القلب الإصطناعي الكامل: سباق تكنولوجي دولي دخلت فيه أهم مصانع السلاح الفرنسية وتكنولوجيا صناعة الصواريخ في الصين!؟
نستكمل اليوم الإبحار في عالم جراحة القلب والشرايين في لبنان والعالم في العام 2022، وسيكون موضوع حديثنا *تطوير تقنيات “القلب الإصطناعي الكامل”*
(Total Artificial Heart: (TAH
بحيث اننا سنعرض بسرعة أهم المراحل التاريخية التي مرّ بها تطوير هذه القلوب، انواعها، واهم الأبحاث الجارية حولها، واخيراً اهم الأحداث والإختلاطات الجانبية التي تحصل عند إستعمالها. فبعد ان عرضنا في الأجزاء السابقة واقع جراحة زراعة القلب الطبيعي والمعوّقات الكثيرة التي جعلت هذه الجراحة تراوح مكانها او تتراجع قليلاً بسبب النقص الحادّ في اعداد المتبرّعين في كل دول العالم تقريباً، وبعد ان استعرضنا آخر تطوّرات الأبحاث الجارية لزيادة أعداد المتبرّعين عبر إستئصال القلوب من اشخاص حصل عندهم “توقّف في عمل القلب” (Donation After Cardiac Death :DCD)، وهي وسيلة قد تُؤمّن زيادة مُهمّة قد تصل الى حدّ ال 30% في عدد المتبرعين، أو عبر اللجوء إلى زراعة “قلب الخنزير المُعدّل وراثياً”، وهي الطريقة التي قد تحدث ثورة كبيرة في عالم زراعة الأعضاء بعد التغلّب على بعض المشاكل والإختلاطات الجانبية خاصة لجهة اِحتمال نقل بعض فيروسات الخنزير الى الإنسان وإصابة القلب بإلتهابات من انواع مختلفة من هذه الفيروسات، وهي مشاكل قيد الحلّ لكنها لا تزال تواجه تعميم إستعمال هكذا طُرق مُكلفة للغاية حتى تاريخ اليوم.
وبعد ان استعرضنا في الجزئين السابقين لواقع تطوير الأجهزة الميكانيكية المُساندة لعضلة القلب،وإلاستعمالات الحالية لها والتي كان الهدف الرئيسي من تطويرها في البداية هو ان تكون حلّ مُؤقّت للمرضى ك”جسر للعبور لزراعة القلب”، والتي وكما شرحنا سابقاً استفادت كثيراً من التحسينات التقنية الهائلة التي حصلت عليها، بحيث بدأ اطباء وجراحو القلب إعتمادها في الكثير من الدول ك “حلّ نهائي واصيل ” لعلاج مرض قصور القلب.
لذلك نستعرض في هذا الجزء وفي الجزء القادم، بعض المعطيات الأساسية حول “القلب الإصطناعي الكامل” الذي كان من المُفترض ان يُشكّل الحلّ الأساسي لمشكلة مرض قصور القلب الحادّ او المُزمن المتقدّم، والذي سعى جراحو القلب لتطويره منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى ما قبل ذلك، لكنهم جوبهوا للأسف بكمٍّ هائلٍ من التحدّيات والإختلاطات الجانبية التي سنتكلّم عنها تفصيلياً لاحقاً، مما جعلهم يتأخرون كثيراً في تطوير القلب الإصطناعي الكامل “المثالي”، الذي لا زال الباحثون يسعون لتطويره حتى اليوم، علماً أنهم قد يكونوا حقّقوا بعض الخروقات المُهمة مع تطوير القلب الفرنسي (CARMAT) الذي حقّق نتائج مهمة في السنوات الثلاثة الأخيرة، بعد ان تعاون على تصنيعه اهم خبراء جراحة القلب الفرنسيين واحد اهم الشركات المُتخصّصة في صناعة السلاح في فرنسا بعد عدّة انتكاسات ادّت في الماضي الى التوقّف المُؤقت للتجارب السريرية التي كانت جارية لتطويره.
