تبلَّد البلد، على وقع انغماس غير مسبوق للمسؤولين، على اختلاف تسمياتهم بانعدام المسؤولية، لا الوظيفية، ولا الوطنية.. فالجبل لم يتمخض لتاريخه سوى «فأر حكومة»… اي اكتفاء وزراء تصريف الاعمال «بالمخابطة» مع المشكلة المالية والحياتية المتراكمة، والطلب المشترك، بعد ان درجت عدوى الاضرابات، هو الحقوق المالية في الراتب والاستشفاء، والدواء والتعليم ومواجهة وحش الغلاء وغائلته.
وما عدا الحرص الذي تبديه، من حين الى آخر دوائر بعبدا، واوساط الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، على ان الرئيسين متفقان بالحاجة الملحة لتأليف حكومة او اعادة تعويم حكومة الـ24 الحالية بثقة متجددة، بدا ان فريق التيار الوطني الحر، يرغب بدفع الموقف الى النهاية، من زاوية الانقلاب على اتفاق الطائف، الذي وصفته محطة الـOTV في نشرتها المسائية بـ «ما سمي وثيقة وفاق» والسير باللامركزية الادارية والمالية الموسعة التي تشكل على نحو او آخر تحررا من وحدة الدولة المركزية..
وفي السياق، صبت دعوة النائب جبران باسيل، في تغريدة له «للإتفاق على نظام جديد لوطن واحد» وذلك لمناسبة مائة وعامين على ولادة لبنان الكبير.
الاولوية، اذا ليست لحكومة تحفظ وحدة الموقف الاجرائي على مستوى السلطة التنفيذية، بل فتح الباب امام تجاذبات وسجالات، واشكالات تعيد عقارب الساعة الى الوراء.
وحاولت دوائر بعبدا، ان تطلق «تنظيرة» لم تكن موفقة لاقتراح ادخال 6 وزراء سياسيين على الحكومة المستقيلة بعد تعويمها، ليس «لضمان فريق رئيس الجمهورية الثلث المعطل»، بل الهدف تأمين، وفقا لما نسب الى «مصادر مطلعة» حصانة سياسية لحكومة وصفت بأنها من نوع التكنوقراط.. فهي بحاجة الى دعم الكتل السياسية، وكأن الوزراء التكنوقراط لا مرجعيات سياسية لهم، خاصة اذا حصل الشغور الرئاسي.
بالمقابل، وصفت مصادر متابعة لملف تشكيل الحكومة الجديدة اللقاء الاخير بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، بانه استمرار للقاءات السابقة، ولم ينتج عنه أي اختراق يمهد لتشكيل الحكومة الجديدة، بل على العكس، أكد الاستمرار في الدوران بالحلقة المفرغة ذاتها، وتشبث كل من الرئيسين بمواقفه وطروحاته وقالت : ان رئيس الحكومة المكلف بدأ منفتحا خلال اللقاء واظهر كل استعداد لدفع مسار التشكيل قدما الى الامام، وطرح صيغة مرنة، لم يكشف عنها،لتسريع الخطى لإنجاز التشكيلة الحكومية، الا انها لم تحظ بموافقة عون الذي عرض توجها مغايرا .
واذ تكتمت المصادر على الصيغة التي طرحها ميقاتي، اشارت إلى ان رئيس الجمهورية اظهر تمسكه بتوسعة الحكومة وضرورة ضم ستة وزراء دولة من السياسيين، لتكون مكتملة التمثيل وتستطيع القيام بالمهمات المنوطة في حال لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المواعيد الدستورية المحدده.وانتهى اللقاء من دون نتائج وكل من الرئيسين عون وميقاتي، متمسك بطرحه.ومع بدء المهلة الدستورية لدعوة المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية قبل 31 ت1 المقبل، كثفت القوى السياسية والنيابية لقاءاتها ومشاوراتها لتحديد الخيارات بدءاً من وضع «المواصفات والمعايير» التي قد لا تنطبق كلها على شخص واحد خاصة مع تعدد هذه المواصفات واختلافها بين طرف وطرف. فيما بقي تشكيل الحكومة يراوح مكانه بين مشاورات واتصالات ورفض وقبول هذه الشروط وتلك، وخاصة بعد كلام الرئيس نبيه بري امس الاول حول رفض زيادة ستة وزراء دولة على التشكيلة الحالية ما يدعم موقف الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في التشكيلة التي اقترحها.
وفي حين لم يصدر اي تعليق على موقف بري من قصر بعبدا، اوضحت مصادر مطلعة على موقف الرئيس عون من توزير ستة وزراء دولة من السياسيين بأنه لتحصين الحكومة الحالية سياسياً بعد اعادة تشكيلها، نظراً للتجارب غير المشجعة لحكومات التكنوقراط وتعرضت لكثير من الانتقادات والتعثر في كل موضوع اساسي كانت تواجهه ما ادى الى تأخير او تعطيل الكثير من القرارات نظراً لعدم وجود مرجعية سياسية مباشرة لهم، ولا سيما في هذا الظرف المفصلي الذي تمر به البلاد والاستحقاقات الوطنية المنتظرة التي تحتاج الى حكومة قوية تواجه ما ينتظر لبنان. وقالت ان الغاية ليست تحصيل الثلث الضامن كما يتردد فهو موجود اصلاً في الحكومة الحالية ولم يتم استخدامه ولا مرة. هذا عدا عن اهمية وجود حكومة قوية تواجه الوضع في حال حصول فراغ في سدة الرئاسة الاولى مهما كان عمر هذا الفراغ، نتيجة الخلاف والتشرذم بين الكتل النيابية وتعدد المواصفات المطروحة للرئيس العتيد والتي من الصعب جمع الاكثرية النيابية حولها. ما يعطي للحكومة دفعاً اضافياً للقيام بالمهمات المطلوب ضمن الحدود الدستورية المتاحة لمواجهة الوضع الناتج عن الفراغ الرئاسي.
اضافت: اما اذا حصل انتخاب للرئيس فسيكون عمر الحكومة الجديدة قصيراً، وتكون البلاد قد تجاوزت قطوعاً خطيراً بحكومة قادرة على اتخاذ القرارات الضرورية بوجود ممثلين للقوى السياسية الاساسية فيها.