يرى السيد علي الخامنئي أن “الضفة الغربية يجب أن تُسلّح مثل غزة… كل الذين يهتمون بمصير فلسطين ومستقبلها، إذا كانوا يستطيعون القيام بعمل ما، فإن العمل المطلوب هو هذا؛ يجب أن يتم تسليح الأهالي في الضفة الغربية… لأجل إضعاف الكيان الصهيوني وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني”، هذه الرؤية قدّمها السيد الخامنئي منذ العام 2014. فهل كان قرار محور المقاومة وفي مقدّمته الجمهورية الإسلامية الايرانية بدعم الضفة تحديداً؟
في العام 2015، كثّف الشباب الفلسطيني من عمليات الطعن والدهس في القدس المحتلّة الى أن وصل الوضع الى حدّ عرف باسم “انتفاضة السكاكين” التي استمرت لغاية العام 2017، وخلالها نفّذت أكثر من 79 عملية.
وأيضاً، بعد معركة “سيف القدس” عام 2021، نهضت القدس والضفة بجيل جديد لا يؤمن بالتسويات السياسية وبريء ومن “أوسلو” ومعارض للتنسيق الأمني، ضمّد جراحات الانقسام الفلسطيني وتوحّد بكل انتماءاته الفصائلية في كتائب مقاومة طوّرت من عملها المسلّح الى أن برزت الضفة كجبهة قائمة بنفسها قادرة على إسناد جبهة غزّة ومشاغلة الاحتلال. وكانت البداية من جنين ثمّ تمدّدت حالة المقاومة الى كلّ المناطق.
وبداية العام الحالي (31 آذار / مارس)، أطلق جيش الاحتلال ما يسمى “عملية كاسر الأمواج” بعد سلسلة من العمليات الفدائية النوعية نفذها الفلسطينيون في القدس المحتلّة وفي مدن رئيسية في الدّاخل المحتل (تل أبيب، بئر السبع…) استنفر خلالها الجيش وحداته الخاصة وأجهزته الاستخباراتية لاعتقال أكبر عدد ممكن من الشباب الذي يزعم الاحتلال أنهم يخططون للعمليات، لا سيما خلال فترة المناسبات اليهودية التي تزامنت مع شهر رمضان.
لكن سرعان ما أحبطت هذه “العملية” بفعل تنامي كتائب مقاومة والعمليات الشعبية اليومية التي أعادت مشاهد الكمائن واستهداف باصات الجنود إبان الانتفاضة الثانية عام 2000، لتحيي إرث الشهداء القادة يحيى عيّاش وعماد عقل وإياد صوالحة ومحمود طوالبة و”أبو جندل” (يوسف ريحان) ورائد الكرمي، وغيرهم الكثير ممّن زرعوا بذور المقاومة في الضفة الغربية.
القتال في الضفة لأجل الهوية الفلسطينية
في هذا الإطار وصّف مسؤول العلاقات الفلسطينية في حزب الله حسن حب الله في حديثه مع موقع “الخنادق” أن “الضفة الغربية هي عنوان وحدة الشعب الفلسطيني ففيها نرى حركة فتح – التي سطرت ملاحم مهمة – الى جانب حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة حماس. مشيراً الى أن “الشعب الفلسطيني لم يعد مقتنع بالسلطة وأدائها وخياراتها، وحتى الجناح العسكري لفتح، “كتائب شهداء الأقصى”، بات له حضوره المميز في الميدان وغير المرتبط بالسلطة، فمحمود عباس شاهد على وسائل الاعلام عمليات الشهيد إبراهيم النابلسي، كما أيّ مواطن عادي في العالم، بالإضافة الى أن عموم الشعب الذي قد لا ينتمي الى فصيل هو الشريك الأساسي في العمل المسلّح ما أدى الى تتنامى المقاومة الشعبية”.
واعترف الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية لصحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، آفي يسسخروف “أن العناصر الذين تتصدى لهم القوات الإسرائيلية يختلفون عن أولئك الذين عرفناهم في السنوات الأخيرة، هم أكثر شجاعة ويقاتلون ويرفضون الاستسلام بسهولة، وإبراهيم النابلسي مثال على ذلك”. مضيفاً “المخربون (المقاومون) من الطراز الجديد لعام 2023، لا يحملون معهم انتماء تنظيميا واضحا، ويمكنهم في يوم ما أن يلتقطوا لأنفسهم الصور مع ربطة للجهاد الإسلامي وفي يوم آخر بقميص كتائب شهداء الأقصى لـ “فتح”، وهكذا أصبح التنظيم أقل أهمية بينما الهوية المحلية تحوز أهمية أكبر”.
