كيف يجب ان تتمّ عملية الإنعاش القلبي-الرئوي بعد “السكتة القلبية”؟
بعد ان نشرنا في الجزء الأول من هذا الملف الإجراءات الهامة التي يجب إعتمادها في حال تعرُّضنا لأزمة او لنوبة قلبية حادّة، وشرحنا التعريف العلمي الدقيق لهكذا ازمة، وشرحنا أعراضها وفصّلنا بشكلٍ واسع الاجراءات التي يجب ان يتّبعها المريض ومحيطه في حال تعرّضه لأزمه من هذا النوع، وبعد ان عرضنا في الجزء الثاني تعريف “السكتة القلبية” او “توقّف القلب المفاجئ”، اهم اسبابها والعوامل المساعدة لحصولها وكيفية التعرّف عليها، سوف نشرح اليوم مخاطر هذه الحالة والخطوات العملية التي يجب تطبيقها لعلاجها بفعالية إذا ما واجه اي فرد من المجتمع هذا الموقف عند احد افراد عائلته، او احد زملائه في العمل، او عند احد المارّة في الشارع، او في احد مراكز التسوّق او في احد الأماكن العامّة الأخرى. وننهي الحديث بكيفية متابعة المريض ومراقبته بعد تعرّضه لهكذا عارض وما يجب ان نفعله لتفادي تكراره. ونُشير هنا الى اهمية نشر هذه الثقافة وتوعية المجتمع حول هذا الموضوع، وذلك بسبب سهولة تعلّم وتطبيق هكذا خطوات مُنقذة للحياة، والتي قد تُنقذ حياة العشرات من الأشخاص من حولنا والذين قد يكونوا شباباً في مُقتبل العمر احياناً، خاصةً واننا نسمع كل يوم عن عزيزٍ هنا، وآخر هناك فقدناه بسبب ازمة قلبية حادّة مع توقّف مفاجئ للقلب عنده امامنا،دون ان يكون بمقدورنا مساعدته بأدنى الأمور التي قد تأخذ خمس الى عشر دقائق لتعلّمها وإتقانها.
١-مخاطر السكتة القلبية:
إن الخطر الأساسي للسكتة القلبية هو “الموت السريع للضحيه لأن إمداد القلب والدماغ بالأوكسجين ضروري لضمان البقاء على قيد الحياة. فأثناء السكتة القلبية، يحدُث تلف في الدماغ ناتج عن نقص الأوكسجين يبدأ منذ الدقيقة الأولى للأزمة . ولذلك فإنّنا امام سباق شديد مع الوقت من اجل تأمين اقصر فترة من الوقت نحصل خلالها على عودة فعّالة لعملية ضخّ طبيعي للدمّ بواسطة القلب الذي توقّف.
وقد اظهرت الدراسات ان تطبيق عملية الإنعاش القلبي-الرئوي تزيد من حظوظ او فرص النجاة عند المريض الذي تعرّض لسكتة قلبية بنسبة 10٪.
ومن هنا يجب على كل شخص قادر على تعلّم هذه التقنية السعي لإكتساب الخبرة فيها ولحضور دورات تدريبية لمعرفة اصول تطبيق هذه الإجراءات البسيطة التي قد تُنقذ حياة الكثير من الأهل والأصدقاء والمواطنين الذين يعيشون في محيطنا ويجب تشجيع كل شاب وشابة على تعلّم ذلك وحث كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة للقيام بدورها في تعميم هذه الثقافة و “عرض برامج تثقيفية وتوعوية” حول هذا الموضوع لكي نصل الى مستوى مُتقدّم في تأهيل اوسع شريحة مُجتمعية على إتقان ذلك، كما هو الحال في معظم الدول المُتقدّمة حيث يلزمون احياناً العاملين في إدارات او مؤسسات معينة عامة وخاصة، او في بعض المصانع والأماكن العامة على تعلّم هذه الإجراءات وعلى تعلّم طريقة إستعمال “جهاز تنظيم ضربات القلب الخارجي” او “الصادم الكهربائي الخارجي” او “مُزيل الرجفان
البطيني” كما يسمّيه البعض (Automated External
(Defibrillator: AED. وهو جهاز متوفّر في الدول المتقدّمة والغنيّة في معظم هذه المؤسسات، وفي بعض الأماكن العامة بسبب اهمية إستعماله هذا في مُحاولة إستعادة نبضات قلبية فعّالة في حال الإصابة بحالة “رجفان بطيني” تتسبّب بالسكتة القلبية.