وهو كما سنرى لاحقاً “برنامج رائد وطموح جداً” تعاون فيه اهم جرّاح قلب فرنسي وهو (Alain Carpentier) مع شركة “ماترا” (Matra) وهو إختصار لـ (Mécanique Aviation Traction)، وهي شركة فرنسية كانت موجودة من عام 1941 إلى عام 2003، والتي تحوّلت لاحقاً الى مساهم اساسي في مجموعة “إيرباص” (Airbus) وكانت تُعرف سابقاً تحت اسم :
(European Aeronautic Defence (and Space company : EADS
وكلنا يعلم ان “ايرباص” هي حالياً الشركة الأوروبية الرائدة في مجال الطيران والفضاء. وتاريخياً كان لشركة “ماترا” انشطة واسعة كانت تغطّي العديد من الصناعات في مجالات الطيران والفضاء والسيارات ورياضة السيارات والنقل والاتصالات والدفاع، وقد تحوّلت منذ فترة الى الإهتمام بالصحافة والإعلام، واتجه قسم إنشقّ عنها للمشاركة في برنامج “ايرباص”.
ولم يتوقّف الأمر هنا إذ دخلت الصين حلبة هذا الصراع منذ العام 2009 حيث استخدم الخبراء الصينيون تقنية الرفع المغناطيسي والسوائل، والتي تستخدم في التكنولوجيا المؤازرة الصاروخية واستعانوا بشكل هائل بخبرة وكالة الفضاء الصينية المسؤولة عند تصنيع الصورايخ لصناعة قلب أُطلق عليه بكل بساطة وفخر “القلب الصاروخ”، (Heartcon) والذي قطع شوطاً كبيراً إذ ان التجارب السريرية عليه كانت جداً ناجحة وهو قلب إصطناعي صنع كلياً في الصين (Made in China) وبكلفة اقل بكثير من امثالها من القلوب المُصنّعة في الولايات المتحدة واوروبا.
1- *مقدمة* :
كما أشرنا سابقاً فإن قصور القلب الأحتقاني (Congestive heart failure) هو الطريق النهائي أو الأخير الذي يصل إليه مُعظم المرضى المُصابين بالأمراض القلبية.
وتُشير الأحصاءات إلى أنه يوجد حالياً حوالي 6,2 مليون شخص يُعانون من هذا المرض في الولايات المتحدة وحدها. من بينهم حوالي 100000 إلى 250000 شخص في مراحل مُتقدّمة جداً من هذا المرض مُقاومة او عصيّة على كل انواع العلاجات المتوفّرة حالياً لهذا المرض ويتوقّع الخبراء أن يرتفع هذا العدد إلى عدد 10 ملايين مريض سنة 2037. ويتمّ أيضاً تشخيص حوالي 500.000 حالة سنوياً في الولايات المتحدة وحدها. هذا وتزداد نسبة المرضى المُصابين بهذا المرض مع التقدّم بالسن كما ذكرنا سابقاً، حيث أن حوالي %80 من حالات الإستشفاء عند المرضى البالغين 60 سنة وما فوق ناتجة عن هذا المرض، الذي يتسبّب أيضاً بوفيات كثيرة تصل نسبتها إلى %75 بعد مرور 5 سنوات على تشخيص المرض عند الرجال وإلى %62 عند النساء. وتبلغ أيضاً نسبة الوفيات بهذا المرض حوالي %75 على سنتين عند المرضى الذين يصنفون في الفئة الرابعة (Class IV) من تصنيف قصور القلب الذي تعتمده “جمعية أطباء القلب في نيويورك” (New York Heart Association : NYHA). وتبلغ الفاتورة الصحية الناتجة عن تكاليف علاج هذا المرض عدة مليارات من الدولارات في معظم الدول المُتقدّمة حيث يُعتبر هذا المرض السبب الأول للدخول الى