ندى أيوب – الأخبار
بعد أقلّ من شهرٍ على قرار إعادة العمل في مصلحة النافعة، تقرّر فتح السجلات العقارية بعنوانٍ تسيير المرفق العام، والذي يُراد له أن يطغى على ملف الملاحقات القضائية بحقّ رؤساء السجلات وموظفيها المتهمين بالفساد، والذين هم أنفسهم من سيسيّرون أعمالها، بدءاً من اليوم، فيما يبدو أن الأمور ذاهبة في اتجاه تسوية أوضاعهم
تطبيقاً لتعميم وزير المال يوسف الخليل، تُباشر الدوائر العقارية من اليوم العمل على الملفاتِ المُتراكِمة منذ إقفالها في تشرين الثاني من العام الماضي، نتيجة الملاحقات القضائية لرؤسائها وموظفيها بتهم الفساد وتقاضي الرشوة والإثراء غير المشروع. إذ بلغ عدد الموقوفين نحو 100 في كلّ من عقاريات بعبدا والمتن وعاليه والشوف. ولمدة شهرٍ، لن تستقبل السجلات العقارية المواطنين ومعاملاتهم الجديدة لإنهاء المتراكم منها.
لتطبيق قراره، أرفقه الخليل بآخر قضى بتعيين أمناء سجلّ عقاري بالتكليف، مكان الأمناء الأصيلين الذين لا يزالون قيد التوقيف. إذ عيّن أمين السجلّ العقاري في صيدا باسم الحسن مكان أمينة السجلّ العقاري في بعبدا الموقوفة نايفة شبو، وأمين السجل العقاري في مرجعيون يوسف شكر مكان أمينة سجل المتن الموقوفة ليليان داغر، وأمين سجل صور حسين خليل مكان أمين سجل الشوف المتواري عن الأنظار بسبب الملاحقة القضائية هيثم طربيه، وأمينة سجل بيروت جويس عقل بالإنابة عن أمين سجل المتن مايك حدشيتي. أما على مستوى الموظفين، فلم يوضح الخليل من سيُنجِز الأعمال، علماً أنه تم التداول سابقاً بإمكان تشكيل فريق عمل من وزارة المال لينوب عن موظفي العقاريات. لكن، بحسب معلومات «الأخبار»، تقرّر إعادة موظفي العقاريات الذين أخلت الهيئة الاتهامية في جبل لبنان سبيلهم في 23 آذار الماضي، مقابل كفالة مالية كبيرة بقيمة 300 مليون ليرة. وقد وجد هؤلاء في الخطوة فرصة لـ«ردّ اعتبارهم»، إذ تفيد أوساطهم بأنّهم «غير مترددين في العودة إلى العمل لإثبات أن الملف فارغ»، علماً أنهم «غير أبرياء» في التصنيف القانوني بحسب أحد المحامين، ولا يخرجون من دائرة الاتهام طالما أن الهيئة الاتهامية لم تصدر حكمها النهائي في قضيتهم.
إخلاء السبيل إذاً، لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال أن هؤلاء غير مرتكبين، لذلك يبدو من غير المفهوم كيف يعاد مشتبه بتورّطهم إلى مكاتب قد يكون بعضهم استغلها لنهب المال العام والخاص. ومع أن قانون الموظفين يسمح بعودة المتهمين المُخلى سبيلهم على ذمة التحقيق إلى مؤسساتهم وإداراتهم، إلا أن المشرّع برأي حقوقيين «استند إلى رقابة افترض أنّها قائمة داخلياً كرقابة الرئيس للموظف ورقابة إدارية من الجهات المعنيّة كالتفتيش المركزي في مثل حالة السجلات العقارية». أما وأنّ عين التفتيش المركزي أُغمِضَت عن السجلات العقارية لسنوات، وإلا ما كانت لتفوح روائحها، مترافقة مع انعدام الرقابة التي أخلّ بها رؤساء السجلات المتهمون، شأنهم شأن موظفيهم بدلالة الإبقاء على توقيفهم، فمن سيُراقب الموظف المشتبه به إلى حين صدور القرار النهائي للهيئة الاتهامية؟ إلى ذلك، ينصّ قانون الموظفين على تقاضي الموظف الموضوع قيد التحقيق نصف راتب وليس راتباً كاملاً، فمن سيضمن الالتزام؟
إلى كل ذلك، تُضاف الصعوبات اللوجستية المتوقّع أن تعرقل سير العمل في السجلات العقارية. إذ تغيب المستلزمات الضرورية بحدّها الأدنى، من القرطاسية والمازوت لتشغيل المولدات. كما تحضر قضية تقديم بعض الموظفين استقالاتهم على خلفيات مالية تتعلق بتدنّي الرواتب، ولأسبابٍ مُرتبِطة بعدم الأمان من تكرارِ تجربة الملاحقات القضائية. وإلى هؤلاء يُضافُ موظفون فارّون الى الخارج بعد صدور مذكرات قضائية بحقهم… ما يعني بالنتيجة، شغور وظائف لن يملأها أحد وستترك أثرها على العودة المنشودة بهدف رفد الخزينة بالأموال. وهذا ما يحتاج الى سرعة صدور قرار الاتهامية الذي يتوقّع محامون معنيّون بالملف بأنه «سيأتي لمصلحة الموظفين، لجهة عدم إعادتهم إلى السجون»، تماشياً وحاجة الدولة لفتح مرافقها العامة على حساب جدّية مكافحة الفساد في القطاع العام.