يزعم المعسكر الغربي إضافة لكيان الاحتلال، دخول الطائرات المسيّرة الإيرانية إلى ميدان الحرب في أوكرانيا. وبينما انشغلت الآلة الاعلامية لهؤلاء في التصويب على إيران، واثارة الضجيج حول تأثير ذلك على مصير الاتفاق النووي، كانت القيادات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية قلقة من شيء آخر: المسيرات الايرانية وجهاً لوجه مع منظومات الدفاع الجوي لحلف الناتو للمرة الأولى.
هذه العبارة، كانت أثقل من ان تمر مرور الكرام على أذن القيادات الغربية العسكرية، خاصة الاسرائيلية منها، لما تحمل من أسئلة، تتطلب الاجابة عنها كثيراً من الوقت والمعلومات والقلق. لما تعنيه من تغيّر وتحوّل صريح ومباشر في اي حرب قادمة مع إيران، او احدى دول محور المقاومة، التي كشفت التجربة أنها باتت تستحوذ على تقنيات مشابهة. فماذا يعني ذلك؟
على الرغم من النفي الايراني المستمر، الذي شدد عليه غير مرة وزير الخارجية الايرانية، حسين أمير عبداللهيان، رافضاً اقحام بلاده في سجالات غير مبنية على معلومات دقيقة، ومؤكداً على ان طهران ترفض الدخول مع طرف ضد آخر، تستمر الادعاءات بأن روسيا قد تسلّمت من إيران حوالي 2000طائرة مسيرة خلال شهر آب/ اغسطس الماضي. ويقول اللواء احتياط، ورئيس أمان سابقاً، عاموس يدلين، انه “يجب على إسرائيل أن تضع نفسها بشكل واضح مع المعسكر الغربي… وان تزود الأوكرانيين بمنظومات غير هجومية بل دفاعية… المسيرات الايرانية تركت بصمتها بالفعل ونحن قلقون”.
ويعتقد خبراء مطلعون ان لا شيء يمنع إيران من بيع أسلحتها إلى الطرف الذي تريد، مع عدم توفر الارضية القانونية لتفعيل الآليات المرتبطة بالعقوبات الغربية المفروضة. اذ ان القاعدتان القانونيتان المرتبطتان بهذا البند، في قرار 2231، (بمنعها من التجارة بالأسلحة حتى عام 2023) لا اجماع على تفسيرهما في مجلس الأمن. في حين يزعم آخرون، ان المسيّرات الايرانية قد وصلت بالفعل إلى موسكو ومنها إلى كييف لتنفذ ضربات “خطرة، وعلينا التعامل مع هذا الواقع”.
وبقراءة موضوعية سريعة على دخول المسيرات الايرانية الميدان -اذا صحت الادعاءات- نكون امام مجموعة من الدلائل:
-تنفذ المسيّرات طلعاتها الجوية وعملياتها العسكرية في ميدان محصّن بأنظمة الدفاع الجوي لحلف الناتو الذي يملك أحدث المنظومات المتطورة على الاطلاق. وبهذا تكون طهران تختبر فعلياً فعالية هذا المسيرات، وتكشف عن نقاط القوة والضعف فيها، ثم العمل على تحسينها وتطويرها.
-أثبتت المسيرات جدواها، اذ تفوقت أيضاً على مسيرات “بيرقدار” التركية التي كانت بحوزة أوكرانيا. وتقول صحيفة يديعوت أحرنوت بهذا الخصوص، ان “المسيرات وصواريخ أرض – أرض الإيرانية نصف الدقيقة تقدم ميزة كمية ونوعية للروس”. ويعلّق وزير الدفاع الإستوني، هانو بيفكور، للصحفيين الاسبوع الماضي، بأن أوكرانيا، التي تقول إنها دمرت أكثر من 220 طائرة بدون طيار من طراز شاهد -136 منذ 13 أيلول/ سبتمبر، يبدو أنها تدرسها. وأضاف إن “التعرف على الطائرات أمر ملح إقليميًا…علينا جميعًا فهم كيفية عملها، وفهم كيفية إزالتها. لأنها ليست فقط مسألة مرتبطة بأوكرانيا، ولكنها مسألة تتعلق بنا جميعًا في الوضع الذي نحن فيه”.
