ القرار المُناسب بالنسبة لإستراتيجية العلاج الذي قد يكون تدخّلي او جراحي او دوائي بحسب المعطيات الدقيقة المُتوفرة حول حالة المريض وعوامل اخرى مُتعددة شرحناها.
في هذا الجزء الخامس من هذا الملف نستعرض واقع جراحة القلب الحالي في فرنسا، خاصة وانّ التجربة الفرنسية الرائدة في هذا المجال تُعبّر بشكلٍ كبير عن ما يجري في اوروبا حالياً وما هو المتوقّع لهذه الجراحة في السنوات القليلة القادمة.
ونعتمد في هذه المُطالعة على آخر واهم تقرير او توصيات اصدرتها الأكاديمية الوطنية للطب في فرنسا نُشرت في العام 2016 ولخّصت فيه تقريباً واقع الأمور في فرنسا في ذلك التاريخ والتوقّعات والتطوّرات التي من المُحتمل ان تحصل في هذا المجال في العام 2025 في محاولة لإستقراء تطوّرات هذه الجراحة في المستقبل القريب.
ونحن نعتقد ان جراحة القلب لم تشهد تطورات جديدة مهمة منذ تاريخ نشر تلك التوصيات خاصة في ظل التداعيات الخطيرة التي تركتها “جائحة كورونا” على عمل وكل نشاطات الأطقم الطبية ومراكزها واطقم الأبحاث الطبية والعلمية والمختبرات والشركات العالمية المساهمة في تطوير هذا القطاع منذ بداية إنتشار هذه الجائحة في العام 2019، لأن الجميع تفرّغ تقريباً للتصدّي ولمعالجة تداعيات هذه الجائحة التي اثّرت بشكلٍ كبير على “معظم” او “بل كل” الأبحاث الطبية وفي كل المجالات تقريباً ما عدا تلك المتعلَقة بالجائحة ذاتها.
وخلص اعضاء الأكاديمية ان طب وجراحة القلب يخضعان حالياً ومنذ “حوالي عشرين سنة” كما شرحنا سابقاً اي منذ تطوير عمليات زرع الصمّام الأبهر للقلب على يدّ البروفسور الفرنسي الشهير “آلان كريببيه” (Alain Cribier)، لعملية تغيير جذري وعميق وعلى كل الصُعد، مما يبرّر التفكير الجدّي في مُستقبل جراحة القلب في عام 2025. إذ خلص الخبراء الى ان جراحة الشرايين التاجية للقلب سوف تستهدف في المسقبل (وهي قد بدأت فعلاً بذلك منذ عدّة سنوات اصلاً) المرضى المُتقدّمون اكثر في السنّ والمرضى الذين يُعانون من المزيد من “الأمراض المُزمنة المُصاحبة” مثل الأمراض الرئوية او الكلوية او العظمية او العصبية المزمنة وغيرها. ويتوقّع الخبراء الى ان يتوسّع إستعمال تقنيات زرع الصمام الأبهر للقلب بواسطة التمييل او القسطرة : (Transcatheter Aortic Valve Implantation: TAVI) ليشمل المرضى الأقلّ سناً والمُعرّضين لمخاطر “متوسطة” وحتى “خفيفة”، كما اظهرت دراسات واسعة ومهمّة جداً في هذا المجال. وهذا ما قد يؤدّي إلى تقليل كبير في حالات اللجوء الى “جراحة الصمام الأبهر الكلاسيكية او التقليدية” في السنوات العشرة القادمة وفيما بعد. وشدّد الخبراء واكّدوا على ان اخذ القرار حول إجراء التدخّلات عن طريق التمييل (اي عبر الجلد ودون جراحة) في المراكز الطبية والجراحية المُتخصّصة يجب ان يتمّ ضمن “فريق القلب” الآخذ في التبلور كما شرحنا في كل المستشفيات الجامعية والمراكز المتقدّمة التي تُعنى بعلاج هكذا مرضى.