٢-طريقة أداء “إنعاش” او “تدليك القلب”:
اولاً تجدر الإشارة الى ان القيام بتدليك القلب الجيد هو القيام بالأشياء الصحيحة التالية بالترتيب:
أ- أولاً، إركع بجانب الضحية.
ب-اكشف جيداً صدر المريض وابعد عنه كل ما يُمكن ان يُعيق عملية الإنعاش، ومزّق الملابس التي ترتديها الضحية والتي قد تمنع فعالية الإنعاش إذا لزم الأمر.
ج-ضع يديك، واحدة فوق الأخرى، في منتصف صدر الضحية.
د-يجب أن تكون ذراعيك مُستقيمة وكتفيك فوق صدر الضحية.
ه-قم بضغط عظمة القصّ عمودياً عن طريق دفعه للأسفل من 5 إلى 6 سنتم. و-اضغط بجسمك بالكامل على صدر المريض، وليس فقط ذراعيك ويديك.
ز-بعد كل ضغطة، إسمح لصدر الضحية بالعودة إلى وضعه الأصلي. هذا يسمح للدم بالرجوع إلى القلب ويسمح بإمتلائه لكي يتمكّن من ضخّ كمية الدم التي امتلأ بها. ويجب أن يكون الضغط والإفراج عن القلب او الإسترخاء بنفس المدة.
ح-قُم بإجراء ما بين 100 و 120 ضغطة في الدقيقة (حوالي ضغطتين في الثانية) حتى وصول المساعدة أو وصول مُزيل الرجفان الآلي.
وهنا لا بُدّ من الإشارة الى انه لا داعي للذعر، فقد يمكن أن تساعدك خدمة الطوارئ التي يتمّ الإتصال بها في إجراء الإنعاش القلبي-الرئوي، وإعطائك التعليمات الدقيقة والصحيحة عبر الهاتف، ولذلك لا تتردّد بالإتصال بأقرب مركز للصليب الأحمر او الدفاع المدني لطلب المساعدة وتطبيق توصيات اطقمهم المُدرّبة والمُؤهّلة لذلك.
ونشير ايضاً الى ان أداء تدليك القلب يعتبر الى حدٍّ ما عمل رياضي مُتعب وشاق احياناً، خاصةً اذا ما طالت فترة الإنعاش! ولذلك، فإذا كان معك شخص آخر (او اشخاص آخرين) قريبين من الضحية، تناوب معه (او معهم) على إجراء هذا العمل كل دقيقتين.
لذلك لا تتردّد ابداً في طلب مساعدتهم خاصةً اذا كان لديهم المعرفة والقدرة على القيام بهكذا عمل.
٣- الإنعاش الرئوي بواسطة تقنية “من الفم إلى الفم”:
يجب التذكير اولاً انه عليك القيام بهذا الإجراء فقط اذا كنت مُدّرباً على هكذا عملية!
وهي تقنية مُحدّدة للغاية، ولا يجب ان تُغامر في هذا المجال إذا لم تكن قد تلقيت تدريباً خاصاً على إجراء هكذا عمل! فمن المُمكن أن تُعرّض فرص الضحية في البقاء على قيد الحياة للخطر. ولذلك واذا لم تكن مُلمّاً بهذا الإجراء، استمرّ في الضغط على الصدر حتى وصول المساعدة او وصول جهاز مزيل الرجفان الخارجي الآلي.
من ناحية أخرى ، إذا كنت بارعاً في التعامل مع “تقنية من الفم إلى الفم”، فستحتاج إلى إعطاء الضحية نفسين لكل 30 ضغطاً على الصدر.
وللقيام بذلك:
أ-قُم بإمالة رأس الضحية للخلف مرة أخرى؛ ثم ارفع ذقنه.
ب-ضع يدك على جبهته والتقط
أنفه واضغط عليه لإغلاقه.
ج-قُم بتغطية فم الضحية بالكامل بفمك؛
د-إنفخ الهواء في فمه مع التأكّد من ارتفاع صدره لكي تتتأكّد انك تُوصل الهواء الى داخل الرئتين وتملائها بالهواء. ثم تبدأ مرة ثانية بمُعدّل نفختين لكل 30 ضغطة على الصدر كما ذكرنا.
وإذا تعذّر إجراء التنفّس بسبب شعورك بالإشمئزاز لعدم تعوّدك على هكذا مواقف أو بسبب حصول حالة القيء او وجود إفرازات غير طبيعية او نزيف من فم الضحية، فأستمرّ في الإنعاش القلبي-الرئوي حتى وصول النجدة.