المستشفيات عند المُتقدّمين في السنّ تحديداً. وكما ذكرنا في أجزاء سابقة من هذا الملف، فإن علاج الحالات المُتقدّمة من قصور القلب يستدعي في البداية إستنفاذ كل أنواع الأدوية المُناسبة لهذه الحالات من مختلف عائلات الأدوية(Beta blockers, ACE inhibitors, ARB inhibitors, Diuretics, Spironolactone…) وغيرها من الأدوية الحديثة الأخرى التي احدثت “ثورة هائلة” في العلاج الدوائي لمرض قصور القلب والتي سنتكلم ايضاً عنها تفصيلياً لاحقاً ايضاً. وهذا يجب ان يشمل ايضاً إستنفاذ إستعمال كل الوسائل العلاجية الأخرى من جراحة شرايين القلب او توسيع كل الشرايين التي من المُمكن توسيعها بواسطة التقنيات التدخّلية، اي بواسطة البالون والروسور. وايضاً إستنفاذ الوسائل الأخرى التي قد تشمل علاج إعادة تزامن القلب مع مزيل الرجفان البيطيني او الصادم الداخلي (Cardiac Resynchronisation Therapy with Defibrillator :CRTD)، وكذلك إستعمال كل الوسائل الميكانيكية المُساندة للعضلة القلبية اذا ما استدعت الحاجة، إلى أن نصل إلى إستعمال القلب الإصطناعي الكامل او ما يُسمّى الحل “الإصطناغي او الميكانيكي” أو اللجوء إلى زراعة القلب وهو ما يُسمّى بالحلّ “البيولوجي او الطبيعي”. وقد ذكرنا أيضاً أن هناك حاجة كبيرة لتطوير تقنيات القلب الإصطناعي الكامل الذي وبعكس وسائل مساندة العضلة القلبية (LVAD) يحلّ كلياً محلّ القلب الطبيعي للمريض بإنتظار أن تحصل عملية زراعة قلبية أو كحلّ نهائي في حال لم يتوفّر واهب قلب طبيعي. وهذا ما نلجأ إليه أكثر فأكثر حالياً بسبب ندرة وقلة الواهبين.
2 *- لمحة تاريخية:*
إن صناعة أول قلب إصطناعي في التاريخ تعود لـ (Valdimir
Dermikhov)، وهو عالم سوفياتي ورائد في زراعة الأعضاء. وقد أجرى عدة عمليات زرع اعضاء صناعية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، بما في ذلك زرع قلب عند الحيوان (الكلب) في العام ١٩٣٧ وعملية استبدال قلب ورئة عند حيوانات اخرى. أما أول جهاز قلب ورئة إصطناعي فهو الجهاز المُستعمل حتى اليوم في عمليات القلب المفتوح وقد تمّ أختراعه سنة 1953 خلال إجراء أول عمليات قلب مفتوح وكان مخترع هذا الجهاز يسمى (John Heysham Gibbon) في الولايات المتحدة الأميركية.
اما اوّل من حمل لواء تطوير القلب الإصطناعي في الغرب فهو الدكتور “ويلن كولف” (Willen Kolff)، وهو “طبيب هولندي” مشهور عُرف عنه انه اوّل من اخترع “جهاز الكلية الإصطناعية الأوّلية”، وكانت بدائية جداً في البدابة، وذلك خلال فترة الحرب العالمية الثانية بحث صنعها من عدة آلات جمعها في مختبره المنزلي دون مساعدة كبيرة من مهندسين او خبراء آخرين، والذي طوّرها فيما بعد عندما هاجر إلى الولايات المتحدة مع عائلته، حيث قام هناك بزراعة أول قلب إصطناعي عند “الكلب” ايضاً في (Cleveland clinic) في الثاني من كانون الأول سنة 1957.وقد عاش هذا الكلب لمدة 90 دقيقة.