-صُنعت المسيرات محلياً. وهذا يعني أن العقوبات التي فرضت على طهران، وهي الأشد قسوة منذ عقود، لم تثبت جدواها. وبالوقت الذي ينتظر فيه الغرب ان تستنزف إيران في الضعوطات الاقتصادية المفروضة، أصبحت الأخيرة “قوة عظمى ناشئة في الشرق الأوسط” حسب صحيفة EurAsian Times، التي أضافت بأنها صنعت “ثورة في صناعة الطائرات بدون طيار لسنوات عديدة، وتتولى اليوم دوراً بارزاً”.
– يقول خبراء عسكريون، ان هذه الطائرات، تماما كما هي حال صواريخ كروز، يمكن أن تضرب أهدافًا على بعد مئات الكيلومترات، غير أن صواريخ كروز باهظة الثمن في حين أن طائرات شاهد 136 المسيرة بديل أرخص، تبلغ تكلفتها ما لا يتجاوز 20 ألف دولار، في حين تحتاج الطائرات الحربية الأخرى مئات آلاف الدولار للصيانة والوقود في كل طلعة جوية.
-القلق الاسرائيلي المتزايد من زعمه ظهور المسيرات الايرانية في سماء كييف، يعني تأكده من ان تكنولوجيا تطوير المسيّرات ستصل في أي وقت إلى سوريا ولبنان، ثم اليمن والعراق وفلسطين.
وهنا عرض لأبرز خصائص ومواصفات طائرة “شاهد 136” حسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية:
شاهد -136 الإيرانية تغوص نحو هدفها وتنفجر عند الاصطدام. لها جناح مثلثي، ويحمل رأسًا حربيًا يبلغ وزنه حوالي 80 رطلاً ويتم إطلاقه من مؤخرة الطائرة. يبلغ مدى الطائرات بدون طيار 1500 ميل، مما يعني أنه يمكن إطلاقها بعيدًا عن الجبهة. كما يبلغ طول جناحيها 3.5 أمتار، وتزن حوالي 200 كيلوغرام، وتتجاوز سرعتها 185 كيلومتر في الساعة.
وبينما يتفق الخبراء العسكريون على أن سجل أوكرانيا في إسقاط الصواريخ كان جيدًا، أضافت وزارة الدفاع البريطانية أن هناك “احتمالًا واقعيًا بأن تكون روسيا قد حققت بعض النجاح من خلال الهجوم بعدة طائرات بدون طيار في نفس الوقت”. وتضيف الوزارة “إن دقة الاستهداف تعطيها تأثيرًا مدمرًا”. وتنقل عن ضابط أوكراني قوله بأنه “رأى الطائرة بدون طيار في القتال إنها يمكن أن تستهدف مدافع هاوتزر ذاتية الدفع بالقرب من مكان تخزين البارود، مما يتسبب في انفجار أكبر مما يمكن أن يحققه رأسها الحربي وحده”.
ووفقًا لموقع قيادة التدريب والعقيدة (TRADOC) التابع للجيش الأمريكي، فإن إيران تمتلك العديد من الطائرات بدون طيار التي تتراوح من أنظمة صغيرة وخفيفة قصيرة المدى إلى طائرات بدون طيار متوسطة إلى ثقيلة (UAVs) للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR). وتشير القيادة إلى ان الطائرة بدون طيار “شاهد 136″، يبلغ مداها حوالي 2500 كيلومتر ويمكن أن تحمل رؤوسًا حربية تزن ما بين خمسة وثلاثين كيلوغرامًا. وهي تمثل “تحديًا كبيرًا للقوات المسلحة الأوكرانية”.
فيما تبقى الأنظار متجهة نحو قدرة المسيرات الايرانية على تجاوز أنظمة الراردار و GNSS اذ ان قدرتها العالية على التخفي، ستثبت ان إسرائيل محقة بالتعبير عن قلقها أكثر من أي وقت مضى.
الكاتب: مريم السبلاني