٤-إستعمال “الصادم الكهربائي الخارجي” او “مُزيل الرجفان البطيني” (Automated External
(Defibrillator: AE :
يجب إستعمل مُزيل الرجفان الخارجي الآلي في أقرب وقت مُمكن. لذا إذا لم تصل المساعدة بعد، ولكن أحضر شخص ما هذا الجهاز ، فأستخدمه بسرعة اذا كان لديك ادنى معرفة بكيفية إستعمال هكذا اجهزة!
فقد تستعيد الصدمات التي تصدر عن مزيل الرجفان البطيني القلبي نبض القلب العادي المُنتظم وتُنقذ حياة المريض. وهو بشكلٍ عام جهاز سهل الإستخدام، و سيرشدك الجهاز صوتياً خطوة بخطوة الى ما يجب عليك فعله.
ولذلك ننصح ايضاً كل افراد المجتمع بمشاهدة اي فيديو او بقراءة اية مقالة حول طريقة استخدام مُزيل الرجفان البطيني (AED). وهناك الكثير من البرامج التعليمية للتعرّف على كيفية إستخدام هذا الجهاز وهي مفيدة جداً لكل مواطن لأنها قد تُنقذ حياة العشرات من المواطنين لمجرّد تعلّم بعض الإجراءات البسيطة والمُفيدة جداً، والتي قد تبدو مُعقدّة للوهلة الأولى.
٥-العلاج والمراقبة والمُتابعة بعد عملية الإنقاذ:
بعد ان تكون حالة المريض قد إستقرّت نسبياً، وبعد وضع المريض تحت جهاز مراقبة نظم القلب الكهربائي
(Monitoring) ووضع كل الأدوية اللازمة لإستمرار الحصول على نبض قلبي وضغط شرياني مقبول نسبياً، وبعد وضع المريض منذ البداية على جهاز التنفّس الإصطناعي او الميكانيكي، في الشارع او في المكان الذي تعرّض فيه للسكتة القلبية، بهدف مساعدة ومساندة عمل الرئتين، عادة ما يتمّ إدخال مرضى السكتة القلبية المفاجئة الذين تمّ إنعاشهم بنجاح، مُباشرةً إلى “مُختبر القسطرة القلبية” بعد وصولهم الى المستشفى إذا كان هذا المُختبر متوفر في ذلك المستشفى، وذلك لتحديد ما إذا كان يوجد عندهم إنسداد ما في الشرايين التاجية للقلب. وقد ذكرنا أن اعراض مرض تصلّب الشرايين وخاصة الذبحة القلبية الحادّة والخناق الصدري غير المُستقر هي احد اهم مُسبّبات حصول حالة عدم إنتظام في ضربات القلب والوصول الى حالة الرجفان البطيني. لذلك فإنه يجب علينا مُحاولة فتح الشريان المسؤول عن الأزمة القلبية بشكلٍ سريع عبر القسطرة القلبية لتحديد مكان الإنسداد على الشرايين، وتالياً عبر توسيع هذا الشرايين بواسطة تقنيات البالون والروسور التي سنشرح كيفية إجرائها لاحقاً. وفي العديد من المستشفيات والمراكز المُتخصصة في علاج امراض القلب والشرايين يتمّ إجراء قسطرة او تمييل لشرايين القلب لكل مريض تعرّض لهكذا ازمة بهدف البحث عن إنسدادات في الشرايين التاجية للقلب، لأنه وكما اشرنا سابقاً تبقى امراض شرايين القلب السبب الأول والأكثر رواجاً لحدوث السكتة القلب، حتى لو لم يشكُ المريض قبل العارض (السكتة القلبية) من اي الم في الصدر او من اية اعراض اخرى قد تكون ناتجة عن مرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب، وهذا بروتوكول معروف يُعمل به في معظم المستشفيات ومراكز علاج القلب، خاصة اذا كان الضحية شاب او لديه سوابق مرضية من هذا النوع او عوامل خطورة للإصابة بمرض تصلّب الشرايين مثل التدخين وإرتفاع الضغط الشرياني ومرض السكري وارتفاع الدهنيات في الدم وغيرها من عوامل الخطورة المعروفة.
وينطبق هذا البروتوكول ايضاً على معظم المرضى البالغين او حتى المتقدّمين في السنّ نسبياً اذا كانت حالتهم الصحية العامة مقبولة، واذا كنا نعرف انهم لم يدخلوا في غيبوبة عميقة بسبب توقّف مُطوّل في عمل القلب، او ان ليس لديهم امراض مُصاحبة خطيرة قد تُعقّد حالتهم وتزيد من المضاعفات عندهم، او إذا لدينا ادنى الرجاء والأمل بإمكانية فُرص إنقاذهم.
