هيام القصيفي – الأخبار
مرة جديدة يظهر مشهد المعارضة مشرذماً، كما مشهد الموالاة التي لم تتفق إلا على ورقة بيضاء. ما قبل انتهاء المهلة الدستورية المعارضة أمام امتحان الوحدة أو تكريس الشرخ، وأمام الموالاة امتحان الحكومة لا الانتخابات
ما أسفرت عنه مسرحية الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية، أنها أكدت المؤكد بوجود شرخ حقيقي بين السلطة السياسية والحالة الحقيقية للبنانيين الذين يتحملون مسؤولية وصول النواب الذين شاركوا في جلسة الأمس إلى المجلس النيابي.
الجلسة عكست ما كان الجميع يسلم به وهو أن لا انتخاب لرئيس الجمهورية في وقت قريب، وأن الجلسة الأولى ستكون جس نبض لا أكثر ولا أقل. لكن جس النبض حمل معه مؤشرات، ستكون المعارضة مرة أخرى أمام محاولة استيعابها والتعامل معها بواقعية من الآن وحتى نهاية المهلة الدستورية. أما الموالاة فبرهنت أن ما تقدر عليه فعلياً هو التوحد خلف الورقة البيضاء، رغم وجود مرشح حليف لها غير معلن في شكل رسمي، أي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، بعد الفيتو الذي شهره في وجهه مبكراً رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. وهذا ينقل المعركة بعد انتهاء الجلسة من الرئاسة إلى الحكومة مجدداً، ما دام الرئيس نبيه بري ختم الجلسة بالدعوة التي تبدو متعذّرة، إلى التوافق بين الجميع على مرشح واحد.
وإذا كانت الموالاة لم تتمكن من التوافق على مرشح في صفوفها، فإن حال المعارضة أمس بدا ترجمة لتشرذمها وتشتت قواها بعد فوزها في الانتخابات النيابية.
منذ اللقاء الذي جمع حزب الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، تم التداول في عدم اتفاق الطرفين على مقاربة الاستحقاق الرئاسي، ونصائح جنبلاط للحزب والرئيس بري بعدم السير في مرشح تحد من جانب الحزب وفريق 8 آذار، وقيل كلام عن رفض جنبلاط السير بالمرشح فرنجية. في الأسابيع التالية كان جنبلاط يطرح اسم النائب السابق صلاح حنين كمرشح توافقي. لكن العبرة كانت في إمكان التقاء القوى المعارضة على اسم مرشح واحد، بعدما بدأ جنبلاط يمهد الطريق للتوافق مع الكتل المعارضة على اسم واحد.
كانت المفاوضات تسير بخطوات جدية بين القوات اللبنانية والكتائب وحركة «تجدد» وبعض المستقلين، وصارت موسعة مع الاشتراكي ومع القوى التغييرية. وفي الطريق إلى جوجلة الأسماء، سقط منها البعض على الطريق وتمت تزكية البعض الأخر، وتغيرت الأسماء المطروحة. كانت القوى المعنية تتعامل بحذر مع أسماء من خارج التداول، من دون الكشف عن هويتها. وحين بدا اسم المرشح ميشال معوض قيد التداول، اعتبر أنه الورقة المخفية التي كانت تتعامل معها القوى الحزبية، في ضوء رفض القوى التغييرية تبني ترشيحه لاعتبارات تراها الأحزاب المعارضة غير منطقية قياساً إلى تبنيهم شخصيات أخرى تصب في الإطار السياسي نفسه. وافق الاشتراكي والقوات والكتائب وبعض المستقلين على تغليب اسم معوض على اعتبار أن حظوظ التوافق عليه بين المعارضين أقوى من التوافق على اسم آخر من اللائحة المطروحة. كما أن خوض المعارضة المعركة باسمه على أساس أنه مرشح القوى السيادية وابن رئيس اتفاق الطائف رينيه معوض الذي اغتيل بسببه، يعطي للمعركة جدية سياسية ومنحى سياسياً أكثر وضوحاً.