وقد كان فريق كولف في منافسة شديدة مع فريق الطبيب الأميركي اللبناني الأصل “مايكل دبغي”
(DeBakey Michael) الذي نجح في إستقطاب الطبيب الأميركي من اصل ارجنتيني “دومينغو ليوتا” (Liotta (Dominigo والذي كان طالباً عند كولف في كليفلاند وانضم إلى فريق دبغي في عام 1961 في كلية “بايلور للطب في هيوستن” ونجح مع فريق دبغي في العمل على تطوير اول مضخة إصطناعية لمساندة عضلة ١٩٦٣ القلب في العام
. علماً ان دبغي شخصياً كان يميل اكثر الى تطوير هكذا مضخّات لمساندة القلب بدل السعي لتطوير قلب إصطناعي كامل. وكانت تلك المضخة تعمل بالهواء المضغوط، وتمّ إدخالها في الصدر لتوصيل الأذين الأيسر بالشريان الأبهر او الأورطي. وتمّ زرعها لأول مرة في عام 1963 عند مريض يبلغ من العمر 42 عاماً بسبب قصور خطير في عمل القلب الكبير بعد استبدال الصمام الأبهري. ولكن، بعد أربعة أيام، مات المريض من التهاب رئوي وسكتات دماغية متعددة.
ومع ذلك، استمرّ العمل دون إعاقة، وفي آب (أغسطس) 1966 ، زرع “دبغي” هذا النوع من المضخّات مرة أخرى عند مريض يبلغ من العمر 37 عاماً. وفي عام 1967 حصل حدث أساسي كان من شأنه أن يغيّر الوضع بالفعل. وكان هذا الحدث هو نجاح أول عملية زرع قلب طبيعي على يدّ طبيب افريقي نجح في زرع اول قلب طبيعي في ذلك العام.
بعدها تخلّى ليوتا أيضاً عن أسرته وغادر المركز الذي كان يعمل فيه “دبغي” للعمل مع فريق دونتون كوولي (Denton Cooley) وهو خصم دبغي اللدود ونجح معه في نيسان (أبريل) 1969 ، في إجراء أول زرع كامل لقلب اصطناعي لمريض كانت حالته يائسة، وتوفي بعد أيام قليلة. هذا لم يمنع التواصل الواسع في الصحف حول العالم. وقد كان “القلب الاصطناعي لـ (Cooley-Liotta) ، المصنوع من مواد اصطناعية ، قلباً يعمل على الهواء ايضاً ولكن تم وضعه في داخل جسم المريض، أي بدلاً من قلب المريض الأصلي. وكان ذلك عملاً جراحياً صعباً. وقد تمّ اختبار هذا الجهاز القلبي مسبقاً عند سبعة عجول ماتت جميعها. وقد نجا منها واحد فقط وعاش أربع وأربعين ساعة. وبعد فترة وجيزة، تم إجراء عملية جراحية مماثلة لمريضين آخرين من قبل كولي وليوتا ، لكن كل هذه العمليات كانت فاشلة.
لكن “كولي وليوتا” كان لديهما تصميم كبير وشجاعة لا مثيل لهما واستمرا في التجارب الى ان تمّ الحصول على النجاح الأول عند رجل يبلغ من العمر سبعة وأربعين عاماً بعد إجراء عملية جراحية في البطين الأيسر ولم يكن من المُمكن عنده إيقاف جهاز القلب والرئة الإصطناعية بسبب عدم وجود تقلصات كافية في القلب. وقد سمح القلب الاصطناعي الكلي بحصول زراعة قلب طبيعي عند المريض بعد ثلاثة أيام. لكن ذلك المريض توفي بعد اثنتين وثلاثين ساعة من الإصابة. وهذا الحدث هو الذي فتح الطريق للولوج في عصر إستعمال اجهزة المساعدة القلبية الميكانيكية ك”جسر للزرع الطبيعي”.
