حذرٌ شديد يخيّم على عدن. كل الخطوات باتت مُكلِفة، وكل الطرق أضحت مفخخة في وجه ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي. اذ ان القرار الذي اتخذته السعودية أخيراً، والذي ترجم بوصول قوات عسكرية جديدة إلى مطار عدن لإحكام السيطرة عليه، ينذر بأن عملية عسكرية باتت وشيكة، وان الصدام العسكري واقع لا محال.
خلال الأيام الماضية، وصلت 4 دفعات عسكرية سعودية جديدة إلى مطار عدن عبر منفذ الوديعة، شبوة، ثم ابين وعدن. بعد تصاعد حالة التوتر بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وعضو المجلس ورئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، على خلفية رفض الأخير، مطالب العليمي، واصراره على الاحتفاظ بمختلف المناطق التي يسيطر عليها.
يقف العليمي موقف الضعيف. لا دعم سعودي كالذي حظي به الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي. ولا قوات عسكرية تابعة له قادرة على فرض قرارته بالقوة، في مناطق تتقاسمها الميليشيات المدعومة اماراتياً وأخرى لا تزال تستثمر “ارث النفوذ القديم”، كقوات حزب الإصلاح. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، تجتمع كل عوامل الأزمة في المحافظات الجنوبية خاصة، حيث العدد الأكبر من المنشآت النفطية، في انتظار لحظة “الانفجار”.
وتفضي القراءة للمشهد على الساحة الجنوبية، ان السعودية، حرصت طيلة الفترة الماضية على عدم التدخل المباشر في صراع الميليشيات، إلا أنها أخيراً، اضطرت للإقدام على هذه الخطوة، بعدما وصلت الخلافات بينهم إلى ذروتها. ويقول مصدر مطلع على الأحداث الأخيرة، ان خلفية ما جرى بين كل من العليمي والزبيدي، ناجم عن طلب الأول، الحماية من قوات خارجة عن إطار لواء العاصفة والحزام الأمني، ومختلف التشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي، لعدم ثقته بهم. إضافة لإيجاد صيغة يتم بموجبها دمج مختلف التشكيلات ضمن وزارة الدفاع والداخلية في حكومة عدن، وضمان الاستفادة من إيرادات الميناء ايضاً. وهذا ما قوبل برفض الزبيدي، الذي لا تزال الرياض تحتجزه إلى الآن.
لم تفلح الرياض بإجراء أي تقدم على هذا الصعيد، بل ان القوات التابعة لميليشيا الانتقالي تستكمل إجراءات انتشارها في عدد من المناطق وبلباس مدني. كما ان الاتهامات الواردة لبعض القيادات، بتسهيل دخول القوات السعودية إلى مطار عدن الذي كان تحت سيطرتها، يجعل من المشهد أكثر تعقيداً.
وضمن إطار الخلافات المتزايدة بين الميليشيات، تأتي الانفجارات الأخيرة، في معسكر المنطقة الثالثة في مأرب. وفي حين رأى بعض المراقبون أنها تغطية على السرقة المستمرة في مستودعات الأسلحة، وصفها البعض الآخر، بأنها مفتعلة تنفيذاً لرغبة الرياض في تصفية بعض القيادات العسكرية في مأرب، وقد تُقدم الامارات على الخطوة نفسها قريباً.
تدرك أبو ظبي والرياض ان بقاء بعض القيادات العسكرية على قيد الحياة يعني مزيداً من الفضائح، وكشف ما لا يمكن كشفه بالنسبة إليهم. وعلى ما يبدو ان المرحلة المقبلة، -اذا ما نضجت التسويات- فستكون الرياض وأبو ظبي، بحاجة إلى النخب السياسية لا القيادات العسكرية، على الرغم من سعيهما للإبقاء على سيطرتهما على المنشآت النفطية والموانئ.
لجهة صنعاء، فإنها مستمرة في ترسيخ خطوطها الحمراء. فبعد المعادلة التي رسختها عملية الضبة، تأتي عملية ميناء قنا، لتؤكد على ان المماطلة في تلبية شروط صنعاء بضرورة رفع الحصار وصرف المرتبات من العائدات النفطية، لا تغير من الواقع شيئاً. حيث أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، ان القوات المسلحة قد “افشلت محاولة نهب نفط خام من ميناء قنا في محافظة شبوة المستخدم من قبل العدو للتهريب”. موضحاً في تغريدة على حسابه على تويتر، أن “العملية منعت سفينة نفطية كانت في الميناء من نهب النفط وتهريبه، ذلك بعد أن وجهت لها عدة رسائل تحذيرية…وجددت القوات المسلحة تأكيدها على الالتزام بحماية الثروة الوطنية السيادية باعتبارها من حقوق الشعب اليمني”.
في حين تؤكد مصادر مطلعة لموقع “الخنـادق”، على ان “هناك تكتم شديد على مجريات العملية التفاوضية بين كل من صنعاء والرياض ومن كلا الطرفين”. وأشارت المصادر نفسها إلى ان “عدم التصعيد من أي من الجانبين، وعدم تورط الرياض في الرد على أي من الأحداث في حضرموت ومأرب، يعني ان الرياض تريد فعلاً إنجاح المفاوضات للتوصل إلى تمديد الهدنة، رغم عرقلتها المستمرة لها… على ما يبدو ان المفاوضات هذه المرة لا تقتصر فقط على ملف المرتبات، بل هناك ما يناقش أبعد من ذلك”.
الكاتب: مريم السبلاني