كتبت النهار
إن لم يحصل ما يعكّر خروج رئيس الجمهورية ميشال عون من قصر بعبدا بنهاية ولايته الرئاسية، فإن نعمة التخلص منه قد لا تخفّف من مساوئ الشغور الرئاسي الذي يلوح في الأفق. جميع القوى السياسية المعنية بالاستحقاق الرئاسي تتصرّف على قاعدة أن الشغور حاصل لا محالة. الشعب لم يعد يصدّق كذبة الجلسات الانتخابية التي يدعو إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الى حدّ لم يعد فيه أحد يتابع وقائعها بعدما فهم الجميع أنها مسرحية سمجة في وقت يجري فيه العمل على تنظيم مرحلة الشغور الرئاسي وفق سيناريوهين اثنين، الأول أن يحصل خرق مفاجئ في المداولات بشأن تشكيل حكومة جديدة قبل أن يغادر عون، والثانية ألا يتغير الموقف فتذهب البلاد تبعاً لما هو ظاهر نحو مرحلة من الشغور الرئاسي والعطب الحكومي لكون حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي غير قادرة على أن تباشر أعمال السلطة التنفيذية بشكل طبيعي. صحيح أنها من الناحية الدستورية صاحبة اختصاص يخوّلها أن تنتقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية، لكنها تبقى حكومة ضعيفة لكونها مستقيلة، والأهم لأنها منبثقة من توازنات مجلس النواب السابق، فيما للبنان مجلس نواب جديد منذ شهر أيار الماضي.
إذن هنالك عطب حقيقي ولا يمكن تجاهل الموضوع حتى لو كان اهتمام معظم اللبنانيين الراهن متوجّهاً نحو خروج الرئيس عون من القصر الرئاسي. لماذا؟ لأن عون قد اعتاد أن يدخل في أزمة وأن يخرج بأسوأ منها. فهو يترك بعد ستة أعوام بلداً يسكنه الخراب، القنوط، واليأس. لكن برحيل هذا الرجل لن تُحلّ مشاكل لبنان. فالكارثة التي حلت بالبلاد أكبر من أن تُختصر برحيل ركن رئيسي من أركانها. ولعل أحد عناصر الشغور الرئاسي يتسبّب به بشكل واضح الرئيس عون بسبب هوسه الدائم بإبقاء وتجميع المكاسب الشخصية في كل الميادين، ولا سيما هاجسه بتوريث صهره وإيصاله الى سدّة الرئاسة فوق الركام اللبناني. هو لا يخرج ليرتاح و يريح بل يخرج و في ذهنه المهجوس بالموقع متابعة الحرب التي خاضها من خلف جدران قصر بعبدا، لكن هذه المرة من خارج جدرانه.
إن الخشية تبقى كبيرة من أن يطول أمد الشغور الرئاسي. فالحكومة الحالية تستطيع تسيير جزء من الأعمال المنوطة بالحكومات ورئاسة الجمهورية. فلا هي ولا رئيسها يمكنهما الحلول مكان رئيس أصيل وحكومة مكتملة الأوصاف منبثقة من مجلس النواب الحالي.
إن كان لا بد من العمل الجدي للحؤول دون أن يطول أمد الشغور القاتل فالدولة مهدّدة بمؤسساتها والوضع الاقتصادي والمالي كارثي الى أبعد الحدود، وطاقة المواطن على التحمّل تلاشت الى حدّ بعيد. من هنا فإن الرهان على شغور رئاسي مديد ومن خلاله ضعف حكومي حقيقي ليس حلاً بل هو وصفة لمزيد من الانهيار والتحلل على كل المستويات.
إن مجلس النواب، ولا أقول رئيسه الذي يبقى في نهاية المطاف جزءاً من ماكينة “حزب الله” العاملة بلا هوادة لتجفيف المؤسسات والنظام عموماً، قادر بغالبية أعضائه الذين لا يلتقون مع “حزب الله” على أن يفرض مناخاً مؤاتياً لانتخاب رئيس من طينة مختلفة عن الرئيس المنتهية ولايته. وهذا وحده أمر في غاية الإيجابية.