وقد تتالت الأحداث بعد ذلك في مختلف أنحاء العالم على يد أطباء مشهورين من أهمهم كولف تحديداً الذي ترأّس مركز الأعضاء الأصطناعية في جامعة (Utah) في الولايات المتحدة، وطوّر أنواع مُتعددة من القلب الأصطناعي التي تمّ زرعها بنجاح عند العجل والثور ما بين سنة 1973
و 1981. وتراوحت فترات بقاء هذه الحيوانات على قيد الحياة ما بين 30 يوماً في البداية سنة 1973 إلى 268 يوماً سنة 1981 مع الجهاز الذي كان يسمى (Jarvik V). ومع تقدّم السنوات تعاون أكثر من 200 طبيباً ومهندساً وطالباً على تطوير الجهاز الذي طوره (Kolff) إلى أن أستلم (Robert Jarvik) رئاسة هذه البرامج المُتخصّص بتطوير القلب الإصطناعي، وقد كان مهندس ادوات طبية ماهرا جداً، وحيث سمي القلب الناتج عن هذه الأبحاث بقلب (Jarvik 7)، وهو ثمرة تعاون “كولف” و”جارفيك” وطبيب اميركي من اصل ياباني اسمه ” تتسيزو اكوتسو” (Tetsuzo Akustsu) وكان احد تلامذة كولف البارعين. واثمرت جهود هذا الفريق زرع هذا القلب لأول مرّة عند الأنسان، في 2 كانون الأول 1982 عند طبيب أسنان أسمه (Barney Clark) كان يشكو من نوع مُتقدّم من قصور في عضلة القلب. وقد عاش هذا الطبيب 112 يوماً موصول إلى جهاز ضغط هوائي خارجي ضخم يزن حوالي 180 كيلو غرام. وقد تعرّض هذا الطبيب خلال هذه الفترة لحالات إكتئاب وتوتر مُتكرّرة ولحالات نزيف كثيرة. وكان يطلب خلالها من الأطباء المعالجين إيقاف الجهاز وأن يسمحوا له بالموت.
وفي عام 1984 تم تنفيذ خمس عمليات مماثلة. ثلاثة مرضى آخرين بعد بارني كلارك حصلوا على (Jarvik 7) للزرع النهائي. جميعهم ماتوا، رغم أن أحدهم ويدعى (Bill Schroeder) نجا وعاش ما يقرب من عامين اي 620 يوماً تحديداً. ثم أوقفت الوكالة الأميركية للأغذية والدواء (FDA) استخدام القلب الاصطناعي في هكذا حالات اي ك”حلّ نهائي اصيل”. وقد أثرت حالة بارني كلارك بشكلٍ كبير على مستقبل القلب الاصطناعي النهائي من خلال حصر استخدام هكذا اجهزة ك “جسر للعبور نحو زراعة القلب الطبيعي لسنوات، وافقت وكالة الغذاء والدواء الأمريكية في 2 تموز (يوليو) 2001 ، على زرع قلب اصطناعي كلي (نموذج AbioCor) تم زرعه مرة أخرى بشكلٍ دائم عند رجل يبلغ من العمر تسعة وخمسين عاماً، نموذجاً من القلوب لديه الكثير من المشاكل والحدود التي منعت إستعماله لاحقاً بشكلٍ واسع ولذلك عمدت الشركة التي طوّرته الى تطوير نموذج آخر منه يُدعى (AbioCor II) وهو اصغر حجماً من الجيل الأول بنسبة 35% تقريباً. بعد ذلك ولدت آلات جديدة، أسهل في الاستخدام، وأقل تكلفة وأكثر كفاءة. وكانت حركة العلم مستمرة حتى تاريخ اليوم بين دعاة زرع القلب البيولوجي اي القلب الطبيعي وبين دعاة الآلة الصناعية او القلب الكامل الإصطناعي وهو سباق واقعي ومنطقي ولا يزال قائما حتى تاريخ اليوم.
