كتبت النهار
نتساءل مرات كثيرة، وبجدية بعيدة تماماً عن المبالغات واستسهال التهجّم السطحي السائد على نطاق واسع منذ سقط لبنان في الانهيار: هل يدرك جميع الزعماء السياسيين والنواب الحاليين من كل الاتجاهات والطبقات ومهما تكن أحوالهم الاجتماعية والشخصية وفي أي واقع مالي كانوا عليه، بصرف النظر تماماً عما إن كانوا من أصحاب الثروات أم أشخاصاً عاديين … هل يدركون بلا أي غشاوات أن لبنان ذاهب بلا محال الى مجاعة إذا تمادى طويلاً واقع فراغ الدولة كلها لا فقط موقع رئيس الدولة؟
يحدونا أكثر على الإلحاح في السؤال أن ستة أشهر مضت منذ إجراء أول انتخابات نيابية بعد الانهيار وفي ظله فإذا بنا نشعر، مع غالبية ساحقة مسحوقة من اللبنانيين، كأننا أمام جيل فاشل لا شأن لمعظمه بتحسس معاناة الناس، وحتى وهم يزايدون في محاولات التعبير تراهم أبعد ما يكونون عن إثبات الصدق والصدقية. لا ندري كيف وكم فهمت نسبة ساحقة من أعضاء هذا البرلمان معنى أن تنتخب نائباً في زمن انهيار تاريخي كهذا وكيف عليك أن تتصرّف لكي تثبت أن نائباً بعد انهيار لبنان ليس هو النائب الكلاسيكي الذي كان يرتع في زمن ما قبل عام 2019.
في الساعات الأخيرة، ولا نجزم بأن يكون جميع نواب الأمة على بيّنة من الأمر، قفزت أسعار المحروقات في لبنان قفزة نارية تجاوز معها سعر صفيحة البنزين 800 ألف ليرة وصفيحة المازوت 910 آلاف ليرة، وما أدراك ما يعني اقتراب سعر الصفيحة من كل هاتين المادتين من كسر سقف المليون ليرة في الساعات المقبلة. هذه الوتيرة النارية في النزول الى ما دون الهوة السحيقة الأخيرة التي يصعب تصوّر بقاء الناس مسالمين بعدها ستعني، من ضمن ما تعني، أن كل الذين تطوّعوا للرد والتسفيه والنفي للسيناريوهات القاتمة المتشائمة التي تساق داخلياً وخارجياً حيال لبنان هم مصابون بالوهم وعمى الألوان وآفة سياسات الإنكار. وما دام زعماء لبنان ونوابه لا يتقنون سوى الثرثرة الجوفاء والتهافت على المنابر والشاشات في مواسم مفتوحة من التباري بالعجز أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، فإن من حق الناس أن يسألوا: أ أتراهم هؤلاء الاشاوس يعرفون أن مساراً كذاك الذي ينزلق فيه البلد الآن، مع اختراق الدولار سقف الـ40 ألف ليرة واشتعال أسعار المحروقات والتعثر المالي للدولة في أبسط البديهيات كرواتب الموظفين والمتقاعدين، فضلاً عن اهتراء الوضع المصرفي اكثر فأكثر بحيث يشتد إذلال المودعين وامتهانهم وتنكشف أكثر حال التراجع المخيفة لقطاع بلغ في حدود نجاحه وتألقه سابقاً أن صار درّة القطاعات المصرفية في المنطقة والعالم… هل يقدّرون المآل المفجع الذي سينتهي إليه لبنان في ظلّ هذا البؤس؟
و”من الآخر”، كيف لنائب انتُخب قبل ستة أشهر وسط أعتى ظروف شهدها ويشهدها لبنان أن يرضى بالدخول والخروج والتباري بالكلام الاجوف الفارغ في جلسات فولكلورية تمسخ أزمة الفراغ الرئاسي أكثر ممّا هي ممسوخة؟ كيف تقبلون الخروج من قاعة الجلسات ولا تعتصمون فيها ليلاً ونهاراً وتقيمون سابقة بفرض إرادة نواب انتخبهم لبنانيون على أساس أنهم سيمثّلون إرادتهم ومعاناتهم فإذا بهم ينكصون بالتفويض في أول الطريق؟ إما انتخاب بقوة الشرعية والواجب الحتمي حتى لو انتفضتم على زعماء القبائل السياسية.. وإما استقيلوا بلا أسف عليكم!