كتبت النهار
أساساً، ومن دون “منّة” من سنوات الانهيار الأخيرة التي ضربت لبنان بأسوأ ما ضُرب به بلد في العالم، تشكل فترة مطالع الخريف همّاً مقيماً على قلوب معظم الناس عندنا لأن البنية الاقتصادية والاجتماعية تفتقر الى ضمانات اجتماعية وتربوية وصحّية كافية لحماية طبقات المجتمع الوسطى والفقيرة. في هذه اللحظة، لحظة الاحتدامات المتفجّرة في بداية الموسم الدراسي كما في الارتفاعات المطّردة في أسعار المحروقات، كما في تداعيات كل الهموم المعيشية، ترانا أمام لحظة “نادرة” الخطورة تحمل مزيجاً متفجّراً بين الكوارث الاجتماعية وكارثة انفجار سياسي سيشكله الفراغ الرئاسي إن حصل. وأمام تزاوج وتزامن وتسابق الخطرين اللذين لا يبدو إطلاقاً أن ثمّة ما يمكن الرهان عليه لتجنّب انفجار تداعياتهما معاً وسواء بسواء، قد يكون مفيداً إنعاش ذاكرة “الجهلة” وذوي الثقافة السطحية الهابطة في هذه الطبقة السياسية القائمة، بأن استسهال الكلام عن الفراغ وتناول سيناريوات الآتي من الكوارث بخفّة مقرفة هو من العلامات المبكرة لتداعيات من نوع آخر للفراغ إذا حصل.
يدفعنا الى إثارة مفارقة جهل الساسة والنواب والوزراء وحتى “عظماء” الرؤساء والزعماء، أن اللبنانيين يبدون أكثر فأكثر متروكين في عراء واقع ينذر بكل الشرور المتصوّرة وغير المتصوّرة فيما تضمحل كل آثار وجود سلطة جادّة بالحدّ الأدنى تقول للرأي العام الداخلي والخارجي بأن في لبنان دولةً بعد. إنه ببساطة الفراغ الاستباقي قبل الفراغ الكامل شكلاً ومضموناً ما دامت الساعات الأربع والعشرون من يوميات لبنان تضجّ بأحداث فردية وجماعية كتلك التي تلاحقت بسرعة مخيفة في الأيام الأخيرة في مناطق مختلفة ولا تجد أيّ “شبح” مسؤول يتولى المتابعة والمعالجة والاحتواء.
هذا الواقع الذي يجتازه لبنان ببعده الحقيقي هو أسوأ من الفراغ لكنه العيّنة الناطقة العارية الحقيقية على أن اللبنانيين ليسوا محكومين إلا بكارتيلات ومافيات تتحكم بحياتهم اليومية فيما كارتيلات السياسيين تقبع في جحور رهانات العقم على الأيام الأخيرة من أسوأ عهد عرفه لبنان في تاريخه. ولكن من قال إن كارتيلات الساسة هي أقل سوءاً من العهد؟ ومن زعم أن الانتظار القاتل سيأتي بالأفضل للبنان ما دام جهابذة الطبقة السياسية العليلة لا يقدّمون في أدائهم وأفعالهم ومواقفهم سوى ما يوفر المزيد والمزيد من الفرص الطاغية لإحلال فراغ في الرئاسة يقوم مقام استحقاق إنقاذي حقيقي بعد هذا الفيض من بركات وإنجازات العهد الآفل؟
للعلم، ولأولئك الساسة الذين “يسمعون” من دورهم وقصورهم ومنازلهم المترفة في الوطن وبلدان الانتشار، عن مجريات الكارثة الاجتماعية المتدحرجة، نخبرهم أنّه في لبنان اليوم يتصاعد الانهيار بأخطر ممّا شهده منذ السنوات الثلاث الأخيرة التي تفجّر فيها، وأنه ماضٍ بوتيرة تصاعدية مخيفة لن يبقى معها خبر اقتحام مواطنين المصارف بقوة السلاح إلا خبراً هامشياً. يخيف أيلول وتشرين دوماً في لبنان. غالباً ما تكون هذه الفترة الأكثر رومانسية في مطالع الخريف حمّالة خفايا وتطوّرات مقلقة على المقلب الذي يشوّهه ساسة لبنان وشياطين التواطؤ عليه خارجياً وداخلياً. وها نحن الآن في منتصف أيلول وفي عز العبور الى نهاية تشرين وما أدراك ما يعني ذلك من تصاعد الكوابيس؟ يصادف أنه قبل أكثر من ثلاثة عقود كانت ثمّة حرب ما بين رمز هذا العهد الآن وكل الذين شاركوا في الطائف وكان ما كان بين أيلول وتشرين!