3- *أنواع القلوب الإصطناعية المتوفرة حاليا:*
هناك عدة أنواع من القلوب الإصطناعية المتوفرة في العالم حاليا ومن أهمها:
١- جهاز Abiomed: وكان الجيل الأول للقلب الإصطناعي من هذه الشركة قد تمّ زرعه في تموز 2001 (Abiocor I) وهو مصنوع من مادة الـ(Titanium) وهو تصنيع شركة (Abiomed، Danvers، Massachusetts، USA)
وهو إذاً اوّل “قلب اصطناعي كهربائي هيدروليكي” قابل للزرع بالكامل مع جهاز تحكم ونظام بطارية داخلي، وبكرة او ملفّ تحت الجلد في موضع تحت الترقوة يسمح بإعادة شحن البطارية الداخلية عن طريق نقل الطاقة عبر الجلد نظام Transutaneus Energy) Transfert : TET). وقد تم ّزرعه لأول مرة عند البشر كما ذكرنا في العام 2001. وقد تم فصل البطينين المصنوعين من مادة ال “بولي يوريثين” (Polyurethane) بواسطة مُحوّل طاقة يضمن نقل مائع (طاقة هيدروليكية) من بطين إلى آخر، مما يجعل من المُمكن محاكاة الانقباض بالتناوب (تدفق نابض). تم نقل الطاقة إلى المحول بفضل بكرة النقل التي تحوّل موجات الراديو إلى تيار مُباشر. وقد سمحت البطارية الداخلية بالتحكّم الذاتي لمدة 60 دقيقة، خالية من أي اتصال خارجي. وسمح نظام من بطاريتين خارجيتين بالتحكّم الذاتي لمدّة ساعتين تقريباً.
هذا النظام ، الذي كان واعداً في البداية، ولكنه له عيوب كبيرة، حيث تبلغ أبعاده 13 × 8 سم لوزن 1 كيلوغرام تقريباً. ويمنع ذلك من زرعه عند النساء ويتوافق فقط مع 50٪ من الرجال. ويجب أيضاً وضع بكرة نقل الطاقة بشكلٍ صحيح على الجلد مع خطر التسبّب في حروق في الجلد. كذلك فإنّ حجم وعدد المُكوّنات يجعل الزرع الجراحي مُعقّداً وغازياً جداً ومرتبطاً بمعدّل وفيات كبير. علاوة على ذلك، يظلّ التوافق “البيولوجوي” اوالحيوي” مُخيّباً للآمال مع الميل لتكوين الجلطات المسؤولة عن عدد كبير من السكتات الدماغية.
وقد أفاد (Dowling RD) وآخرون في عام 2004 عن سلسلة صغيرة من 7 مرضى حصل فيها، وفاة أثناء العملية من صدمة نزفية، ووفاة مُبكرة من ردّ فعل على مادة ال “أبروتيني” أو بسبب إنسداد او جلطة رئوية نظراً لوجود خثرة داخل الأذين الأيمن عند تشريح الجثة. ومن بين 5 مرضى بقوا على قيد الحياة، توفي 3 في وقت لاحق (الأول من فشل مُتعدّد الأحشاء، والثاني بسبب جلطة او سكتة دماغية والثالث من نزيف في البطن يُدعى نزيف خلف الصفاق). ووجد التشريح الذي تم إجراؤه خثرة داخل الأذين في كل منهم ولكن ليس تجلّط في الدم.
وتمكّن مريض واحد فقط من العودة إلى المنزل في نهاية الدراسة، بحيث بقي مريضان فقط على قيد الحياة بعد 181 و 234 يوماً على التوالي من الزرع.
وأفاد تقرير الوكالة الأميركية للأغذية والدواء (FDA) لعام 2006 عن سلسلة من 14 مريضاً تضمّ مجموعة (Dowling) المذكورة سابقاً مع 12 مريضاً نجوا فقط بعد الجراحة. وهذا ما يُؤكّد أن الآثار العكسية الرئيسية شملت النزيف (المُرتبط بمستوى منع تخثّر الدم)، والالتهابات غير المرتبطة بالجهاز، والسكتات الدماغية و الجلطات الدماغية الدائمة او الوقتية. وكان مُتوسّط البقاء على قيد الحياة 4.5 شهراً لمدة أقصاها 512 يوماً عند المريض الذي عاش لأطول فترة.