واكّد الخبراء ايضاً الى ان هناك تطوّر كبير في إدارة شؤون امور وعلاج مرض “قصور القلب الحاد” بشكلٍ كبير بمساعدة “اجهزة المساندة القلبية الميكانيكية” التي تمّ تطويرها لمساندة ودعم الدورة الدموية في الجسم.
وخلص الخبراء الى انه يجب إجراء جراحة القلب الروتينية او الكلاسيكية عند البالغين في مراكز طبية “قريبة” من مناطق سكن المرضى. اما “الجراحات الثقيلة” او “المُعقّدة” فيجب ان تحصل في مراكز “مرجعية” (Referral center) حيث يوجد خبراء لديهم تجربة اشمل واوسع بهكذا عمليات وحيث يوجد ايضاً تجهيزات طبية مُتطوّرة تسمح بذلك.
وقد اوصت الأكاديمية الوطنية المراكز والمستشفيات المُتخصّصة في علاج مرضى القلب بالتنسيق فيما بينها وبتوزيع الأدوار، ولإنشاء “شبكات جراحة القلب” لإجراء التدخّلات الروتينية في مراكز مُحدّدة والجراجات “غير الروتينية او المُعقّدة وعالية الدقّة” في مراكز اكثر تخصّصاً وخبرةً وتجهيزاً.
1-مقدمة: وُلدت جراحة القلب في بداية القرن العشرين مع بدء علاج بعض الجروح القلبية البسيطة. وتطوّرت جراحة “القلب المفتوح” في النصف الثاني من ذلك القرن. ووضع روّاد هذه الجراحة جميع أُسُس جراحة القلب خلال عشرة سنوات تقريباً من العام 1960 إلى الغام 1970. ثمّ إنتقلت جراحة القلب من مرحلة تقييم الجدوى من إجرء هكذا عمليات في البداية، إلى مراحل التكاثر او الإنتشار والموثوقية والأمان في المراحلة اللاحقة. ولقد تحسّنت النتائج السريرية والعامة لتلك الجراحات على مرّ السنين. ويجري منذ سنوات تغيير عميق في تخصّصات أمراض وجراحة القلب خاصة منذ بداية القرن الواحد والعشرين. ولهذا السبب بدا أنه من المشروع بالنسبة للأكاديمية الفرنسية للطب أن تبدأ التفكير في مستقبل جراحة القلب في العام 2025 وما بعده، بناءً على سماع آراء وتقييم الخبراء وتحليل عشرات الآلاف من المنشورات والدراسات العلمية وقاعدة بيانات (EPICARD) للجمعية الفرنسية للقلب وللجمعية الفرنسية لجراحة الصدر والقلب والأوعية الدموية (SFCTCV).
2-الواقع الحالي لجراحة القلب في
فرنسا :
تُعدّ جراحة القلب جزءًا من قائمة مُختصرة من التخصّصات الطبّية المُدارة على المستوى الوطني وليس على المستوى الإقليمي لإدارة وتنظيم المراكز والتجهيزات الصحية في فرنسا. ويتمّ تنظيم توزيع المراكز الجراحية، بشرط الحصول على تصريح من السلطات المختصّة على نطاق وطني شامل بحسب الخارطة الصحية. وتُحدّد قواعد التنظيم والتشغيل لهكذا مراكز في فرنسا بواسطة مراسيم تصدرها الدولة والسلطات الصحية العليا.
وفي عودة للتقرير الذي اشرنا له في بداية هذا المقال، كان هناك تراخيص ل 63 مركزًا لجراحة القلب في عام 2015. 36 في المستشفيات الجامعية، و 22 في المراكز الخاصة التي تبغي الربح، و 5 في مراكز إستشفائية “لا تبغي الربح”. وفي السنوات الأخيرة، كان هناك اتجاه واضح نحو تركّز مراكز الجراحة القلبية في “منطقة مدينة باريس الكبرى وضواحيها”.
