بغضّ النظر عن تقييد هنا أو شفافية هناك في تفاصيل العمليات الانتخابية حول العالم، إلا أنّ الانتخابات في حدّ ذاتها لا تشكّل الديموقراطية، بل إنها تتحول إلى ديكتاتورية عندما تصبح غاية بدل أن تكون وسيلة. وهو الأمر الذي تمارسه السلطات البحرينية منذ العام 2002، حيث تمّ وضع الدستور بطريقة، تشي بأن مسألة الانتخابات في البحرين ليست سوى وسيلة للمشيخة الخليجية البحرينية لإقناع العالم بديموقراطية نظامها القَبَلي. فكيف يصادر دستور مملكة البحرين وقوانيُنها إرادةَ الشعب؟
مصادرة الإرادة الشعبية بالدستور
أولًا: ينصّ دستور مملكة البحرين لعام 2002 في المادة 1 البند هـ: “للمواطنين، رجالًا ونساء، حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح، وذلك وفقًا لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي بيبنها القانون. ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حقّ الانتخاب أو الترشيح وفقًا للقانون”.
يبدو من الوهلة الأولى بأن الدستور قد كفل لكل المواطنين هذا الحق، إلا أن هذا النص فتح المجال من جهة أخرى للمشرع العادي بأن يحرم بالقانون فئة معينة مستهدفة. وبعد استكمال قراءة النص وربط كل أجزائه، يتّضح التباين بين كفالة الحق والاعتراف به للمواطنين، وبين مصادرته والتحكم فيه والانتقاص من فعاليته وتطبيقه.
ثانيًا: جاء في مقدمة الدستور في الفقرة الخامسة: “يختار ولي الأمر (الملك) بفطنته بعض ذوي الخبرة من المواطنين ليتكوّن منهم مجلس شورى، كما يختار الشعب الواعي الحرّ الأمين بالانتخاب من يتكوّن منهم مجلس النواب، ليحقق المجلسان معًا الإرادة الشعبية ممثلة في المجلس الوطني”.
في هذا البند أعطى الملك نفسه الحق في تشكيل الإرادة الشعبية بـ “فطنته”، بأن تكون من مجلس شورى يعيّنه هو بنفسه، ومجلس نواب ينتخبه الشعب، ولكن بحسب ما يرسمه الملك لهم من دوائر وتقسيم للمقاعد كما سنرى في قانون تقسيم الدوائر. واختار الملك شكل السلطة التشريعية بأن تكون من مجلسين، ونصّ بالمادة 51 من الدستور على أن: “يتألف المجلس الوطني من مجلسين: مجلس الشورى ومجلس النواب”. فأعطى لمجلس الشورى الصلاحيات المقررة لمجلس النواب.
مصادرة الإرادة الشعبية بالقانون
فيما يخصّ تقسيم الدوائر الانتخابية (مقاعد مجلس النواب)، ينصّ المرسوم بقانون 14 لسنة 2022 بشأن مباشرة الحقوق السياسية في المادة 17 على أن “تقسم مملكة البحرين في تطبيق أحكام هذا القانون إلى عدد من المناطق الانتخابية تشتمل كلّ منها على عدد من الدوائر الانتخابية. وينتخب عن كل دائرة انتخابية عضو واحد. ويصدر مرسوم بتحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها وعدد اللجان الفرعية اللازمة لمباشرة عمليتي الاقتراع والفرز”.
هذه المادة لم ترتكز على أي من النصوص الدستورية، وأنشأت حقّ للسلطة خارج عن الإطار الدستوري، فأعطت الملك بإرادته المنفردة حق تحديد الدوائر بسبب عدم وجود ضوابط واضحة لا بالدستور ولا بالقانون، وهذا ما أثبتته التجربة في الانتخابات السابقة والحالية، إذ يفقد المواطنين مبدأ التكافؤ في الفرص والمساواة في التمثيل.
أما فيما يخص لجنة إدارة العملية الانتخابية، فقد نصّ مرسوم بقانون حول الحقوق السياسية في المادة الثامنة عشر على أن: “يرأس وزير العدل والشؤون الإسلامية لجنة عليا للإشراف العام على سلامة الاستفتاء وانتخاب أعضاء مجلس النواب في أنحاء المملكة والبتّ في جميع الأمور التي تعرضها عليها اللجان المنصوص عليها في المادة السابعة من هذا القانون، وتشمل اللجنة العليا في عضويتها عددًا كافيًا من القضاة والمستشارين يصدر بتسميتهم قرار من وزير العدل والشؤون الإسلامية”.
عبر تقسيم الدوائر في البند الأول يفقد المواطن حجم التمثيل بصوته الانتخابي من جهة، وفي البند الثاني تكتمل القدرة على مصادرة الإرادة الشعبية من خلال إمكانية وضع إدارة للعملية الانتخابية، لا تتمتع بالاستقلالية الكافية.
وقد تجاوزت المادة الثالثة من القانون حد الحرمان المؤقت من الانتخاب لـ “فقدان شرط من شروط الموضوعية في الجرائم الجنائية”، وبلغت إلى حد المنع الدائم للقضايا السياسية والانتقام السياسي. وأضاف القانون منع الجمعيات السياسية المحددة (الوفاق ووعد) من ترشح وانتخاب أعضائها. ومن وجه الغرابة أنّ هذا التعديل لم ينتبه إلى أن يجعله مؤقتًا بل جاء بشكل دائم، مما يجعل المشكلة الأساسية دائمة بدوام القانون.
وأخيرًا: انتهاكات الملك الدستورية
قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر بمرسوم من الملك، أعطاه الحق في ترسيم الدوائر عبر مرسوم آخر، على الرغم من أن الدستور لم يعطِ الملك هذا الامتياز، وهذا ما نصّت عليه المادة 31 إذ: “لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناءً عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحقّ أو الحرية”. رغم ذلك، قام الملك بإصدار خمس مراسيم منذ العام 2002 حتى 2022، لتحديد الدوائر الانتخابية، بدون أن تراعي مبدأ المساواة بين المواطنين، حتى وصل الأمر أنه في بعض الدوائر الشيعية، صوت المواطن الشيعي يساوي أقل من نصف صوت المواطن السني. فيحصل أكثر من 63% من المواطنين على 18 مقعدًا في مجلس النواب، في حين ينال 27% من المواطنين 22 مقعدًا!
الكاتب: غرفة التحرير