ولم يتم استخدام هذا النظام مطلقاً في فرنسا. وتمّ التخلّي عنه من الممارسة السريرية في الولايات المتحدة الأميركية نظراً لهذه القيود العديدة. وقد طوّرت شركة (Abiomed) الجيل الثاني من هذا القلب تحت اسم مشروع (AbioCor II) ، وهو أصغر حجماً بنسبة 35٪ من سابقه، ممّا يسمح بالزرع في الرجال والنساء مع إستدامة او عمر أطول من 2 إلى 3 مرات. وحتى الآن، لم يتمّ الإبلاغ عن أي تجارب علمية في المختبر أو على الحيوانات لمعرفة ما إذا كان قد تمّ إستعمال هذا الجهاز.
٢- جهاز Berlin Heart :
وهو يُعرف بجهاز برلين لمساندة القلب ويجمع بين جهاز لمساندة القلب الأيسر (LVAD) وإخر لمساندة القلب الأيمن (RVAD). وبالتالي، فإن هذه المساعدة ثنائية البطين تترك القلب الأصلي الفاشل في مكانه. ويتكوّن من بطينين نابضين خارجين يوضعان على بطن المريض. وهو يحظى بأهمية وبتقدير خاص للإستعمال عند الأطفال والمراهقين والبالغين ذوي الأحجام الصغيرة بفضل لوحة من البطينات الخارجية ذات الأحجام المختلفة. ومع ذلك، فإنًه لا يزال عرضة لخطر كبير من حدوث مضاعفات مُتعدّدة (إلتهابات، ، انسدادات وتجلطات وغيرها..).ونادراً ما يسمح تعقيد الزرع او التثبيت بعودة المريض إلى المنزل (حركة المريض محدودة بيئة عمل محصورة بالغرفة التي يوجد فيها هذا القلب، ضوضاء..). ومع ذلك، فإنّ وضعه خارج الجسم لديه ميّزة تجنب إعادة الجراحة في حالة حدوث مضاعفات على البطينين، واللذين يمكن الوصول إليهما بسهولة للاستبدال او لمعالجة اي نزيف او إختلاطات جانبية اخرى. بالإضافة إلى ذلك، ففي حال توقّف المضخة، لا يموت المريض على الفور ، حيث يكون قلبه الأصلي في مكانه ويعمل لدقائق ولو بقصور كبير مما يسمح للجراحين بالتدخّل السريع وتدارك الأمر وإيجاد الحلول. من ناحية أخرى، غالباً ما يترك الجراحون الغرف او التجاويف المتوسعة الأصيلة للمريض في مكانها، وهذا ما يُمكن أن يُعرّض المريض لحصول تجلّطات في الدم.
وقد تمت زراعته في آب 2006 عند فتاة كانت تعاني من قصور قلبي حادّ بهدف إنتظار الحصول على قلب طبيعي.وأستمرّ إستعماله لمدة 146 يوماً، تأكّد الأطباء خلالها أن قلب تلك الفتاة قد شفي تماماً، ولذلك فقد تمّ إستئصال ذلك القلب الإصطناعي. وفي سنة 2011 حصل هذا القلب على موافقة وكالة الأغذية والأدوية الأمريكية، وتمّ زرعه حتى اليوم عند أطفال عدة من ضمنهم واحدة عمرها 4 سنوات فقط.