أ- جراحة القلب عند البالغين:
تُهيمن جراحة الشرايين التاجية للقلب وجراحة الصمامات القلبية على جراحة القلب للأمراض القلبية “المُكتسبة” مقارنة مع إنتشار ضئيل جداً لجراحة “الأمراض او التشوّهات الخَلقية” للقلب (Congenital heart diseases).
a- جراحة الشرايين التاجية للقلب او إعادة تروية عضلة القلب: يتمّ حالياً إجراء ما يقُارب من 14000 عملية زرع جسور ابهرية-تاجية على الشرايين التاجية للقلب سنوياً في فرنسا. وتتمّ الأغلبية من هذه العمليات مع إستعمال المضخّة القلبية-الرئوية الإصطناعية (Artficial (Heart and Lung Machine.
ويتمّ إجراء 6 ٪ من مُجمل هذه العمليات فقط من بواسطة “تقنية القلب النابض” وبدون إستعمال مضخة قلبية-رئوية إصطناعية
(Heart beating surgery or off-(pump surgery.
وقد شهدت هذه الجراحات القلبية نموًا طفيفًا منذ العام 2010، مع متوسّط 2.8 شريان مزروع خلال مجمل تلك العمليات. وفي فرنسا تبلغ حالياً نسبة الوفيات بعد الخضوع لهكذا عمليات (خلال العملية وبعدها مباشرةً وحتى نهاية الشهر الأول بعد إجرائها) حوالي 2٪ تقريباً.
b- جراحة صمّامات القلب:
يتمّ حالياً إجراء حوالي 19000 عملية ترميم او تغيير (زرع) صمام سنوياً في فرنسا. ويبلغ معدّل الوفيات من جرّاء هكذا عمليات حوالي 4.5 إلى 5٪.
وهي تشمل جراحة الصمّام الأبهر لتضيّق الصمام الأبهر المتكلّس (Calcified aortic stenosis) وهي العمليات السائدة بشكلٍ اكبر (12000 عملية سنويًا). وتتمثل في إستبدال الصمّام بصمّام “اصطناعي” قد يكون “معدني او بيولوجي٠ كما شرحنا سابقاً. ويخصع ربع المرضى الذين يخضعون لعمليات إستبدال هذا الصمام لعمليات مُصاحبة على الشرايين التاجية للقلب اي لعمليات زرع جسور ابهرية-تاجية. وسيبقى هذا النوع من العمليات “الجراحية الكلاسيكية” مع بضع عظمة القصّ، وجراحة القلب المفتوح الطريقة الوحيدة المُهيمنة والمرجعية في هذا السياق لفترات طويلة في المستقبل. لكننا ذكرنا سابقاً ان التقدّم الذي حصل في مجال “التقنيات التدخّلية” في السنوات الأخيرة، خاصة مع تطوير عمليات زرع صمّام اصطناعي في مكان الصمّام الأبهر عن طريق التمييل او القسطرة بدأ يأخذ مساحة كبيرة على حساب الجراحات التقليدية. وهي تقنيات آخذة بالإنتشار وبالتمدّد بشكلٍ سريع مما بدأ يُقلّص من إستعمالات الجراحة الكلاسيكية للصمام الأبهر خاصة مع صدور النتائج الواعدة جداً للدراسات التي تُفيد بأهمية هكذا تقنيات عند الإشخاص الذين لديهم مخاطر “متوسطة” او “خفيفة”.
وقد تمّ زرع الصمامات الأبهرية عن طريق الجلد او التمييل (TAVI)عند حوالي 5500 مريض بحسب ما ورد
سابقاً في سجلّ فرنسا-2، الذي تمّ من خلاله تقييم مخاطر وفعالية هذه التقنية في فرنسا للفترة التي امتدّت بين 2010 و 2012 والتي تمّ خلالها تركيب هذا العدد من الصمامات في 30 مركزاً معتمداً في فرنسا. وهي عمليات تتطلّب وجود بيئة جراحية قلبية وفريق تخدير وإنعاش متمرّس وفريق قلبي لديه الخبرة الكبيرة في اخذ القرارات المناسبة وفي الوقت المناسب بحسب حالة كل مريض. وفي ذلك الوقت كانت هذه العمليات مُخصّصة فقط الآن للمرضى المتقدّمين في السنّ او الذين توجد عندهم اوضاع صحية هشة او امراض مُصاحبة تجعل العمل الجراحي الكلاسيكي مخاطرة كبيرة. ولكنّ وكما ذكرنا فقد اتت نتائج الدراسات اللاحقة إيجابية جداً وتم تأكيد تلك النتائج على المدى القصير والمتوسط والبعيد واصبح من الممكن اليوم توسيع مروحة إستعمال تقنيّات ال TAVI لتشمل المرضى الأصغر سنّاً او عند ذوي المخاطر الجراحية المتوسطة او الخفيفة بحيث ان بعض الجمعيات العلمية المتخصُصة توصي حالياً بإعتماد الجراحة الكلاسيكية فقط عند المرضى الذين عمرهم اقلّ من 75 عاماً او لديهم “متوسّط عمر وسطي مُتوقّع او مأمول” لأكثر من خمسة سنوات.
وتُمثّل جراحة الصمام “الميترالي او التاجي للقلب” حالياً حوالي 4000 عملية في السنة، وأكثر من نصفها بقليل (55٪) هي عمليات “ترميمية او
إصلاحية” للصمام التاجي لأننا نعرف ان نتائج عمليات ترميم الصمام افضل بكثير للمريض على المديين المتوسط والبعيد. وتشير الإحصاءات الى ان حوالي 15٪ من المرضى الذين خضعوا لجراحة الصمام التاجي يستفيدون من جراحة للشرايين التاجية للقلب اي لزرع جسور ابهرية-تاجية.
c- جراحة الشريان الأبهر او الأورطي الصدري: وهي جراحة تهتمّ بشكلٍ اساسي في إصلاح او تغيير توسّع او تمدّد الشريان الأبهر أو مشاكل إنسلاخ او تمزّق هذا الشريان. وهي عمليات في إزدياد مُستمرّ بسبب في السنوات الأخيرة بسبب تقدّم التقنيات الجراحية. ويخضع لها سنوياً ما يقرب من 3600 مريض.
d- عمليات “زراعة القلب الطبيعي” (Heart transplantation): وهي جراحة تعاني من ازمة حقيقية في كل دول العالم بسبب النقص الكبير في عدد المتبرعين والذي تعود اسبابه في معظم الدول الى نقص الوعي حول ثقافة وهب الأعضاء ولمخاوف من وجود عمليات تجارة اعضاء او لعادات وتقاليد وطقوس ومعتقدات دينية مختلفة تُعقّد إجراء هكذا عمليات.
وقد جرى في فرنسا بين عام 2002 إلى عام 2012 ، 3258 عملية زرع قلب طبيعي في 23 مؤسسة غير ربحية. وقد كانت هناك زيادة طفيفة للغاية في عدد هذه العمليات منذ العام 2010 بحيث خضع 471 مريض لعملية زرع في العام 2015. وتختلف أهمية النشاط في المراكز المتخصّصة في إجراء هكذا عمليات بإختلاف المراكز، حيث تتراوح من أقل من 10 عمليات زرع سنوياً في البعض منها الى إلى أكثر من 80 عملية سنوياً في مراكز اخرى.
e- عمليات “زرع الأجهزة الميكانيكية لدعم او مساندة الدورة الدموية”
(Left Ventricular Assist Device : LVAD ): تُظهر التقارير والإحصاءات انّ هذه العمليات هي في حالة توسّع كبير بسبب زيادة عدد المرضى الذين يُعانون من قصور القلب أجهزه ١٤٠٠ الحاد. ويجري حالياً سنوياً زرع حوالي0 مساعدة للمساعدة الخفيفة من نوع جهاز أكسجنة الدم بوسطة غشاء خارجي عن الجسم (Extra Corporeal Membrane Oxygenation: ECMO). ويتمّ سنوياً ايضاً وبدرجة أقل زراعة حوالي 300 جهاز ميكانيكي خارجي ثقيل
لمساندة او مساعدة الدورة الدموية. وهذا النشاط مُمكن فقط في المراكز المُعتمدة لزراعة القلب الطبيعي. ومن الناحية العملية، يمتلك فقط 12 مراكزاً مُعتمداً في فرنسا خبرة في هذه التقنيات.
