بين يوم الجمعة في العاشر من شهر أيار / مايو في تمام الساعة السادسة بتوقيت القدس المحتلة وبين يوم جمعة آخر في الواحد والعشرين منه في تمام الساعة الثانية فجراً، توقيت رسمت المقاومة الفلسطينية معالمه في الميدان حين قادت معركة هجومية افتتحتها صواريخها دفاعاً عن المسجد الأقصى وحي الشيخ جرّاح.
فكان تهديد قائد أركان كتائب القسّام المعروف بـ “محمد الضيف” الذي أدى الى وصول صواريخ القسام الى القدس، وضربة الكورنيت (استهداف “جيب” للاحتلال في بيت حانون) لسرايا القدس إنذاراً ببدء المعركة التي استمرت 11 يوماً. وقد حقّقت خلالها المقاومة الفلسطينية إنجازات على المستويين العسكري والاستراتيجي.
الضربات العسكرية، كان من أبرزها:
_ استهدفت سرايا القدس أغلب مواقع الاحتلال ومستوطنات غلاف غزّة ومدن الدّاخل المحتل بالرشقات الصاروخية الكبيرة والمكثّفة مع توسيع دائرة النار خلال تقدّم أيام المعركة وقصف الاحتلال لمباني سكنية في قطاع غزّة كان ضحيتها شهداء من المدنيين والأطفال. وأدخلت صاروخ “قاسم” الى الخدمة الميدانية.
_ كذلك كانت صواريخ كتائب القسّام تصل الى عمق الأراضي المحتلة، وعملت على استهداف قاعدة “حتسريم” الجوية، و قاعدة “تل نوف” الجوية، وقاعدة “تسيلم” البرية. كما قصفت بطارية القبة الحديدية بقذائف الهاون من العيار الثقيل في أكثر من نقطة. وكانت الكتائب على استعداد لتسديد ضربة كبيرة للاحتلال حسب ما شرح الناطق باسمها “أبو عبيدة” في الساعات الأخيرة للمعركة حيث قال “كنا قد أعددنا ضربة صاروخية كبيرة تغطي فلسطين من أقسى الشمال الى أقسى الجنوب وتدكّ معاقل العدو من حيفا شمالاً الى مطار رامون جنوباً ولكننا استجبنا لتدخل الوساطات العربية ونرقب سلوك العدو حتى الساعة الثانية من فجر الجمعة وإن إطلاق هذه الضربة يحددها مدى التزام العدو بوقف تام لعدوانه”.
_ ومن ناحية أخرى أعلنت كتائب القسام عن طائرة “شهاب” الانتحارية التي نفذت بها عدة مهمات عسكرية خلال المعركة، من بينها استهداف منصات الغاز للاحتلال في عرض البحر قبالة شواطئ ساحل شمال غزة، كما استهدفت مصنعاً وحشداً عسكرياً لجيش الاحتلال قرب قطاع غزة. وأدخلت الى الخدمة صاروخ “عياش” الأكثر تطوراً بمدى يصل الى 250 كيلومتر قصفت به مطار “بن غورين”.
_ وقادت الأجنحة العسكرية للفصائل عمليات مشتركة (الكتائب – السرايا – ألوية الناصر صلاح الدين – وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى) تم خلالها قصف مستوطنات غلاف غزّة.
في المقابل، لم تتمكنّ القبة الحديدية من اعتراض العدد الأكبر من الصواريخ حيث عملت الرشقات وكثافة النيران على إرباكها، ولم تفعّل صافرات الإنذار في أغلب الأحيان. ولحق بالكيان الإسرائيلي خسائر اقتصادية قُدّرت قيمتها بـ 7 مليارات شيكل، بالإضافة إلى خسائر عسكرية تجاوزت قيمتها 1.1 مليار شيكل، وسُجّل أكثر من 5300 ضرراً أبلغ عنه المستوطنون.
المعادلات الاستراتيجية
شكّلت معركة “سيف القدس” منعطفاً استراتيجياً في تاريخ الصراع مع كيان الاحتلال لا يمكن العودة الى ما قبله، حيث طويت صفحة إمعان الاحتلال بانتهاك الشعب الفلسطيني أو المقدسات دون أن يتلقى رداً من المقاومة. وقد شهدت الأيام الماضية (خلال شهر رمضان الذي تزامن مع الأعياد اليهودية) كيف منعت معادلات هذه المعركة الاحتلال من المساس بالأقصى وتهويده.
كذلك أعادت المعركة إحياء فعاليات المقاومة في مختلف مناطق الضفة الغربية لا سيما في جنين حيث نهضت “كتيبة جنين”. وفي مدن الدّاخل المحتل أعاد الفلسطينيون بعملياتهم ومظاهراتهم تذكير الاحتلال بـ “كابوس” المواجهة في عمق الاحتلال مع كل ما ينعكس ذلك تهديدا جدياً على “أمن” هذا الكيان. وقد أكّد عضو المكتب السياسي في حركة الجهاد الإسلامي نافذ عزّام “الآثار المباركة لمعركة سيف القدس هي ما نراه اليوم في كل مكان من القدس إلى غزة إلى جنين”.
إقليمياً، كانت “سيف القدس” السبب الرئيسي في انطلاق المعادلة الإقليمية وتشكيل محور القدس، وفي هذا السياق أشار القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش أن “من تداعيات معركة سيف القدس بدء حلف القدس بالتشكل بشكل أكبر…وتقاطع بنادق المقاومين في فلسطين ولبنان وكل الساحات”، لافتاً الى أن “الأنظمة العربية لم تقدم بندقية واحدة للمقاومة الفلسطينية…فليخجلوا من أنفسهم، لكن “نحن لسنا وحدنا في المواجهة، نحن خلفنا أمة ومعنا حلف القدس”.
لم تنتهِ التداعيات الاستراتيجية للمعركة مع وقف إطلاق النار بل إنها ممتدة لتكون “البداية للأيام السوداء التي تنتظر العدو الصهيوني من أجل زواله”، حسب ما صرّح نائب قائد هيئة الأركان لكتائب القسام مروان عيسى.
الكاتب: غرفة التحرير