٣- جهاز (Cardiowest) :
القلب الاصطناعي الكلي داخل الصدر (CardioWest) وله عدة تسميات (Syncardia , Tucson) وهو صناعة شركة مقرّها في “أريزونا” في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهو موجود منذ أكثر من 35 عاماً. وتم زرعه عند مئات من المرضى في جميع أنحاء العالم. وهو يتألّف من “بطينين هوائيّين” من مادة ال “بولي يوريثين” بسعة 70 ملل ، مع 4 صمامات ميكانيكية. وهو يُزرع في وضع ” تقويمي” اي مكان القلب الأصلي للمريض الذي يتمّ إستبداله بهذا الجهاز. ويتمّ خلال عملية زرعه إستئصال الكتلة البطينية، وهذا ما يُمكن أن يكون مفيداً بشكلٍ خاص في حالة وجود تجلّط في داخل غُرف القلب أو في حال وجود فتحة او ثقب بين البطينين، لأن ذلك يمنع استخدام القلب من نوع (برلين). ويتمّ توصيل هذا “الجهاز النابض” بوحدة تحكّم خارجية بخطوط تنشيط تعمل ب”الهواء المضغوط” عبر نفق صغير يمرّر تحت الجلد المواجه للبطن.
ويُمكن أن يصل هذا الجهاز إلى ناتج قلبي أكبر من 9 ليترات من الدم في الدقيقة.
وقد أظهر (Copeland) وزملاؤه فعالية هذا الجهاز، وكذلك البقاء على قيد الحياة على المدى الطويل. وقدم تقريراً في العام 2012، على مجموعة من 101 مريضاً تمّ عندهم زرع جهاز (Cardiowest) . و قد نجحت العملية في 68.3 ٪ من الوصول إلى عمليات زرع قلب طبيعي. وكانت نسبة البقاء على قيد الحياة بعد الزرع بعد مرور سنة و 5 و 10 سنوات على التوالي 76.8٪ و 60.5٪ و 41.2٪.
و يظلّ حجم الجهاز في القفص الصدري والضوضاء الناتجة عن النظام من العوائق الرئيسية لهذا الجهاز. ويوجد منه جيل آخر بسعة 50 ملل من البطينين وذلك منذ العام 2013 للمرضى الصغار. ولكن لا يتم تعويضه بواسطة مؤسسة الضمان الإجتماعي حالياً في فرنسا. وتظلّ المُضاعفات المختلفة على شكل إلتهابات مُتكررة نسبيا بالإضافة إلى مضاعفات التخثّر التي تتطلب علاجاً قويا مُضاداّ للتخثّر ، هو نفسه مسؤول أحياناً عن حصول بعض الحوادث النزفية. وقد أفاد (Copeland) وآخرون عام 2015، في سلسلة من 101 مريضاً تم زرعهم بإستخدام جهاز (Cardiowest) عن حصول 8 سكتات دماغية ناتجة عن حصول إنسداد في احد الشرايين (أي 7.9 ٪) و 43 حالة نزفية (أي 42.5 ٪)، بما في ذلك 25 حالة تتطلب إعادة الجراحة.
وهو رغم كل ذلك الجهاز الأكثر تطوراً وقد تمّ إستعماله عند حوالي 1350 حالة ك “جسر للعبور نحو زراعة القلب”. ولكن منذ سنة 2010 توالت عمليات إستعماله ك”قلب إصطناعي كامل ونهائي”. وقد كان يعرف من قبل بأسم (Jarvik 7) ومنذ سنة 2005 تتولى تسويقه الشركة المذكورة أعلاه تحت أسم (Cardiowest).
في الجزء القادم من هذا الملف سوف نستكمل الحديث عن انواع هذه القلوب الإصطناعية وكيف ان معظم دول العالم الصناعية، وضعت معظم الدول المتقدّمة برامج باهرة وطموحة جداً لتطوير هكذا اجهزة، وسنعرض الأحداث والإختلاطات الجانبية التي قد تحصل مع إستعمالها وسننتهي بعرض آفاق ومُستقبل هذه الصناعات الرائدة وإلى اين تتجه الأمور.
د وطلال حمود- طبيب قلب وشرايين،
مُتخصّص في علاج امراض القلب بالطرق التدخّلية وفي علاج مرضى القلب المُصابين بمرض السكّري،
مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود