بعمليةٍ نظيفةٍ دون أيّ آثار جانبية، نفّذت صنعاء تهديدها. لا نيران التهمت المنشآت النفطية. ولا عطبٌ أصاب إحدى السفن أو حدث قوّض أمن واستقرار الملاحة البحرية الدولية. اذ أُوكلت مهمة “الحفاظ على ثروات اليمن من النهب”، إلى مسيّرتين، قامتا بعملية “تحذيرية بسيطة”، جرّدت خلالها الطرفَ الآخر، من سلاح التوظيف الإعلامي، وحرّكت “حجر الوزير” على طاولة المفاوضات، بالشكل الذي يفرض شروط صنعاء، ويجعل من أي خطوة سعودية- أميركية غير محسوبة، خرقاً لقواعد الاشتباك وتصعيداً بتوقيت شديد الحساسية لمختلف دول التحالف.
في 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، وخلال كلمة له بمناسبة انتصار ثورة 21 سبتمبر، حذّر قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، “تحالف العدوان من مواصلة نهب الثروة الوطنية وأي شركة أجنبية تتواطأ معه في ذلك”. وبناء على هذا التحذير، عمدت اللجنة الاقتصادية العليا بإرسال ايعازات قانونية خاطبت فيها مختلف الشركات بضرورة وقف عمليات النهب تلك. وبالفعل رصد عدد من السفن قد ابتعد عن قبالة السواحل اليمنية. الا ان الامر كان مختلفاً بالنسبة للسفينة “NISSOS”، التي دخلت -بعد استقرارها قرابة السواحل لمدة أسبوع- إلى ميناء الضبة في مديرية الشحر، شرقي عاصمة حضرموت -المكلا-، بناء على ضمانات وتطمينات وصلتها أكدت لها تأمين الحماية اللازمة.
وبحسب اللجنة الاقتصادية العليا، فقد كان مقرراً للسفينة (التي تحمل علم جزر مارشال وانطلقت من أحد موانئ كوريا الجنوبية)، أن تنهب ما يقارب مليوني برميل من النفط الخام، بقيمة تقديرية تصل إلى 186 مليون دولار. وعلى الرغم من ان الجهات المعنية واصلت مراسلة الناقلة، (نيسوس كيا- NESSOS KEA)، والشركات ذات العلاقة، ووجهت لها ثلاث رسائل متوالية، في أيام 18 و20 و21 من شهر تشرين الأول /أكتوبر الجاري، تجاهلت الناقلة تلك الرسائل، وبدا أنها ربما فهمت قرار استثناء السفينة (هانا- HANA)، التي نقلت شحنة نفط لمحطة كهرباء عدن، بطريقة خاطئة. وذكرت المعلومات الواردة، ان الطائرتان استهدفتا المنطقة التي تفصل بين الناقلة والميناء، بالضربة الأولى، فيما استهدفت الضربة الثانية رصيف الميناء.
تحمل هذه العملية، جملة من الدلالات والرسائل، ما يكفي لتضج القنوات الدبلوماسية من جديد، لتحريك الملفات العالقة، ويمكن اختصارها بالتالي:
-العملية كانت “تحذيرية بسيطة” حسب ما وصفها المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، ويعني ذلك ان عمليات “الاستهداف” الفعلية -اذا استمرت عمليات النهب- لن تكون كذلك، وقد لا تقتصر على الداخل اليمني، بل ستصل إلى الموانئ السعودية والاماراتية.
-جاءت العملية موضعية، ما يشي بقدرة صنعاء على التحكم بمحددات الضربة التي تريد. واذا كانت حجم الرسالة اليوم، يتطلب ارسال مسيّرتين، قد لا تفي هاتين الطائرتين بالغرض لاحقاً، والرسالة التحذيرية تختلف بطبيعة الحال عن القرار الفعلي بالاستهداف.
-دقّة التنفيذ، حيث أكد العميد سريع، حرصهم على الحفاظ “على سلامة وأمن البنية التحتية لليمن وكذا أمن السفينة وطاقمها”. وهذا ما جرّد الأطراف التي تتربص اللحظة المناسبة لتوظيف أي حدث ضد صنعاء، وفق أجندة سعودية- غربية معدة سلفاً، الفرصة لاستغلال الحدث وتجييره لمصالحها بتأليب الرأي العام اليمني والدولي على حكومة صنعاء.
-بعد هذه العملية لن تستطيع الأطراف التابعة للتحالف، إعطاء ضمانات لأي من الشركات الأجنبية العاملة في اليمن. وحتى لو أنها تسيطر على هذه المنشآت ميدانياً، فهي لن تكون قادرة على تأمين الحماية اللازمة لها على امتداد الجغرافية اليمنية براً وبحراً وجواً.
-مع عدم استطاعة الناقلات الأجنبية سحب النفط الموجود في الخزانات الممتلئة لتوريده إلى الخارج، فلن يكون هناك متسع لضخ مزيد من النفط، وبالتالي ستكون عمليات الإنتاج معلّقة حتى اشعار آخر.
-ثبّتت العملية قاعدة تقول، بأن أي سفينة تخالف التحذيرات العسكرية سيتم التعامل معها كهدف عسكري.
كما تجدر الإشارة إلى ان الموانئ اليمنية بمعظمها، تقع تحت سيطرة الامارات، ولطالما اندرج تورطها في الحرب، تحت بند الاستغلال الأقصى لكل الفرص المتاحة لأجل جني العديد من المكاسب. في حين، يأتي تعليق العمل بالموانئ اليمنية لصالح الموانئ الإماراتية بطبيعة الحال، مما ينعش الحركة التجارية منها وإليها. واذا ما جُرّدت أبو ظبي من هذا المكسب، لن يعد وجودها في البلاد ضرورياً بالنسبة اليها. وهذا ما يفتح الباب امام احتمالين، اما انسحاب الامارات القريب من اليمن، اما دخولها مجدداً ضمن دائرة الاستهداف. فيما تبقي السعودية على نفسها بموقع من يريد وقف الحرب بأقل الخسائر التي تحفظ ماء وجهها. وبالتالي، فإن الاستجابة لمطالب صنعاء بدفع كاملة المرتبات وفق كشوفات عام 2014، سيكون فاتحة لمرحلة جديدة، تدرك فيها الولايات المتحدة ان الأولى ذات قرار سيادي وفاعل على الأرض، والتعامل معها اصبح موجباً.
الكاتب: مريم السبلاني