كثُر الحديث خلال السنوات الماضية عن جدلية خسارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في السباق الرئاسي، خاصة في خضم الانتخابات الرئاسية لعام 2018، في حين تزداد وتيرة هذه التحليلات مع قرب الاستحقاق في 14 أيار/ مايو الجاري. ويمكن توصيف هذا الجدل، على أنه قائم على تمنيات المعارضة وعدد من الدول، أكثر من كونه قراءة حيادية للشارع التركي، الذي عايش اردوغان على مدى عقدين من الزمن، والذي قد يفرز هذه المرة نتائج مغايرة كفوز المنافس كمال قليجدار اوغلو.
مارس أردوغان خلال العقدين الماضيين البراغماتية السياسية بشكل لافت، وأجاد المناورة في عدد من الساحات التي كانت تشهد صراعاً بين القوى الدولية، حتى لو أنه لم ينجح في تحقيق جلّ طموحاته التي تهدف إلى زيادة النفوذ التركي خارج الحدود. ونتيجة لذلك، كان توطيد العلاقات مع مختلف الدول، والانفتاح على بعضها الآخر، في صلب سياسته الخارجية التي زادت من عدد الرؤساء الراغبين ببقائه في منصبه، نتيجة تشابك المصالح.
بالمقابل، كانت التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي راكمتها الأزمات المتتالية وآخرها الزلال الذي ضرب جنوب البلاد، وما أفرزته الحرب على سوريا من تداعيات على الداخل التركي، وانهيار الليرة وغيرها، كفيلة بالتأثير على المزاج الشعبي بما قد يرجح كفّة قليجدار اوغلو.
بحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة متروبول، فمن المتوقع أن يشارك هذا العام حوالي 5 ملايين ناخب في الانتخابات، ويرجح هذا الاستطلاع أن يدعم الناخبون قليجدار أوغلو، ويأتي أردوغان في المرتبة الثانية، يليه إينجه وأوغان. وبلغت نسبة دعم قليجدار أوغلو 42.6٪ وأردوغان 41.1٪. وإذا انسحب إينجه من السباق الرئاسي، فمن المرجح أن يتحول عدد أكبر من الناخبين إلى قليجدار أوغلو بدلاً من أردوغان. ولكن في الانتخابات البرلمانية، يتقدم حزب العدالة في استطلاعات الرأي، بأغلبية الأصوات.
قد يكون من الصعب التنبؤ بالمسار الذي قد يسلكه أوغلو فيما لو وصل إلى سدة الرئاسة. وعلى الرغم من ان “تحالف الأمة” الذي يقوده قليجدار أوغلو، يعتبر تحالفاً متبايناً أيديولوجياً، لكنه متحدّ في رفضه لاردوغان، وهذا ما يتم توظيفه انتخابياً بشكل جيد في الحملات الإعلامية للمعارضة. بالإضافة إلى حزب الشعب الجمهوري بزعامة قليجدار أوغلو، الذي يحتل مساحة يسار الوسط/الحزب الديمقراطي الاجتماعي والقومي، يضم التحالف فرعاً من القوميين اليمينيين المتشددين في تركيا يسمى الحزب الجيد. حزبان من يمين الوسط بقيادة المنشقين عن حزب العدالة والتنمية علي باباجان وأحمد داود أوغلو، ومجموعة أخرى من يمين الوسط، الحزب الديمقراطي. والعضو الآخر هو حزب السعادة القومي الديني المحافظ، الذي تأسس إلى جانب حزب العدالة والتنمية في عام 2001. فماذا لو خسر اردوغان في الانتخابات؟ هنا عرض لبعض الملفات التي قد تتأثر بحسب نتائج الانتخابات الرئاسية:
-كان أحد أهداف السياسة الخارجية الرئيسية لأردوغان هو توسيع النفوذ التركي في سوريا. إذا خسر السلطة، فقد يكون هناك تحول في هذه الاستراتيجية يمكن أن يؤثر على استقرار الشمال السوري مستقبلاً. خاصة وان إيجاد حل واقعي ومجدٍ لملف الأكراد يعتبر من الأولويات الشائكة التي يطمح قليجدار بالحظي به.
-تتمتع أنقرة بعلاقات جيدة مع عدد من دول الخليج والتي انعكست في ازدياد وتيرة التبادل التجاري بين الجانبين، وهو ما قد يتأثر في حال خسر اردوغان، بحسب ما ذكر موقع by the east، الذي اعتبر ان علاقات متوترة ستؤدي لتداعيات اقتصادية محتملة في جميع أنحاء المنطقة.
-طبقاً لنتائج استطلاعات الرأي، فقد تكون النتائج المتقاربة سبباً لحدوث انقسامات عميقة على خلفية اتهامات بالتزوير، وهو ما قد تستفيد منه بعض الجهات الداخلية او الخارجية، لدفع البلاد إلى عدم الاستقرار الأمني والعنف.
-ويقول الزميل أول في معهد إيني إنريكو ماتي لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، ستيفن كوك، انه خلال العقود الأخيرة، ارتفعت آمال الأتراك بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي. وهو المسار الذي قد يحدده الرئيس المقبل.
-يرفع اوغلو شعار التعديلات الدستورية على السلطة التنفيذية، وهو ما يتعلق بالصلاحيات التي وسعها اردوغان للاستفادة منها سابقاً. فيما لا يعد هذا الأمر غير مسبوق. فقد باتت عمليات “التطهير” سمة من سمات السياسة التركية. في شباط/ فبراير 1990، أصدر الجيش “توصيات” للحكومة سعت إلى تطهير أتباع أحد الأحزاب السابقة لحزب العدالة والتنمية من المناصب الحكومية. وكانت هناك عملية تطهير مستمرة منذ عام 1997، عندما بدأ حزب العدالة والتنمية في تطهير بيروقراطية شركائه السابقين في حركة غولن. وهنا، يطرح كوك سؤالاً: “كيف يمكن لأي شخص أن يكون متأكداً من أن قليجدار أوغلو، بمجرد حصوله بقوة على الرئاسة، سوف يرغب في التخلي عن سلطات الرئاسة التنفيذية؟ ففي نهاية المطاف، يحب الساسة عموما تجميع السلطة، وليس التنازل عنها. وحتى إذا أراد قليجدار أوغلو الوفاء بوعد تحالف الأمة بالتخلص من الرئاسة التنفيذية، فليس هناك ما يضمن أن نائبيه الطموحين أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاس سيوافقان على ذلك.
تجنّب اوغلو الغوص في عدد من الملفات خلال حملته الانتخابية، بما قد يؤثر على حظوظه، ومنها طبيعة علاقته المستقبلية بالولايات المتحدة. فمن المثير للاهتمام أن برنامج تحالف الأمة لم يأت على ذكر واشنطن. ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن الأتراك لديهم منذ فترة طويلة وجهات نظر سلبية واضحة حول السياسة الخارجية الأمريكية. وهي ظاهرة عززها السياسيون الأتراك، بمن فيهم قليجدار أوغلو، ووسعوا نطاقها لأنهم يستمدون منها فائدة سياسية.
وللمفارقة، ان قليجدار اوغلو نفسه، قد زار واشنطن مرتين في السنوات ال 10 الماضية. في كلتا الحالتين، كان يحاول جاهداً التقليل من شأن الزيارة او ترك تفاصيلها سرية. وهو الأمر الذي قد يترجم شكل العلاقة بين انقرة وواشنطن.
في حين، ان ملفات اللاجئين السوريين والعلاقات مع روسيا -خاصة بما يتعلق بمبيعات الأسلحة- والتعامل مع إيران وباكستان، إضافة للعلاقة مع كيان الاحتلال ودول الخليج، والالتزام مع حلف الناتو، هي أكثر المسائل حساسية التي ستواجه اوغلو أو قد تحدد مصيره السياسي.
تشير التقديرات إلى فوز اردوغان مرة جديدة في السباق الرئاسي، نتيجة تجمع عدد من العوامل، أهمها الدعم الملحوظ لعدد من الدول الذي يحظى به. إلا ان المنافسة الرئاسية بعيد الأحداث التي عصفت بتركيا والمنطقة، قد تنعكس مفاجآت لن تكون مستبعدة أيضاً.
الكاتب: مريم السبلاني