كان يفترض أن تتوسع دائرة المشاورات بعد لقاء دار الفتوى، ليشمل النواب السنة وتوسيع دائرة البحث مع التغييريين. لكن دعوة الرئيس نبيه بري «فاجأت» هذه القوى، مع أن المعارضة كان يفترض أن تكون متنبهة لرئيس المجلس المحنك الذي استخدم صلاحياته والنص الدستوري وطبّقه. وكان يفترض بها أن تعلم مسبقاً أنه سيستخدم حقه في الدعوة في اللحظة التي يراها مناسبة، في أي توقيت دولي أو محلي ملائم، فتكون مستعدة لذلك، بدل أن تترك مفاوضاتها حتى اللحظة الأخيرة.
يضاف إلى ذلك أن هذه القوى كان يفترض أن تكون قد اتعظت من استحقاق انتخابات رئاسة المجلس النيابي ونائب الرئيس وانتخابات اللجان، بضرورة حسم الخيارات مبكراً ووضع خريطة طريق واضحة لخوض الاستحقاق الرئاسي.
ما حصل هو أنه تحت ضغط الوقت والمفاوضات السريعة، حاولت القوى الحزبية وبعض المستقلين وضع خطة تحرك سريعة. لكن القوى التغييرية تحولت مجدداً لب المشكلة مع المعارضة، ولعبت لعبة خطرة في الحسابات الانتخابية، ما من شأنه أن يرتدّ على أي استحقاق مهما علا أو صغر شأنه. من الخطورة بمكان أن يتم التعاطي بأسماء مرشحين للرئاسة من دون جدية، وحتى الكلام عن أن مرشح قوى التغيير ليس مرشحها النهائي، يعبر عن خفة سياسية. وهنا ظُلم كثيراً رجل الأعمال سليم إده في وضع اسمه في مهب بعض النواب الطارئين على الحياة السياسية، خصوصاً أن حملة جرت للتصويب عليه وتجهيل عمله وهو المبتعد كلياً عن السياسة، وسبق أن أبلغ النواب التغييريين أنفسهم وأكثر من طرف سياسي أنه غير معني بالانتخابات ورفض وضع ترشيحه على الطاولة رغم محاولات سياسية عدة جرت معه من أكثر من طرف. لكن بعض نواب التغيير أرادوا شد العصب الداخلي أولاً ضد التقدمي الاشتراكي والقوات والكتائب، والعمل على أن تتصرف الكتلة على أنها بيضة القبان في المعركة، لأن جميع المعارضين يحتاجون إليها وهي لا تحتاج إلى أحد. ورغم الخلافات في الرأي بين أفرادها حول الأسماء المقترحة، آثر البعض كالعادة، عدم الانقسام في الرأي رغم أن هناك نوابا من بين التغييريين كانوا أكثر انحيازاً إلى تبني اسم معوض.
في المحصلة بدا اسم معوض أكثر جدية لدى المعارضة، لكن اسم صلاح حنين لا يزال قيد التداول لدى التغييريين الذين يفتشون عن أسماء جديدة لخوض السباق الانتخابي. أما الخطوات التالية، فهي استكمال المشاورات مع النواب السنة والمستقلين من أجل الاتفاق على اسم واحد. علماً أن لا رهان كبيراً على قدرة القوى الحزبية على إقناع التغييريين ككتلة بالسير بمعوض، أو الاتفاق معها على اسم آخر. رغم أنها تصر حتى الآن على أنها لم تخض اسم معوض للحرق على طريق الرئاسة. لكن هذا ما ستبرهنه الأيام المقبلة وسير المفاوضات بين كافة الكتل المعارضة. فيما الموالاة لا تفتش عن رئيس بل عن حكومة لملء الفراغ الرئاسي.