هل يمكن أن يتوقّع أحدٌ في العالم بأن تكون انتخابات البحرين – المزمع أن تنطلقَ في ١٢ تشرين الثاني نوفمبر – عادلة وحرّة؟
يبدو السؤال استباقيّاً وشديدَ القتامة، ولكن الأمور في هذه الجزيرة الخليجية تدفعُ المرءَ لقراءة كلّ الأشياءِ من خواتيمها المتوقّعة أو المفترضة. ولكن، قبل ذلك، لابدّ من الإطلالة على متغيّرات غير يسيرة تحيط بهذا الحدث الدّعائي وعديم الجدوى الذي تحتفي به السلطات في البحرين.
لأوّل مرّة منذ فترة طويلة، تلاقت كلّ القوى المعارضة في البحرين على موقف موحّد وغير ملتبس في مقاطعة الانتخابات. وقد حرصت هذه القوى على تظهير هذا التوافق بأكثر من صيغةٍ ومناسبة، حيث أصدرت أكثر من بيان مشترك يؤكد الإجماع الوطني والشعبي على مقاطعة الانتخابات، وتم تنظيم ملتقيات وندوات شارك فيها معارضون من مختلف الأطياف، وكان الصوت واحدا وواضحا باتّجاه “إفشال الانتخابات الصوريّة جملة وتفصيلا”، كما ورد في إحدى بيانات المعارضة. هذا تطوّرٌ لافت ولا يمكن الغفلة عنه، وسيكون له آثار ونتائج عدّة، لن تقتصر على فترة الانتخابات بل ستمتدّ إلى ما بعدها.
الأمر الآخر يرتبط بالمرجعيّة العليا التي تنضوي تحتها المعارضة، والمتمثلة في آية الله الشّيخ عيسى قاسم. لم يكن مفاجئا أن يتصدّى الشّيخ قاسم -رغم وضعه الصحي وتقدّمه في العمر- لقيادة المعارضة، وفي أدّق التفاصيل التي تتعلق بتحديد الرؤى وبناء الخطاب واقتراح المسارات العمليّة. فهو من القيادات التاريخية النادرة التي تملك القدرة على إدارة أشد الأوضاع ارتباكا وارتيابا، وخلال ثورة ١٤ فبراير – وقبل إسقاط الجنسية عنه ومحاصرته في منزله وتهجيره خارج البحرين – تولّى دوره القيادي الطّبيعي في الدّفاع عن النّاس، وإضفاء الشّرعية الكاملة على مطالبهم وحقوقهم في الحرية والعدالة، كما كان الصّوت اللامع الذي أزاح الأوهام وبدّد التهديدات التي خطط لها النظام وأعوانه للإجهاز على الثورة وبيئاتها الصامدة.
في الفترة الأخيرة، قدّم الشيخ قاسم نموذجا قياديا حقيقيا، وأسهم بنحو فعّال في بناء مقومات الحراك السياسي والشعبي المعارض، ووفّر له مستلزمات الصمود والثّبات، ودفع لأجل تقوية الصف الوطني المعارض، ورسّخ ثوابت جوهرية لتأمين استمرار الحراك ورسْم معالمه الأساسية فيما يتعلق بأسبابه ومطالبه وأسلوب الحلّ والمعالجة المطلوبة، وهو ما يمكن الوقوف عنده من خلال مطالعة عناوين الخطابات والمواقف التي صدرت عنه خلال السنوات الأربع الماضية، مثل موضوع الحق السياسي والحل الدستوري، واستراتيجية الثبات في مواجهة تكتيكات الظلم البديل والتمزيق الداخلي، وغير ذلك. إن هذه القيادة ما زالت في المقدمة، ولا شك أن المعارضة في البحرين محظوظة كثيرا بهذه القيادة التي ستفتح لها آفاقا جديدة في الفترة المقبلة.
الأمر الثالث الذي يستحق التوقف والإشادة، هو الأداء الشعبي داخل البحرين. لقد استطاع المواطنون في البحرين أن يثبتوا أن ثورتهم لا تزال مستمرة، رغم مضي أكثر من ١١ عاما على انطلاقها، وهم يقدمون الدليل كل يوم على أن الميادين التي تم إجهاضها في أكثر من مكان في بلدان الربيع العربي؛ هي تنبض حتى اليوم في المنامة وسترة والسنابس والمرخ والدراز والعكر، وكلّ مناطق البحرين التي تضجّ بالاعتصامات والتظاهرات اليومية رفضا للانتخابات وتأكيدا على الحق السياسي والحل الشامل. ربما لا يكون ذلك مفاجئا أيضا بالنسبةِ للبعض، ولكن ما يدعو للدهشة هو الدور الاحتجاجي غير التقليدي الذي قدمه السجناء السياسيون هذا العام وهم داخل المعتقلات، حيث باشروا في إصدار سلسلة من الصوتيات الحيّة التي سجلوا فيها مواقفهم الداعية لمقاطعة الانتخابات، مؤكدين الثبات على مبادئ الثورة وأهدافها، وأتبعوا ذلك بسلسلة من البيانات والمواقف التي عبّرت عن الموقف ذاته. إنّ هذا الأداء الاحتجاجي، ومن وراء القضبان، وبالحجم والمستوى والعلنيّة التي ظهر بها؛ يعد بالفعل من نماذج النضال الخاصّة بالبحرين، ما يؤكد العنفوان الكبير الذي يتمتع به المواطنون، داخل السجون وخارجها، داخل البحرين وخارجها، وثبات الجميع على مقولة الاحتجاج المبدئي بما هو جزءٌ أساسي من الوجود الإنساني، وبوصفه ممارسةً بشريّة غير فاترة في التمسّك بالقيم والمبادئ العليا وإحداث التّغييرات الممكنة لأجل الوصول إليها، وهو المعنى المجسَّد الذي عبّر عنه القيادي المعارض المعتقل الأستاذ حسن مشيمع مخاطبا شعبه: “عيشوا الأمل”.
الكاتب: كريم البحراني