أوقد اغتيال الأسير خضر عدنان المتعمّد من كيان الاحتلال نار المواجهات في الساحة الفلسطينية، التي لم تلبث أن تخمد بعد الأحداث التي شهدها شهر رمضان. جولة عسكرية في قطاع غزّة عزّزت المقاومة خلالها معادلاتها، وطوّرت من تكتيكاتها الدفاعية من خلال تفعيل سلاح الدفاع الجوي لإرباك طائرات الاحتلال الحربية. كما اشتعلت الاشتباكات في القدس والضفة الغربية الى جانب المظاهرات المنددة بالاغتيال. أمّا في سجون الاحتلال، فللأسرى معركتهم الخاصة، التي تهدّد أمن مصلحة السجون.
السجون تشتعل: الأسرى نحو الإضراب المفتوح
لم ينجح الاحتلال في “ردع” الأسرى عن معركة الأمعاء الخاوية، فـ “مفجرها”، الشهيد عدنان من خلال خوضه لـ 6 إضرابات، لا يزال ملهمها بعد الشهادة. اذ اتخذ الأسرى الإداريون قرار الإضراب الجماعي عن الطعام ردًا على الاغتيال، وللمطالبة ” بتحديد سقف الاعتقال الإداري، ووقف هذه المجزرة التي طحنت أعمارنا ودمرت أحلامنا وسرقت زهرات شبابنا”، وفق ما جاء في بيان لجنة الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال. وذلك في إطار توسيع المعركة داخل السجون من المعركة الفردية الى الجماعية، لأنّ “سلاح الإضراب عن الطعام الجماعي وبدعم خارجي واحتضان فصائلي هو سلاح فعال ومنجز”.
سيتم الإعلان عن البرنامج قريبًا، وسيبدأ الإضراب خلال أيام بعد انتهاء مشاورات داخل السجون ومدّة الحداد على الشهيد. وقد دعت لجنة الأسرى الإداريين كافة الأسرى المشاركين لكتابة وصاياهم، في إشارة الى جدّية القرار والاستعداد لتنفيذه حتى النفس الأخير. وذلك بعد أن تأكدت اللجنة “أنّ الاحتلال و”الشاباك”، وبعد استنفاذ كافة أدوات الضغط، لا يمكن أن يقدّم نتائج إيجابية على صعيد ملف الاعتقال الإداري”.
بدورها تستمر مصلحة السجون بانتهاك الأسرى عمومًا والتضييق على أسرى حركة الجهاد الإسلامي خصوصًا، فقد عزلت أسرى هذه الحركة في سجن “رامون”، وهم: عضو الهيئة القيادية لأسرى الحركة تميم سالم، ومهند أبو عيشة وأحمد الشنا وأحمد أبو طبيخ وعبد الله أبو هادية.
كما أغلقت إدارة سجون الاحتلال الأقسام في كافة السجون والمعتقلات التي يتواجد فيها أسرى “الجهاد الإسلامي”، وتمنع خروجهم للعيادات الطبية، والفورة (فترات التواجد في باحات السجون العامة)، أو التنقل بين الأقسام، كما تمنعهم من الاختلاط بباقي الأسرى. وبينت مؤسسة “مهجة القدس” للأسرى أن قرار مصلحة السجون “جاء بدعوى تلقيها انذارات ساخنة عن نية أسرى الجهاد بتنفيذ عمليات انتقامية ردًا على اغتيال الشيخ خضر عدنان”.
يوم الأربعاء، أي خلال الـ 24 ساعة من إعلان خبر استشهاد الأسير عدنان، استهدف الأسير محمد عبد الفتاح خروشة ضابطًا “اسرائيليًا” في سجن “مجدو، وهو ابن الشهيد الذي نفّذ عملية عند حاجز حوارة في نابلس قبل شهرين. فيما سكب أسير آخر الزيت المغلي على جندي في سجن “عوفر” كرد على الاغتيال.
وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قد أعلنت يوم الأربعاء أنه “بالتنسيق مع كلّ الفصائل، قرر الأسرى إغلاق السجون لمدة يومين وإرجاع وجبات الطعام. كما وجهت رسالة طالبت فيها بتسليم جثمان الشهيد خضر عدنان”.
الضفة تكثّف المواجهات
20عملًا مقاوماً في الضفة الغربية خلال الـ 24 ساعة الماضية، بينهم عملية طعن و5 عمليات إطلاق نار، وتفجير عبوة ناسفة، وإسقاط طائرة استطلاع، إلى جانب عمليتي تصدي للمستوطنين، وتحطيم مركبتين لهم، واندلاع المواجهات في 8 نقاط.
فقد تكثّفت المواجهات ليس فقط في الضفة الغربية أنما في القدس المحتلّة أيضًا، منذ استشهاد الأسير عدنان. اذ نفّذ مقاومون عمليات إطلاق نار متفرقة في نابلس، حيث نفّذت أيضًا الشابة الفلسطينية إيمان عودة (26 عامًا، وأم لـ 3 أطفال) عملية طعن عند حاجز “حوارة” العسكرية ونجحت في إصابة جندي.
بينما اندلعت مواجهات بين الشباب وقوات الاحتلال في حي “كفر عقب”، شمال القدس المحتلة بعد أن اقتحم الاحتلال الحي وأطلق قنابل الغاز. كما وقعت اشتباكات أيضًا في حي “راس العامود” ببلدة سلوان في القدس. بالإضافة الى مواجهات جنوب الخليل في الضفة الغربية.
في هذا السياق، اعتبر الكاتب والمحلل العسكري “الإسرائيلي” يوآف ليمور، أن الضفة الغربية اليوم هي الأكثر خطراً منذ العشرين عامًا الماضية”. زاعمًا في مقاله في صحيفة “إسرائيل هيوم” أنّ سلاح الضفّة يأتي عبر الأردن و” بالتعاون مع عناصر في الضفة، وبوجود تشجيع من حماس، الجهاد الإسلامي، وحزب الله، وإيران”. كما ادعى أنّ “إيران بدأت مؤخرًا في العمل بشكل مباشر مع عناصر في الضفة الغربية التمويل والتوجيه، هو على نطاق غير مسبوق”.
توقعت المنظومة الأمنية للاحتلال ازدياد عمليات المقاومة والعمليات الفردية في الأيام المقبلة نتيجة اغتيال الأسير عدنان، اذ تحدّثت “القناة 13” العبرية عن وجود “إنذارات” لدى “الشاباك”. وبعد اغتيال الاحتلال، للمقاومين حسن قطناني، معاذ المصري، وإبراهيم الجبر، الذين زعم الاحتلال أنهم ينتمون الى حركة حماس، وهم منفذوا العملية في غور الأردن في الفترة الماضية، فقد أعيد طرح عدوان واسع على الضفة الغربية المحتلّة، كنوع من “ردع” استمرار تصاعد المقاومة ومجموعاتها.
في هذا الصدد، أشارت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية الى أنّ “عملية عسكرية واسعة النطاق ليست سوى أحد الخيارات المطروحة على الطاولة. ومن بين أمور أخرى يتم فحص إمكانية استمرار الوضع الحالي المتمثل في اعتقال المطلوبين الذين يعتبرون “قنابل موقوتة”، أو الانتقال إلى نوع من الوضع الوسيط لعملية متقطعة بالضفة الغربية. وفي كل مرة في قطاع مختلف”. لكن أوضحت الصحيفة أنّ خيار العمل العسكري الواسع – الذي تتحدث عنه مستويات الاحتلال دائمًا لكنها لم تتخذ يومًا قراره منذ معركة مخيم جنين عام 2002 – محكوم أيضًا بالواقع الداخلي.
اذ إنه “عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرار بشأن كيفية التصرف في الساحة الفلسطينية، سيتعين على الحكومة الإسرائيلية التعامل مع الادعاءات المتعلقة بشرعية الحكومة لاتخاذ قرار بشأن العمل العسكري، لأنه من المرجح أن يتم الزعم أن رئيس الوزراء ووزير الأمن يقرران بشأن عملية عسكرية لتحويل النار عن قضايا أخرى مثل غلاء المعيشة أو الثورة القانونية التي جلبت مئات الآلاف المحتجين إلى الشوارع”.
بشكل متتالٍ ومتصاعد، تستمر كلّ الساحات الفلسطينية (غزّة، القدس، الضفة، السجون) باستنزاف المنظومة الأمنية للاحتلال من جهة، وبتشكيل نوع من المآزق على المستوى السياسي من جهة ثانية وتضغط الى جانب الأزمة الانقسامات الداخلية.
الكاتب: مروة ناصر