ساعدت الكاميرات المثبتة وهواتف المارة في توثيق ما جرى في شارع تقسيم بعد ظهر الأحد. وفي الوقت الذي توجهت فيه أصابع الاتهام لحزب العمال الكردستاني، بتنفيذ الانفجار الذي استهدف أحد أكثر الشوارع المكتظة في العاصمة الاقتصادية للبلاد، إلا ان الحقيقة الثابتة أنه لا يمكن عزل ما يجري على الساحة الدولية من أحداث متسارعة عن خلفيات التفجير.
وبحسب الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، يبدو ان العبوة قد دمرت جزءاً من الشارع وخلفت عدداً من الضحايا والجرحى وصل عددهم إلى 81 حتى الساعات الأخيرة. وبينما أعلن نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، بداية، ان السبب عائد لـ “تفجير امرأة نفسها وسط المارة”. تحدث وزير العدل، بكر بوزداغ، عن ان “امرأة جلست على مقعد لأربعين إلى 45 دقيقة ثم وقع انفجار…كل المعطيات عن هذه المرأة هي حالياً قيد الدرس”. في حين كشفت الشرطة التركية، لاحقاً، أن “المرأة المتهمة بتنفيذ تفجير إسطنبول، سورية الجنسية وتُدعى أحلام البشير، وأنها اعترفت بأنها تلقت تدريباً لدى مسلحين أكراد”. وأوضحت، أنّ المتّهمة “اعترفت بأنها تصرّفت بناء على أوامر حزب العمال الكردستاني، كما تلقّت تعليمات في كوباني شمال شرقي سوريا”. كما تم اعتقال 46 شخصاً.
ما هي خلفيات التفجير؟
مع الساعات الأولى للانفجار، كثرت الآراء حول الأسباب الكامنة وراء ما جرى، وبينما اعتبر البعض أنها قد أتت في توقيت يشير إلى شبهة “محاولة إفساد حالة التقارب بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعوب الديمقراطي ذي الخلفية الكردية”. قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، إن “الهجوم تم التخطيط له في مدينة ذات أغلبية كردية في شمال سوريا”. مضيفاً: “تقييمنا هو أن الأمر بالهجوم الإرهابي القاتل جاء من عين العرب في شمال سوريا، حيث مقر حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب في سوريا”. لكن الكلمة المفتاح تكمن في تصريح صويلو بأن تركيا “لن تقبل رسائل تعزية” من واشنطن وهذا يعود بالفعل، للوم الذي تلقيه أنقرة على الأخيرة، بسبب “الدعم المتواصل للأكراد في سوريا والعراق”. وهذا ما ألمح إليه رئيس الاتصالات الرئاسية، فخر الدين ألتون، إلى “التأثير المحتمل على العلاقات الأمريكية- التركية، الناجم عن استياء أنقرة على المدى الطويل من الدعم الأمريكي للجماعات الكردية في شمال سوريا”.
وعلى الرغم من نفي حزب العمال الكردستاني أي علاقة له بالتفجير، إلا انه على ما يبدو ستشهد الأيام القادمة استهدافاً متزايداً للجماعات التابعة له في سوريا والعراق. خاصة وان الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان -المأزوم انتخابياً- يفتش عن فرصة باستطاعتها ان تزيد حظوظه الرئاسية.
يعد ملف الاكراد الانفصاليين قضية حساسة لدى اردوغان. وهو ما عبر عنه مراراً، وربطه بعدد من قرارات بلاده على الساحة الدولية، ووصل إلى حد عرقلة انضمام السويد -التي تتهمها تركيا بإيواء الاكراد وتقديم الدعم اليهم- لحلف الناتو، قبل ان تتعهد بأنها ستنأى عن دعم ما يسمى “وحدات حماية الشعب”.
ويعيد هذا التفجير الذاكرة إلى تفجيرات إرهابية أخرى، كان قد حصل بعض منها في الشارع نفسه عام 2016، حين فجر انتحاري نفسه، حيث أسفر عن سقوط 4 ضحايا وإصابة 36 آخرين. إضافة لانتحارية أخرى، قامت بتفجير نفسها أمام مسجد بورصة، ما أسفر عن اصابة 13 شخصاً بجروح. وكان آخر وقائع هذا المسلسل هجوم مسلحتين كرديتين على قوات الشرطة في محافظة مرسين الساحلية في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، ثم تفجير نفسيهما مما أدى لمقتل ضابط شرطة وجرح ضابط آخر ومدني.
الكاتب: غرفة التحرير