منذ إنكسار الأمبراطورية العثمانية عام 1918 وبداية مرحلة جديدة لإستعمار من نوع آخر بوجهٍ فرنسي، تعايشَ الشيعة في لبنان تحديداً مع الظلم الغير مُستَجِد والذي عانوا منه لقرون طويلة أبان الإحتلال التركي وما قبل من هجمات للمماليك وغيرهم على منطقة كسروان التي كانت في معظمها تتكوَّن من عوائل موالية لآل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، وتم ذبحهم وتهجيرهم حتى إضطَرَ البعض لإتباع التقية بإعتناق أديان ومذاهب أخرى،
بعد الإحتلال الصهيوني لفلسطين وفي ظل الإستعمار الفرنسي للبنان خرجَ صوت الشيعه إلى العَلَن رافضين الإحتلال الأجنبي لبلادهم ومناصرين صادقين لقضية الشعب الفلسطيني المُحِقَة،
إنخرط الشباب الشيعي في المنظمات الفدائية واليسارية بهدف القتال ضد الصهاينة وحماية أنفسهم من ظلم المارونية السياسية المناوئ للفدائيين وأصحاب الرأي المُعادي لإسرائيل،
إستفادت منهم تلك الأحزاب والمنظمات واستخدمت الألآف منهم كمقاتلين في الصراعات الداخلية كما في وجه إسرائيل،
بقيَ شباب الشيعه لسنوات طويلة حاجة مُلِحَة للأحزاب لتقوية معسكراتهم وكانوا يتبعون الأهواء الحزبية التي ترفع شعارات التحرر ومحاربة الإنعزالية والصهيونية،
حين جاء الإمام السيد موسى الصدر الى لبنان، واجهته المارونية السياسية وأعدائها على حدٍ سواء بمحاولات إفشال مشروعه الرامي الى قيامة وطن خارج القيد الطائفي وبعيد كل البُعد عن المشاريع الخارجية وطن يحلُم به كل مواطن لبناني يحفظ كرامته من دون إستنسابية أو تمييز،
شعَر الإمام الصدر بقوَة الصَد الذي يواجهه وبحجم المؤامرات التي تُحاك ضده في الخفاء، لكنه كان رحمه الله قد تجاوز مرحلة الفشل أو الإنكسار إذ فرضت إطلالته وهيبته واعتداله وفكرهُ النَيِّير حضورهُ المستند إلى مئات الألآف من الأتباع اللذين أقسموا خلفه اليمين وأدُّوا العهد في البقاع والجنوب،
فكانت أولى رياح التغيير في حياة الشيعة السياسية هو تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى برئاستهِ، وتأسيس حركة المحرومين وإنكشاف الغطاء عن جناحها العسكري عام 1976 بعد إنفجار عين البنيِّة،
كَبُرَت حركة المحرومين أو كما سُمِّيَت لاحقاً أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) وحملَت لواء الجهاد والكفاحُ المسلح ضد الإحتلال الصهيوني والمارونية السياسية هادفةً درء الأخطار عن أهل الجنوب وإلغاء الطائفية السياسية،
تصدت الأحزاب اليسارية والمقاومة الفلسطينية للحركة وحصلَت صدامات عسكرية كثيرة وكبيرة واستفحلت لسنوات، لأن مشروع الحركة كانَ لبنانياً بإمتياز ولا يحمل أي أجندات خارجية أضرَ بمشاريع ياسر عرفات ومنظمة التحرير كما أضَرَّ بعديد الأحزاب اليسارية الأخرىَ جميعها من دون استثناء كَون الحركة سحبت العنصر الشيعي من كافة الأحزاب لتبقيها ذات لون واحد أو ألوان مذهبية سياسية خافتة،
دفع الإمام الصدر ثمن مشاريعه الإصلاحية الوحدوية المعادية للمشروع الصهيوني الماروني الفلسطيني وتمَ تغييبهُ عام 1978 بأكبر مؤامرة تنال شخصية دينية شيعية منذ قرون،
غياب الإمام موسى الصدر حَفَّذَ الحركة على تفعيل نشاطاتها ودورها السياسي والإجتماعي والعسكري على الساحة اللبنانية،
بعد الإجتياح الصهيوني للبنان وانسحاب المقاتلين الفلسطينيين إلى خارج لبنان وتراجع قوَّة المقاومة والأحزاب اليسارية التي كانت ترتبط ارتباطاً وثيقأً بمشروع عرفات، لعبت حركة أمل دوراً أساسياً بارزاً في قتال الإحتلال الصهيوني، وكانت ملامح إنطلاقة حزب الله المقاومة الإسلامية قد خرجت للعلَن،
إستطاع الشيعه عبر حركة أمل ومعاركها الشرسة ضد اليسار واليمين اللبناني والتصدي لمشاريع حركة فتح في لبنان، إستطاعت من فرض نفسها وطائفتها وأجنداتها السياسية وتمثلت في المراكز الحكومية والعسكرية والإدارية بقوة حيث تراجع نفوذ المارونية السياسية بشكلٍ كبير إثر تصاعد ونمو القوة الشيعية الفتية في البلاد،
بعد عام 1990 تحوَّل الشيعة إلى قوة نافذة وقاهرة لا يمكن هزيمتها أو التحكُم بها أو ألإملاء عليها،
تقاسم الشيعة الحكم والسلطات مع باقي الطوائف في لبنان حبَّةً حبَّة،
توسعَ نفوذ حزب الله وأصبحت المقاومة الإسلامية رأس حربة المشروع المقاوم للإحتلال الصهيوني والسيل التكفيري الهادر حيث تعاون النظام السعودي مع الصهيونية لمحاربة تمدد النفوذ الشيعي القادم من بيروت وطهران لمصلحة مشتركة تجمع الإثنين معاً،
الجمهورية الإسلامية الإيرانية عانت من ويلات الحرب الطويلة ضدها التي خاضها صدام حسين بدعمٍ صهيوأميركي عربي، ولكنها بقيت صامدة ثابتة لم تتزحزح فكانت السبب الرئيس بتنامي قدرات حزب الله وحركة أمل وازدياد النفوذ الشيعي في لبنان وتوسعه نحو الجوار كسوريا والعراق واليمن وغيرها من دُوَل الإقليم،
حيث حملَ حزب الله وإيران وأنصار الله لواء فلسطين وجعلوها قِبلَتهم وخاضوا مع الكيان الصهيوني معارك طاحنة على جميع الجبهات الدينية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية والإستخباراتية والعسكرية إنتصر الشيعه فيها جميعها،
قوَّة حزب الله وايران اعادوا لفلسطين والقضية الفلسطينية الحياة، وأعادوا الأمل للأمة العربية بتحريرها وبسحق الصهاينة بعدما تخاذل جميع العربان التطبيعيين بإستثناء القليل عن نصرتها، واليوم أصبحَ هذا العدو الغاصب يحسب للمارد الشيعي الف حساب واعتبرت كافة الدوائر الإستخبارية الغربية ومعاهد الدراسات أن المذهب الشيعي أصبح الأخطر على مشاريع الصهاينة والغرب بعدما قضت العائلة المالكة السعودية على الإعتدال السني وحولتَ أغلبية الطائفة الكريمة الى رهائن التسلط والإغراء المادي الوهابي السعودي.
إذاً القضية الفلسطينية عادت الى الواجهة وأعادت المقاومة الإسلامية والجمهورية الإسلامية الإيرانية الحياة إليها وأن تحريرها بآت قابَ قوسين أو أدنى بإذن الله.
بيروت في…
3/9/2022
المصدر: موقع إضاءات الإخباري