اما إذا إستأنف القلب نشاطه الكهربائي الطبيعي واصبح ينبض بشكلٍ صحيح، لكن المريض اذا بقي قليل الإستجابة أو لا يستجيب كلياً عند التكلّم معه او عند محاولة إيقاظه، اي اننا على يقين بوجود “تلف دماغي مُتوسط الأهمية او مُتقدّم”، فإننا من المُمكن ان نقوم بإجراء علاج يسمى “انخفاض حرارة الجسم العلاجي”. وهو مُصطلح يعني وضع درجة حرارة الجسم على حرارة أقل من المُعتاد. ويقوم هذا العلاج إذاً على مبدأ خفض مُتعمّد ولكن مُؤقّت لدرجة حرارة الجسم يهدف إلى التخفيف من إصابة أو تلف أعضاء الجسم الحيوية، وخاصة خلايا القلب والدماغ.
ويحمي هذا العلاج الدماغ والأعضاء الحيوية الأخرى عن طريق تقليل متطلّبات الأوكسجين في الخلايا الموجودة فيها. كما أنه يُقلّل من التورّم او الإحتقان بالسوائل والأملاح في الدماغ، ويحدّ من إفرازات السموم التي تُسبّب موت خلايا المخ. وقد ثبت أن خفض حرارة الجسم يُحسّن النتائج العصبية (الدماغية)، ويزيد من حظوظ البقاء على قيد الحياة بعد السكتة القلبية.
اما فيما يتعلّق بفترة المتابعة والمعافاة فيما بعد، فطوال فترة التعافي، يمكن إجراء إختبارات متعدّدة أخرى لمعرفة الأسباب التي جعلت المريض يعاني من عدم إنتظام ضربات القلب الذي يُهدّد حياته ومن ضمنها فحوصات دم متنوعة بما فيه البحث عن مواد مُخدّرة او سامّة للقلب في الدم او البول، التصوير الصوتي للقلب، تصوير القلب بواسطة تقنيات التصوير الطبقي المحوري او بواسطة تقنيات الرنين المغناطيسي وغيرها…وذلك بهدف البحث عن كافة انواع الأمراض القلبية
(مشاكل في الشرايين التاجية للقلب، عضلة القلب، إضطرابات نُظم كهرباء القلب، التشوّهات الخلقية وغيرها…) والتي فصّلنا في الجزء السابق من هذا الملف انها قد تتسبّب بسكتة قلبية او بحالة رجفان بطيني كما ذكرنا.
وتعتمد العلاجات المُناسبة للسكتة القلبية على علاج السبب الأوّلي او الثانوي الذي ادّى الى حصولها. ويجب ان يتمّ تكييفها وفقاً للحالة المرضية المُصاحبة وللوضع العام للمريض ولحالة عضلة القلب وللإحتياجات الخاصة بكل مريض على حدة.
ونظراً لوجود العديد من عوامل الخطر للسكتة القلبية المفاجئة أو الموت القلبي المفاجئ، فمن المُهمّ جداً التحدّث مع المريض حول ما يمكن للمريض وللطبيب فعله لتقليل خطر تكرارها وإعتماد كل الوسائل العلاجية الدوائية والتدخّلية والجراحية لمنع معاودة حصول هذه الحالة، بما في ذلك اللجوء الى “زرع صادم كهربائي داخلي (Implantable Cardioverter-Defibrillator: ICD), يكون الهدف الأساسي لزرعه إجراء صدمة كهربائية في داخل البطين الأيمن في حال مُعاودة حصول حالة “رجفان بطيني” لمنع تكرار حصول حالة السكتة القلبية.
اخيراً وكما ذكرنا سابقاً فإن بعض امراض عضلة القلب او بعض امراض إضطرابات كهرباء القلب لها “طابع وراثي” ولذلك يجب إجراء مسح تفصيلي شامل عند كل افراد العائلة (الأهل والأولاد خاصةً) وعند المقرّبين من الدرجة الأولى من المريض بهدف البحث عندهم عن هذه الأمراض والإضطربات وعلاجها واخذ كل الإحتياطات لتفادي ومنع حصول حالات مُماثلة عند اقارب وابناء الضحية.
في الجزء القادم من هذا الملف سوف نغوص اكثر في تفاصيل هذا الملف بحيث سنتكلّم تفصيلياً عن حالات “الموت المفاجئ لأسباب قلبية”، اعراضه، اسبابه، طرق تشخيصه، علاجه والوقاية منه.
د طلال حمود- طبيب قلب وشرايين. مُتخصّص في الطبّ التدخّلي للقلب وفي امراض القلب عند المُصابين بمرض السكري وعند الرياضيين.
مُنسّق مُلتقى حوار وعطاء بلا حدود