وصل الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي الى الجمهورية العربية السورية، وضمن برنامج يشمل اللقاء مع الرئيس بشار الأسد، الى جانب زيارات لمختلف الشخصيات السورية، يلتقي السيد رئيسي أيضًا بالفصائل الفلسطينية في سوريا. ولا بدّ أن تكون التطورات في الساحة الفلسطينية التي تشير الى تراجع “ردع” جيش الاحتلال أمام عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزّة، أحد موضوعات النقاش خلال اللقاءات. خاصة بعد فعاليات يوم القدس العالمي أيضًا، وحينها احتضن مخيم اليرموك، لأوّل مرّة، عروضًا عسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية.
الاهتمام الذي تحظى به المقاومة والقضية الفلسطينية يأتي من التزام الدولتين بمواجهة كيان الاحتلال والمخططات الأمريكية والغربية في غرب آسيا. فقد ترجمت الجمهورية الإسلامية الشعارات التي رفعتها (أمريكا الشيطان الأكبر، يجب أن تزول إسرائيل من الوجود) عملياً على أرض الواقع بدعمها لحركات المقاومة في مختلف أنحاء المنطقة لمواجهة أشكال الاحتلال المتعددة. وفي ظل تحريض غربي على إيران بهدف منع أي دولة من إقامة علاقة مع النظام الجديد، كان للجمهورية العربية السورية رأي آخر.
لطالما كانت دمشق سبّاقةً في رفض أي استعمار واحتلال لدول المنطقة، وكانت ولا زالت في مقدمة أي جبهة لمواجهة المخططات الصهيونية. فمع وصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى سدة الحكم، اختلفت النظرة السورية الخارجية، ورأت بأن ما تشهده المنطقة من حروب ومشاكل، منبعها الأطماع الغربية والمتجسدة بالكيان المؤقت الذي احتل في تلك المرحلة على عدد من الأراضي العربية ومنها السورية: الجولان المحتل.
ولما شكّلته الجمهورية الإسلامية الإيرانية من حاضنة لحركات المقاومة والتحرر، وجبهة جديدة في وجه كيان الاحتلال، التقت الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإيرانية تحت هذا العنوان وأظهرت سني الحرب والسلم التي تلت، معدن هذا الالتقاء ودوافعه.
من هنا كانت بداية التأسيس لجبهة مقاومة في ظل تخاذل بعض الأنظمة العربية وتواطئ غربي على مقدرات ومصالح الأمة، وهو ما عزز بشكل كبير تنامي وتطور حركات المقاومة في المنطقة، وكما لإيران الدور الكبير في إعادة بث الأمل في نفوس المستضعفين وما شكلته من مصدر أساسي لوجستياً للمقاومين، كانت سوريا، بالإضافة لمواقفها السياسية وما قدّمته أيضاً من مساعدات نوعية، المعبر الأساسي لما كان يصل إلى أيدي المقاومين، ولغاية اليوم ما زال هذا المعبر رغم العديد من المتغيرات والاستهدافات.
للإضاءة على أهمية الدور السوري في دعم المقاومة في المنطقة، نستعرض وبشكل كرونولوجي أبرز المحطات الهامة الدالة على ذلك:
القضية الفلسطينية في رؤية الرئيس حافظ الأسد (1966-1985)
منذ أن كان الرئيس الراحل حافظ الأسد وزيراً للدفاع، برز اهتمامه بالقضية الفلسطينية بشكل كبير، وذلك عبر ما قدمه من دعم لمقاومين الفلسطينيين، إذ كانت رؤيته للقضية الفلسطينية وكيفية معالجتها، في ضرورة العمل المقاوم لطرد المحتل، فخلال فترة توليه منصب وزارة الدفاع، ساهم في تعزيز تدريب للفلسطينيين على الأراضي السورية، والتي تخرج منها قيادات من الصف الأوّل الفلسطيني، كان أبرزهم قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) أحمد جبريل، والذي يذكر في مذكراته فضل القيادة السورية آنذاك والمتمثلة بشخص الرئيس حافظ الأسد في تقديم كل الدعم المقدور عليه في سبيل مقاومة “العدو”.
بعد وصول الرئيس حافظ الأسد إلى سدة الرئاسة، استمر الدعم السوري للمقاومين الفلسطينيين، ففي عام 1971 قدّمت القيادة السورية للشهيد صلاح خلف “أبو إياد”، مساحةً في منطقة الهامة في ريف دمشق لتدريب الفدائيين بعد خروجهم من الأردن بعد أزمة “أيلول الأسود”.
ولطالما سعى الرئيس الراحل خلال تلك المرحلة، في إبعاد كل ما قد يقف عائقاً أمام القضية الفلسطينية المحقة، وأبرزها الصراعات العربية التي كلفت ما كلفت القضية وفصائل المقاومة من معرقلات أخرت بشكل كبير أي تقدم لها وأغرقتها في مستنقع حروبها الداخلية وأزماتها.
وبالرغم من بعض الاختلافات في وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية وبينها وبين القيادة السورية، إلا أن الدعم السوري لها لم يتوقف، انطلاقًا من إيمان دمشق بأن مسار المقاومة هو ركيزة الدفاع عن الأمة العربية، ومن التزامها الثابت بالقضية الفلسطينية دون شرط.
ففي أوائل الثمانينات، انطلقت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والتي تعد حركةً دينية، وبالرغم من ذلك ظلّ الدعم السوري حاضراً، بل زاد ما شكلّ آنذاك، تغيراً نوعياً في أسلوب مواجهة كيان الاحتلال. وصولاً لنشوء حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي لاقت أيضًا دعماً وحضناً سورياً كان له تأثير كبيرًا على مسار مواجهة الاحتلال.
دعم القضية الفلسطينية:
في كل حدث أو مناسبة مرتبطة بالقضية الفلسطينية، تؤكد الجمهورية السورية عبر مسؤوليها وقائدها الرئيس بشار الأسد، موقفهم الداعم للقضية الفلسطينية وفصائل المقاومة، وهو موقف سياسي هام في ظل كل ما حاكه ويحيكه الغرب، وإزاء هذه المواقف يجري الضغط على سوريا بشكل كبير من خلال عقوبات وحرب وقطيعة دولية بالإضافة للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، وبالرغم منها جميعها، ظل الموقف السوري على حاله ثابتاً من القضية وضرورة المقاومة.
سوريا والمقاومة في لبنان (1982-2000)
كما الحال مع الفصائل الفلسطينية، فكان لانطلاقة حزب الله في لبنان ترحيب كبير من القيادة السورية، التي قدمت الدعم الكبير أيضاً له، من خلال المواقف السياسية والدعم العسكري بالتنسيق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتثبت مجدداً حرصها على استقامة الصراع مع الكيان المؤقت. وكان لهذا الدعم السوري الكبير للمقاومة في لبنان، أثر هام في ازدياد عمليات المقاومة وتطورها علة المستوى النوعي والكمي، ولطالما شكرت قيادة حزب الله في مختلف المناسبات، سوريا على دورها الداعم وأبرزها خلال خطاب “بيت العنكبوت”، الذي أكد خلاله أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، على دور سوريا بقيادة الرئيس حافظ الأسد في دعم حزب الله ولبنان في دحر العدو الإسرائيلي من لبنان.
وفي كلمة ألقاها السيد نصر الله إبان رحيل الرئيس حافظ الأسد، قال: ” نحن نفهم قيمة هذا الرجل في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال هذه التجربة، ونحن في العشرين سنة نقدّر ما فعله هذا الرجل لمشروع المقاومة في المنطقة والصمود”.
ومن خلال كلام أمين العام، وما يمثله الحزب اليوم من رأس حربة في الصراع مع الاحتلال، يُفهم موقع سوريا المتقدم في الصراع العربي- الإسرائيلي، ودورها الريادي في دعم قوى المقاومة في المنطقة.
مرحلة الرئيس بشّار الأسد (2000- لغاية اليوم)
لم تغير وفاة الرئيس حافظ الأسد، سياسة الجمهورية العربية السورية ومواقفها من دعم حركات المقاومة في المنطقة، بل ازداد حجم الدعم. ففي ظل رهان دولي على تراخ من قبل الرئيس بشّار، مقابل ما كان عليه أبيه. أثبت الرئيس بشار الأسد في العديد من محطات رئاسته وحتى اليوم، وقوف دولته، حكومةً وشعباً جنباً إلى جنب مع المقاومة، ومن أبرز المحطات التي أكّد على ثبات سوريا:
حرب تموز 2006:
_ احتضان اللبنانيين المهجرين بسبب الحرب.
_ تقديم الدعم المادي الكبير للبنانيين.
_ فتح الحدود السورية على مصرعيها لإيصال كل ما تحتاجه المقاومة في لبنان.
_ الدعم السياسي الكبير في المحافل الدولية.
حتى اليوم، لا تزال القيادة السورية الحليف الأساسي لحزب الله في لبنان، ولا يزال التنسيق بينهما عالي المستوى، نتيجة التفاهم والاتفاق والحرص على بقاء المقاومة وضرورتها إلى حين زوال الكيان المؤقت.
المصدر: مركز دراسات غرب آسي