صحيفة الأخبار
كما كان متوقعاً، قرّرت جمعية المصارف العودة إلى نغمة الإضراب في وجه القرارات القضائية. ما تكشّف من هذه المسألة لا يتعلق بتحدّي القضاء فحسب، بل يكشف عن الاتفاق المعقود بين المصارف ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. إذ منع الأخير تنفيذ أحكام القضاء في مقابل أن تفتح المصارف أبوابها أمام الزبائن. وتزامن ذلك مع إعادة مصرف لبنان تفعيل العمل بالتعميم 161 الذي يضخّ بموجبه الدولارات عبر منصّة «صيرفة». غير أن هذه التسوية لم تستمر بعد صدور قرار جديد من القضاء المستعجل ضدّ بنك البحر المتوسط، ألزمه بتسديد نحو 228 ألف دولار لمودعة مقيمة في دبي سبق أن أوضحت حاجتها إلى الوديعة لتلبية فواتير ضرورية، ولجأت الى الدعوى بعدما تعذر عليها استعمال وديعتها البالغة 372 ألف دولار.
سقوط الاتفاق بين المصارف ورئيس الحكومة انعكس سلباً على سعر الصرف. إذ اشتمّ الفاعلون في السوق رائحة توقف مصرف لبنان عن ضخّ الدولار بسبب إقفال المصارف ضمن عمل منصة «صيرفة»، ما يعني عودة الجميع الى قواعد اللعبة السابقة.
الاتفاق بين ميقاتي والمصارف كان محوره الأساسي القرارات القضائية التي صدرت أو قد تصدر لاحقاً عن القاضية غادة عون. وكان الهمّ الأكبر لهؤلاء وقف ما تقوم به عون، وخصوصاً الإجراءات التنفيذية، لكنهم لم يتحسّبوا إلى أن هناك قرارات أخرى قد تصدر عن قضاة آخرين. وهذا ما استغلّته المصارف لإسقاط التسوية مع ميقاتي. إذ بمجرد صدور قرار القاضية المنفردة في بيروت الناظرة في قضايا الأمور المستعجلة، كارلا شوّاح، بإلزام «بنك ميد» بتسديد قسم كبير من وديعة دينا صلاح الدين الشامي، استنفرت المصارف للعودة إلى الإقفال. لكن العقبة التي واجهتها تكمن في كونها تنفذ حالياً تعليمات مصرف لبنان ببيع الدولارات النقدية للزبائن بسقف مليار ليرة عبر منصّة «صيرفة». ولو أنها قرّرت الإقفال في اليوم التالي، أي أمس، لكانت واجهت مشكلة جديّة مع مصرف لبنان لأنها لن تدفع للزبائن الدولارات التي قبضتها. لذلك، عمدت إلى تأجيل الإقفال لغاية الثلاثاء وأوقفت منذ أمس استقبال العمليات على «صيرفة» إلا على مسؤولية الزبون.
*أوقفت المصارف استقبال العمليات على «صيرفة» إلّا على مسؤولية الزبون*
عملياً، عادت قوى السلطة إلى الوقوف إلى جانب المصارف رغم تضارب المصالح بينهما. فميقاتي مهتم بالزعم بأنه يعمل من أجل السيطرة على ارتفاع سعر الدولار، ومصرف لبنان يريد الإيحاء بأنه يعمل في سياق هذا الهدف أيضاً حتى ولو كان هو من يجمع الدولارات من السوق ويرفع سعر الدولار، ثم يضخّها مجدداً عبر المصارف لخفض سعر الصرف. أما المصارف، فتمارس حيلة شراء الوقت بانتظار أن تتوافر لديها ظروف أفضل لمصلحتها من أجل الانتقام من المودعين، وممن عارضوها أو وقفوا ضدّها. لكن الواقع، يشير إلى أن المصارف لا تزال تملك نفوذاً كبيراً بوصفها أحد أركان قوى السلطة. فرغم إفلاسها الفعلي وامتناعها عن السداد، إلا أنها تقف بوجه القانون وأحكام القضاء، لا بل تريد من القضاء أن يقف في صفّها. وهذا ما بدا واضحاً جداً في بيان جمعية المصارف الصادر أمس. إذ ذكّر بما ورد في بيانات عدّة بـ«وجوب تصحيح الخلل في بعض القرارات القضائية التعسّفية بحقها»، ولمّحت إلى الصفقة التي عقدتها مع ميقاتي ونفّذها المدّعي العام التمييزي قائلة: «إزاء ما رأت فيه خطوة أولى بالاتجاه الصحيح من قبل حضرة المدعي العام التمييزي، أعربت عن إيجابيتها الحذرة…». رغم ذلك، بدا بيان الجمعية وكأن المصارف تلقّت طعنة من القضاء رغم الصفقة المعقودة «إذ صدرت خلال الأيام القليلة الماضية قرارات قضائية تعسّفية جديدة…»، وصفتها بأنها «انتقامية» ووصلت إلى حدّ «الحجز على موجودات المصارف».
وكانت سوق الصرف السوداء أمس، قد تأثرت سريعاً بالتطورات، فارتفع سعر الدولار أكثر من عشرة آلاف ليرة ليعود كما كان عليه قبل إعلان مصرف لبنان التدخل، ولامس سقف التسعين ألفاً. وفي حال فلتت الأمور كما هو متوقع، فإن رقم المئة ألف لم يعد بعيداً. بينما سيواجه المواطنون معضلات إضافية في حال تعثّر عمل منصّة «صيرفة» واضطرارهم، كما التجار، إلى شراء الدولار من السوق السوداء حصراً.