f-جراحة علاج التشوهات الخلقية للقلب (Congenital heart malformations or disease) :
ويُغطّي هذا التخصّص حالتين مختلفتين: جراحة الأطفال الصغار، حتى الأطفال حديثي الولادة، والجراحة للبالغين المُصابين بأمراض او تشوّهات القلب الخّلقية. وهم مرضى غالبًا ما تمّ إجراء الجراحة عندهم مرة واحدة أو أكثر خلال مسيرة حياتهم. ويشار إليهم بإسم “المرضى البالغون المصابون بعيوب خلقية في القلب Grown Up With Congenital Heart diaeases :GUCH
أ-جراحة الأطفال نشاطها مستقر، حيث يتمّ إجراء هذه الجراحة عند حوالي 4000 طفل سنوياً: 3000 مع إستعمال مضخّة قلبية-رئوية إصطناعية و 1000 بدون ذلك او ما يُسمّى بعمليات القلب المغلق. الغالبية من هؤلاء الأطفال تقلّ أعمارهم عن سنة واحدة (50-60٪) ، 25٪ يخضعون لعملية جراحية في عمر يتراوح بين 5 الى 6 سنوات قبل بدء المدرسة ، و 15٪ المُتبقية تجري عند شباب يبلغون من العمر 15 عاماً تقريباً ( وهي عبارة عن إعادة إجراء بعض العمليات بشكلٍ عام). النشاط في هذا المجال مُستقرّ تماماً على مدار العقد وسيظل كذلك. ففي الواقع ، يولد 0.8٪ من الأطفال مع التشوهات او أمراض القلب الخلقية. ويحتاج 50 إلى 60٪ منهم إلى تدخّل ، وهو ما يمثل 4000 إلى 5000 طفل سنوياً. نُشير هنا الى إن تأثير “تشخيص هذه الأمراض ما قبل الولادة” على هذا النشاط كبير جداً في فرنسا التي لا تزال رائدة في هذا المجال. كذلك فإنّ حوالي 95٪ من التشوهات القلبية الخَلقية يتمّ اكتشافها قبل الولادة. وتُؤدّي جميع “أمراض القلب أحادية البطين” تقريباً إلى الإنهاء العلاجي للحمل( إجهاض علاجي)، على عكس البلدان الأخرى. ولا ينبغي تغيير هذا إلا إذا حدث تغيير في العقلية.
ب- جراحة العيوب الخَلقية في القلب لدى البالغين: في حوالي 15 إلى 20٪ من الحالات وعند المرضى الذين يُعانون من أمراض القلب الخلقية والذين تمّ علاجهم في مرحلة الطفولة نحتاج الى إعادة التدخل بعد مرور 15 أو 20 سنة على العمل الجراحي الأول. ولذلك فإن اعداد المرضى البالغين الذين يعانون من مشاكل خلقية في القلب هو في ازدياد مُستمرّ وسيبقى على هذه الوتيرة في السنوات القادمة. ويؤكد الخبراء الى ان هذا النشاط سيبقى مُركّزاً او مُعتمداً بشكلٍ اساسي على المراكز التي يُوجد فيها الخبراء المميّزون في هذا المجال أو على شبكات تنسيق الخبرات الطبية والجراحية المُتخصصة بهذه الأمراض.
في الجزء السادس من هذا الملف ندخل في تفاصيل التغييرات الجوهرية الحاصلة في مجال كل نوع من هذه الجراحات. وسنغوص اكثر في توصيات الخبراء في شأن تنظيمها وتنسيقها خاصة لجهة المراكز التي يُمكن ان تقوم بالعمليات “الروتينية” وتلك التي يجب ان تبقى “مرجعية” ومعتمدة لإجراء بعض انواع العمليات المُعقّدة والدقيقة، وكذلك في التوصيات حول كيفية تدريب الجراحين للمحافظة على مستوى خبرة ومُؤهلات معينة موثوقة.
د طلال حمود- طبيب قلب وشرايين مُتخصّص في علاج امراض القلب بالطرق التدخّلية وفي علاج امراض القلب عند المُصابين بمرض السكّري- منسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود