يتابع الناخبون الأتراك عن كثب تعهدات الحملات الانتخابية للمرشحين للانتخابات الرئاسية التي ستجري في 14 أيار الجاري، وسط منافسة شرسة بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وكمال قليجدار أوغلو، زعيم تكتل المعارضة، والمدعوم من الأكراد. تشير استطلاعات الرأي إلى أن الحظوظ متساوية بين الاثنين بفوارق بسيطة، قد تؤدي إلى جولة ثانية من الانتخابات.
ما سيشغل العقول داخل صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات يتعلق بمن سيحكم البلاد بشكل أفضل على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسة الخارجية، التي كلفت الشعب التركي مؤخرًا 5 ملايين لاجئ سوري، ومن سيكون مستعدًا أكثر للكوارث والزلازل في أعقاب زلزال 6 فبراير شباط في تركيا، وكذلك بالمرشح الذي سيكون أكثر فعالية على المستوى الدولي حيث يواجه النظام العالمي حالة خطيرة من عدم اليقين والمنافسة الشرسة. وعليه يطرح سؤال، مَن مِن المرشحين استطاع إلهام الجمهور ومنحه الأمل، وتمكن من معالجة مخاوفه لدى الحملات الانتخابية؟
يخوض أربعة سياسيين الانتخابات الرئاسية التركية لعام 2023 رسميًا: مرشح تحالف الشعب الحاكم الرئيس رجب طيب أردوغان، ومرشح تحالف الأمة المعارض كمال كليجدار أوغلو، وزعيم حزب الوطن محرم إينجه، ومرشح تحالف ATA اليميني المتطرف سنان أوغان. وتم الانتهاء من القائمة في 27 مارس بعد أن جمع إينجه وأوغان أكثر من 100 ألف توقيع، وهو شرط أن تكون مرشحًا رئاسيًا للأحزاب التي ليس لديها مجموعة في البرلمان.
رجب طيب أردوغان
هو زعيم حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وهو حزب سياسي يصف نفسه بأنه ديموقراطي محافظ، ويتبنى الأيديولوجيا الإخوانية (الإخوان المسلمون). من مواليد العام 1954 في إسطنبول. ودرس في جامعة مرمرة في كلية العلوم الاقتصادية وتخرج منها في العام 1981، بحسب موقع رئاسة الجمهورية. ينتمي أردوغان للتيار الإسلامي المحافظ، وكان نشطاً في اتحاد الطلبة الوطنيين الأتراك، وترأس الفرع الشبابي لحزب “السلامة الوطنية” الإسلامي بمنطقة بي أوغلو بإسطنبول عام 1976 وبعدها بأشهر ترأس الفرع الشبابي للحزب بإسطنبول كلها حتى عام 1980.
عام 1982، حصل انقلاب في تركيا تم على إثره إغلاق الأحزاب، فتوقف إردوغان عن العمل السياسي ليعود بقوة من خلال تأسيس حزب جديد ” الرفاه”، وفي عام 1994 انتخب رئيسًا لبلدية إسطنبول، فزادت شعبيته، وفي العام 1997 تمت محاكمته على إثر انقلاب سمي “انقلاب ما بعد الحداثة” للقوات المسلحة التركية، وهو الأمر الذي زاده شعبية. وفي العام 2001 أسس إردوغان حزبه “العدالة والتنمية” الذي تولى مقاليد الحكم منذ العام 2002 بشكل متواصل حتى تاريخ كتابة هذه المقالة،
واجه أردوغان قوى محلية عديدة منها مؤسسة الجيش العلماني، وجماعة “الخدمة” التي كانت متغلغلة بمؤسسات الدولة، وتعرض لمحاولة انقلابية عام 2016 تمكن من إخمادها. كما أنه غير كثيرا من القوانين وعدل الدستور ونقل نظام الحكم في البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وحل مشكلة الحجاب للنساء في مؤسسات الدولة ومنها المدارس والجامعات، وانفتح على الدول العربية وتدخل بكثير من ملفات المنطقة.
كمال كليجدار أوغلو
هو زعيم حزب الشعب الجمهوري وهو حزب سياسي اجتماعي ديمقراطي اشتراكي علماني يحمل الأفكار الكمالية (كمال أتاتورك) في تركيا. وهو من وسط تركيا ولد عام 1948 ودرس في أكاديمية العلوم التجارية والاقتصاد في أنقرة. عمل في وزارة المالية قبل أن ينتقل إلى فرنسا للعمل كخبير حسابات حتى عام 1983، حيث انتقل إلى مديرية الدخل العام وتحول إلى منصب نائب المدير العام. عام 1992 استلم منصب مدير مؤسسة الضمان الاجتماعي، ثم نائب مستشار وزير العمل والضمان الاجتماعي، حتى تقاعد عام 1999 عن سن 51 عامًا، ليتفرغ للعمل السياسي داخل “الحزب اليساري الديموقراطي”.
ثم انتقل كليجدار إلى حزب “الشعب الجمهوري”، وانتخب نائبًا عنه في العام 2002، إلى أن تولى زعامة الحزب عام 2010. تبنى كليجدار أوغلو سياسة إصلاحية لمسار الحزب، أعادته نسبيًا إلى الواجهة، إذ يأتي ثانيًا خلف حزب العدالة والتنمية الحاكم، وذلك بعد تبنيه سياسات أكثر يسارية في الاقتصاد، تولي اهتمامًا بالأحوال المعيشية للمواطنين، كما أبدى اهتماما بالتقرب من الفئات المحافظة بالمجتمع التركي، وهي الفئات التي طالما حاربها حزب الشعب الجمهوري، المعروف بعلمانيته المتشددة.
شهدَ الحزب تغيُّرات جذرية منذ رئاسة كليجدار أوغلو، خاصة في طُرُق تعاطيه مع القضايا التاريخية الحساسة، ومن أبرزها قضية الحجاب التي صرّح كليجدار أوغلو في أكثر من مناسبة أن حزبه أخطأ جدًّا، وكان غير ديمقراطي عندما وافق على قانون حظر الحجاب.
ولم يكتفِ رئيس حزب الشعب الجمهوري بالنقد الذاتي وحسب، بل فتح الباب أمام المحجّبات في شغل مناصب مهمة في البرلمان وداخل الحزب نفسه، الأمر الذي رافقه غضب كبير بين اللوبيات العلمانية المتشددة داخل الحزب، لكنه نجحَ في إخماد هذا الغضب وبدأ في كسب ودّ بعض المحافظين، وبالأخصّ من فئة الشباب.
صب كليجدار أوغلو جل تركيزه على الطبقة المحافظة التي نجح في كسب ودّ جزء منها بعد ترشيحه لأمام أوغلو، عمدة إسطنبول حاليًّا، الذي كان يزور المساجد باستمرار ويتعمّد قراءة القرآن، لكسر الحاجز الذي يصرُّ على حشر حزب الشعب الجمهوري في خانة العلمانية المعادية للدين الإسلامي وتعاليمه، والذي لطالما استخدمه أردوغان كأداة لحشد صفوف المحافظين خلفه.
حين قامت قطاعات من الجيش التركي بمحاولة انقلابية لإسقاط نظام الحكم والاستيلاء على السلطة يوم 15 تموز 2016، وقف كليجدار ضد الانقلاب وانتقد المشاركين فيه رغم كونه يقود أكبر حزب معارض للنظام الحاكم. وفي صبيحة اليوم التالي للمحاولة، كان حاضرا بين زملائه في البرلمان لإعلان وقوفهم إلى جانب الشرعية الديمقراطية.
وفي 6 آذار 2023 أعلن تحالف المعارضة التركي -المعروف باسم “الطاولة السداسية”- أن كمال كليجدار هو مرشحه للانتخابات الرئاسية لمنافسة زعيم حزب العدالة والتنمية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
محرم إنجه
زعيم حزب “البلد” المنشق عن حزب “الشعب الجمهوري” من مواليد العام 1964 ودرس في قسم التربية فيزياء كيمياء بكلية التعليم في جامعة أولوداغ بمدينة بورصة. عمل إنجه ي عدة مدارس ومعاهد، وعمل متحدثا باسم نادي يالوفا سبور وترأس جمعية الفكر الأتاتوركي بالولاية لفترة زمنية، ليدخل عالم السياسة وينتخب في العام 2002 نائبًا برلمانيًا عن حزب “الشعب الجمهوري”، واحتفظ بمنصبه في البرلمان بانتخابات عام 2007 وعام 2011.
وترشح إنجه عن حزب “الشعب الجمهوري” في انتخابات الرئاسة للعام 2018 أمام الرئيس أردوغان، ولكنه خسر. وعقب الانتخابات طالب برئاسة حزب “الشعب الجمهوري” وعندما لم يتمكن من هزيمة كليجدار، انشقّ وأسّس حزب “البلد” مؤخرًاً. يعارض إنجه كليجدار أوغلو في تحالفاته، كما ينتقد الحكومة والرئيس أردوغان، ولكنه يدعمه فيما يتعلق بالصناعات الدفاعية وفي ملفات البحر المتوسط وليبيا، عكس كلجدار أوغلو، الذي يسعى الأخير لضمه إلى تحالف المعارضة.
سنان أوغان
تمكن سنان أوغان، من الحصول على أكثر من مائة ألف توقيع مطلوبة لقبول الترشح للانتخابات الرئاسية، وذلك قبل يوم واحد من انتهاء المهلة المحددة ليكون رابع المرشحين في الانتخابات. وأوغان أكاديمي مرشح عن تحالف “أتا” الذي يعني الأجداد، وهو تحالف يضم أحزابًا قومية متطرفة، وأهم هذه الأحزاب حزب “النصر” الذي يتزعمه النائب البرلماني أوميت أوزداغ المعروف بمواقفه العنصرية تجاه الأجانب وخاصة السوريين والأفغان.
ولد أوغان في العام 1967 وهو باحث أكاديمي ونائب سابق في البرلمان عن حزب “الحركة القومية”، وينتمي إلى أصول آذرية، درس في جامعة مرمرة كلية العلوم الإدارية والاقتصادية وأكمل هناك الدراسات العليا، حتى حصوله على درجة الدكتوراه في جامعة روسية في موسكو في العلاقات الدولية. ويعمل حاليا باحثًا في جامعة مرمرة، وهو يتقن الإنكليزية والروسية، وتولى رئاسة مجموعة من المؤسسات البحثية، ولديه 3 مؤلفات وأكثر من 500 مقالة بحثية، وحاز على عدد كبير من الجوائز.
دخل أوغان عالم السياسة مع حزب “الحركة القومية”، وتمكن من دخول البرلمان بانتخابات العام 2011 نائبًا عن ولاية اغدر، ولكن حزبه لم يرشحه في انتخابات العام 2015. ومعروف عن أوغان مواقفه العنصرية ضد الأجانب ومهاجمتهم.
تحالفات المرشحين مع القوى الأخرى
يحظى كليجدار أوغلو بدعم ستة أحزاب معارضة تشكل تحالف الأمة. أعلن الحزب “الحقيقي” و”حزب الحرية الاجتماعية” (TÖP) والحزب الديمقراطي الليبرالي (LDP) وحزب التحرير الشعبي (HKP) وهي أحزاب صغيرة بدون وجود برلماني تقدم دعمها لكليجدار أوغلو أيضًا. ومن المتوقع أن يعمد إلى انتخابه الأكراد.
في المقابل، يحظى أردوغان بدعم الأحزاب الأربعة لتحالف الشعب الحاكم، فضلًا عن حزب القضية الحرة الإسلامي الراديكالي (HÜDAPAR) وحزب الوطن الأم (ANAVATAN) من يمين الوسط.
يحظى إينجه بدعم حزبه فقط وتنتقده المعارضة على أساس أنه عرّض حصة المعارضة من الأصوات للخطر. في حين، يدعم تحالف ATA اليميني المتطرف المكون من حزب النصر القومي المتطرف، وحزب العدالة، وحزب تحالف تركيا، وحزب بلدي أوغان.
وكان تحالف “العمل والحرية” المكون من عدة أحزاب يسارية من بينها حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال التركي، قد أعلن في وقت سابق أنه لن يرشح مرشحًا للانتخابات الرئاسية.
كما صرح الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي بيرفين بولدان أنهم سيدعمون “المرشح الأكثر ديمقراطية” في الانتخابات في خطوة لدعم كليجدار أوغلو، دون ذكر اسمه صراحة.
الكاتب: غرفة التحرير