شغل التقلّب السريع لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية أوساط التحليل اللبنانية لقراءة المستجدات المالية وأبعادها وانعكاساتها ليس فقط من المنظورين الاقتصادي والاجتماعي بل من المنظور السياسي الحسّاس خاصة عشية انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، واحتمال شغور قصر بعبدا لفترة لا يمكن التنبؤ بمدتها في ظل عدم التوافق بين الأحزاب والكتل النيابية، وهذا ما أثبتته جلسات البرلمان الثلاث الأخيرة التي حضرت فيها الورقة البيضاء أو لم يكتمل فيها النصاب (حضور 86 نائباً).
وصل سعر صرف الدولار الى رقم قياسي لم يبلغه منذ بداية الأزمة المالية في الأشهر الأخيرة من العام 2019، اذ تجاوز سعر الدولار الواحد الـ 40 ألف ليرة لبنانية، ليهبط خلال 24 ساعة الى حوالي 34 ألف ليرة، أي بنسبة انخفاض بلغت حوالي 6 آلاف ليرة!
سبق هذا الانخفاض إصدار حاكم مصرف لبنان لبيان، على غرار العديد من البيانات والتعاميم السابقة التي تؤكد وجود تلاعب ممنهج عبر منصات خاصة بالسعر الصرف تحكمه المستجدات السياسية والتدخلات الخارجية. وأعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في هذا البيان أنه “بناء على المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف سيقوم مصرف لبنان ومن خلال منصة صيرفة ببيع الدولار الأميركي حصراً ابتداء من يوم الثلاثاء القادم، علماً انه لن يكون شارياً للدولار عبر المنصة من حينه وإلى إشعار آخر”.
ينعكس هذا القرار المصرفي ضخاً للدولار في الأسواق اللبنانية ما سيؤدي الى انخفاض مؤقت لسعر الصرف، اذ سبق البيان أيضاً عمليات شراء المصرف المركزي للدولارات من السوق وهو ما فسّر ارتفاعه حسب ما أوضحت أوساط اقتصادية لبنانية. وهي حلقة يدور بها البلد بين ضخ المصرف المركزي للدولار وإعادة سحبه في وقت لاحق، وستبلغ إحدى ذرواتها نهاية الشهر الحالي.
كشفت مصادر موقع “الخنادق” عن “لعبة يديرها سلامة في فترة انتهاء ولاية الرئيس عون، اذ إنه يحتفظ بمبلغ يصل الى 700 مليون دولار لن يضخه في السوق المالية اللبنانية الا بعد خروج عون من قصر بعبدا، وهذا سيساهم في انخفاض ملحوظ لسعر صرف الدولار، وأيضاً يؤمن ثمن الفيول لاعادة الكهرباء بمعدل 6 ساعات يومياً”، وذلك في إطار الحملات الممنهجة التي عملت طيلة الأربع سنوات الماضية على محاصرة “العهد” وإفشاله وقطع الطريق أمام مبادرات لتحسين الظروف في البلد بسبب ما هو معروف من تحالفات الرئيس عون السياسية والتي بقي وفياً لها رغم الضغوطات الداخلية والخارجية. ولإيصال الرسالة الواضحة، من ناحية ثانية، تحمّل “العهد” أسباب الأزمة وتفيد بأن خلاص الشعب اللبناني يكون في رئيس من خارج دائرة حزب الله وتحالفاته.
يترك هذا التلاعب والإدارة الواضحة للأزمات في الغرف السوداء تساؤلات عن مسؤولية حاكم المصرف وداعميه في وضع الأمن المالي وثمّ الاجتماعي واستقرار البلد رهينة التجاذبات و”النكايات” السياسية التي تحكمها أجندات السفارات الخارجية.
الكاتب: غرفة التحرير