وقد انسجم الصحفي تال ليف رام مع “يسخروف في هذا الرأي في مقاله في صحيفة “معاريف” العبرية الذي قال فيه إن “النقطة الضعيفة للمؤسسة الأمنية تكمن في الواقع في المنظمات المحلية، وخاصة في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية من جنين إلى نابلس، من الشباب الذين تتراوح أعمارهم عادة بين 17 و25 عامًا دون أي انتماء تنظيمي معروف”. وتابع إن “الاتجاه المتزايد هو لخروج الشباب الفلسطينيين على خلفية النضال الوطني، واستعدادهم للمخاطرة بحياتهم في المواجهات مع قوات الجيش الإسرائيلي وبإطلاق النار على الطرقات ضد المستوطنين أو الجنود وهذا الأمر لا يعتبر هامشيًا”.
حزب الله: تسليح الضفة بدأ وليس جديداً!
بات التسلّح في الضفة مشهداً يطالعه الاحتلال يومياً في مسيرات مجموعات المقاومة حيث يخرج العشرات من الشباب بكامل لباسهم وعتادهم العسكري معلنين الجهوزية اللحظوية للتصدّي لاقتحامات الاحتلال. وشدّد مسؤول العلاقات الفلسطينية في حزب الله حسن حب الله “نحن ندعم تسليح الضفة والتسليح بدأ وليس جديداً، وقد يكون عبر طرق مختلفة قد يكون عبر دعم الفصائل بشكل عام وهي بدورها تسعى الى إيصال الدعم الى الضفة ولكن طبعاً الأمور معقدة وصعبة والمشكلة ليست فقط من ناحية الاحتلال إنما أيضاً بسبب بعض الأنظمة العربية المطبّعة. وأن دعم محور المقاومة معلن اذ يجاهر أنه سيدعم الشعب الفلسطيني حتى تحرير أرضه”.
في هذا السياق، قال المحلّل العسكري في صحيفة “هآرتس” العبرية عاموس هرئيل أن هناك تغييراً جذرياً يحدث حيث “يوجد الآن عدد أكبر من قطع السلاح…السلاح الاوتوماتيكي منتشر أكثر في الشارع الفلسطيني وهو في متناول كل خلية محلية. هذا نتيجة نشاطات التهريب”.
وقد وصل الحالة في الضفة الى ما وصفه مؤخراً الخبير الإسرائيلي ألون بن دافيد بـ “انتفاضة من نوع جديد…فصور مئات الفلسطينيين وهم يهاجمون بالنار الحية قوات الجيش الإسرائيلي، لم تعد تأتي فقط من جنين أو نابلس، ففي الأسابيع الأخيرة نحن نرى هذه الصور تأتي من كل مدينة وقرية، حتى من القدس، وكل اقتحام ليلي للجيش لتنفيذ اعتقالات تصطدم اليوم بعنف (مقاومة) واسع وقاس”.
وقد أحصت “القناة 11” العبرية ارتفاعاً حاداً فيما وصفه بالعمليات الأمنية في الضفة، اذ إنها ارتفعت من 90 عملية في العام 2021 الى 150 عملية في أقل من عام (قبل انتهاء 2022)، ولفتت الى أن هذه الإحصائية لا تشمل إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة، التي ينظر اليها الاحتلال أيضاً بجدية رغم آليته المصفّحة! هذه الحالة من المقاومة المتصاعدة تجعل من الاقتحامات المستوطنين لبعض الأماكن في الضفة التي كانت تحتاج الى “كتيبتان على الأكثر لتأمينها” الى “ما لا يقل عن أربع كتائب” من جيش لمرافقة المستوطنين.
المقاومة في الضفة: سحب ذرائع “الدولة اليهودية” المزعومة
برز دور الضفة أيضاً خلال معركة “وحدة الساحات”، فقد خرجت كتائب المقاومة للاشتباك عند نقاط التماس مع الاحتلال لتشدّ أواصر استراتيجية تلاحم الجبهات ـ مشكّلة “الخطر الأعلى” مقارنة بغزّة، وفق ما قال المحلل العسكري عاموس هرئيل، في مشهد من النضال الفلسطيني الذي ” لن يختفي في أي مكان في الصراع بين “إسرائيل” والفلسطينيين، والذي لن يحل من خلال القضايا الاقتصادية وحدها” على حدّ تعبير صحيفة “معاريف” العبرية.
إن استمرار العمل المسلّح في الضفة يؤكد أن “الساحة الفلسطينية في المرحلة المقبلة سيكون عنوانها المقاومة، فكيان الاحتلال لن ينسحب شبراً من الضفة ولن يعطي للفلسطيني لقمة خبز دون القوّة، فلا خيار الا المقاومة، وهذا ما التي تقوّض من حركة جيش الاحتلال وتقيّد وجود الاحتلال ومستوطناته في الضفة هي الخطوات الأولى لبداية التحرير”. فـ”الضفة الغربية هي الضربة القاضية لإسرائيل إذا كبرت فيها المقاومة وعلى المدى البعيد تحرّرت فتكون المقاومة قد سحبت الحجة التي قامت على أساسها إسرائيل التي تدعي أنها أرض الدولة اليهودية” التي يحاول الاحتلال عبثاً أن يلقى لها أثراً في حفرياته تحت المسجد الأقصى في القدس المحتلّة.
الكاتب: مروة ناصر