كتبت النهار
لم يقدّم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في مقابلته التلفزيونية أجوبة شافية للمواطن اللبناني الذي يرزح تحت أثقال لم يشهد مثلها أي بلد منذ عقود طويلة. طبعاً لم يكن منتظراً أن يقدّم الرئيس ميقاتي أجوبة تشفي غليل المواطن أو تدفعه الى التفكير بالتخلي ولو قليلاً عن يأسه من هذا الطاقم الحاكم، ومن اللغة الخشبية التي يتقنها المسؤولون على اختلافهم فيما هو يرزح تحت وطأة أعتى الازمات التي يمكن تخيّلها. لم يكن منتظراً من رئيس الحكومة أن يقدم جردة حساب جدية وواقعية لأدائه وإنجازاته خلال رئاسته حكومة مزدوجة بداية مكتملة الأوصاف ثم عرجاء. فمشكلة جميع المسؤولين في لبنان أنهم غير مسؤولين، ويتصرفون ويتحدثون أمام الرأي العام وكأنهم وُلدوا البارحة وما كانوا في أساس الأزمة. طبعاً ميقاتي ليس مسؤولاً بالمعنى الحصري، لكنه كغيره من الطاقم نفسه مسؤول عما آلت إليه حال البلد. من هنا فهو أو غيره من الفريق عينه لا يمكن أن يكون القابلة التي تولد على يديها الحلول الجذرية لإنقاذ البلد. هو كغيره في أحسن الأحوال مسؤول غير مسؤول يواكب الأزمة، وهما أي هو والأزمة كاثنين يسيران في خطين متوازيين ولا يلتقيان.
كلامنا ليس استهدافاً لشخص رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي تجمعنا به صداقة قديمة، لكنه توصيف أدق ما يكون لحال كل الطاقم الذي يقال إنه يدير شؤون البلد راهناً، فيما الواقع أن الأزمة تخطت الجميع ولم يعد ينفع معها الترقيع الذي تدار وفقه مشاكل البلد، وهي عملياً وسيلة للتعايش مع الأزمة من دون البحث عن حلول جدية وجذرية أكان على المستوى الاقتصادي، أم المالي، أم حتى السياسي. فالإصرار على التهرّب من عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي تزامناً مع إنهاء هذه المهزلة الحاصلة على مستوى الأزمة المصرفية، والمهزلة الأكبر الحاصلة على مستوى الحرب التي تُشنّ على التحقيق القضائي في جريمة تفجير مرفأ بيروت ظواهر تشير الى لبنان محكوم عليه أن يبقى دولة معلقة، حيث تتداعى المؤسسات وتتحلل، وحيث تتوسّع دائرة نفوذ الدويلة التي تبتلع كل شيء بما فيها ضمائر الكثيرين في البيئات الأخرى من المتواطئين الذين يخدمون في المحصلة الأخيرة مصالح الدويلة ومشروعها التدميري. ليس مهماً أن يرفع المرء دائماً شعار السياسة الواقعية للظهور بمظهر الحكيم والبعيد النظر. المهم هو متى يدرك أصحاب هذا الشعار أن التلطي خلفه لتبرئة الذمم “الواسعة” صار أكثر ضرراً من أي خيار آخر. لقد صار كارثة. المهم هنا أن يدرك هؤلاء وهم كثر أن إنقاذ البلد لا يتم عبر الاستسلام بلا حدود. لبنان متروك كالأيتام، والمواطن يشعر بذلك، وهو يعرف حجم الفراغ الناشئ عن هذا الواقع الذي لا يكفي أن يُنتخب رئيس جديد للجمهورية كي يتغير، أو أن يأتي رئيس جديد للحكومة المقبلة، أو أن تتغير تشكيلة حكومة العهد المقبل الأولى. الأهم هو بلورة موقف جدّي مما يجري وتعيين مكامن الأزمة، ورفض اختصارها فقط بالأزمة المالية والاقتصادية بل بالإضاءة على أحد أسس أزمة لبنان الرئيسية عنينا “حزب الله” طبيعته، وظيفته، وتهديده الوجودي لبقاء هذا الكيان. وما لم يتصدّر أصحاب المواقف المبدئية والصلبة المشهد فإن لبنان سيبقى يراوح مكانه في بركة من المياه الآسنة!