من دون قصد، أكّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في بيانه الأخير، على هدف المناورة الحقيقي التي أجرتها المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله، عندما قال في ختام بيانه: “خطوة المناورة لن تستفيد منها إلا إسرائيل”.
فالحزب لم يقصد من هذه المناورة، التي حضرها بشكل غير مسبوق أكثر من 600 صحفي يمثلون عشرات المؤسسات الإعلامية اللبنانية والعربية والأجنبية، بكل إجراءاتها وأقسامها وشيفراتها، سوى أن يكون الكيان المؤقت هو المُرسل إليه، لاسيما في هذه المرحلة الزمنية المفصلية التي تمرّ بها منطقتنا والعالم.
وبعكس ما يدّعي الكثيرون من خصوم المقاومة في لبنان، بأن هذه المناورة ستستدرج الكيان ليشن حرباً على البلد، فإن التجارب تؤكد العكس تماماً، بأن إسرائيل ومن خلفها أمريكا، لو كانوا متيقنين من انتصارهم على حزب الله، لما تأخروا ثانيةً عن ذلك، بل إن شيفرات المناورة ستساهم في تأخيرهم أكثر فأكثر، وربما ستسحب من أيديهم زمام المبادرة.
وسنستعرض هذه الشيفرات منذ ما قبل وصول الوفد الإعلامي المدعو الى منطقة المناورة وصولاً الى ما بعد انتهاء المناورة:
_الدعوة العلنية وحرص الحزب على أكبر تغطية صحفية وإجراءات الاستقبال: لطالما كانت فعاليات الحزب العسكرية، تتخذُ طابعاً سرياً من ناحية تزويد الإعلاميين بالتفاصيل والمعلومات المسبقة حولها. إلا أن هذه المناورة منذ الدعوة إليها قبل أسبوع تقريباً، كان لافتاً توضيح كل شيء حولها لناحية المكان والبرنامج، وكانت الدعوة مفتوحة لجميع من يرغب من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، وجرى تأمين النقل وما يتطلبه الأمر من إجراءات مختلفة.
وعند مدخل الموقع العسكري في منطقة المناورة “كسارة العروش”، كما لم يكن هناك أي إجراءات تمنع أو تحدّ من استخدام معدات التصوير أو استعمال الهواتف المحمولة، بل حتى إجراء تفتيش للأشخاص والمعدّات، بشكل أوحى بأن حزب الله يريد أوسع انتشار لصور ومقاطع الفيديو الخاصة بهذه المناورة، لكي يستحيل عدم وصولها الى المُرسل إليه.
_ ظهور وحدات عسكرية جديدة: فرق إطفاء عسكرية مزوّدة بآليات ومعدات خاصة بمهامهم، وفريق آخر يحمل عناصره أسلحة مخصصة لتعطيل الطائرات بدون طيار، شبيهة بتلك التي تستخدمها فرق حماية رؤساء الدول العظمى مثل روسيا وأمريكا، وهذا دليل على تزود حزب الله بهذه الأسلحة ايضاً، وأنه كما يمتلك سلاح الطائرات دون طيار يمتلك أيضاً وسائل تعطيلها ومكافحتها.
كما كان لافتاً الكشف رسمياً، عن شعارات الوحدات العسكرية العاملة في صفوف المقاومة، خاصةً قوة الرضوان والقناصة، وهذا ما يدلّ على أن حزب الله بدأ يعتمد الكثير من المعايير العسكرية الكلاسيكية، ضمن وحداته وقواته، مع الحفاظ على عامل السرية من خلال التزام أفراد كل وحدة بنوع محدّد من قناع الوجه أو الكمامة.
_التشويش على إرسال الهواتف المحمولة: ربما لأهداف أمنية، جرى حجب إرسال الهواتف المحمولة بعد الاستقبال، ثم إعادتها سريعاً، رغم عدم تعرض الأجهزة اللاسلكية الخاصة بالحزب للانقطاع، وهذا ما يدلّ على امتلاك المقاومة لقدرات متطورة في هذا المجال، تشويش ومضادة للتشويش، سيتم استخدامها بالتأكيد خلال أي حرب مقبلة.
_ استخدام الطائرات المسيّرة عن بعد بكثافة: جرى استخدام الطائرات المسيّرة عن بعد لتصوير إجراءات المناورة بكثافة لافتة، كما أظهر مشغلو هذه الطائرات طوال الوقت كفاءة عالية في استخدامها وتسييرها بنفس التوقيت، ودون حصول أي خللٍ او ارتطام أو إصابة برصاص أو شظايا من العبوات.
كما جرى استخدام طائرة بدون طيّار تكتيكية، شبيهة جداً بتلك الطائرات التي أرسلها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات على منطقة معوض. وقامت هذه الطائرة بتنفيذ هجمات دقيقة على أهداف محدّدة، بما يشبه ما حصل من هجمات خلال العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهذا يدلّ أيضاً على مواكبة واستفادة الحزب من الدروس والخلاصات في هذه العملية.
_ دقّة التصويب: كان لافتاً دقة التصويب التي تمتع بها عناصر وحدة القناصة، وعناصر وحدة الرضوان، بحيث أنه بالرغم من تنوع التمارين التي أدوها، وتداخل المهام ورماية الأهداف المختلفة، إلا أنه لم يسجّل أي إصابة خاطئة بالأفراد بل وحتى بالمعدات.
_تركيز المناورة على الطبيعة الهجومية للأعمال العسكرية: فقد اقتصرت سيناريوهات المناورة على: اقتحام مستوطنة وأسر جنود والسيطرة على آلية عسكرية معادية، الهجمات من خلال الدراجات النارية، استخدام الآليات السريعة والصغيرة المخصصة لعمليات الكوماندوس، تفجير الجدار المشابه للجدار الأسمنتي على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.
وهذا ما يدلّ على أن الحزب سيركّز في الحرب المقبلة، على الطابع الهجومي لعمليات القوات الخاصة ضد الكيان المؤقت، تحت عنوان “قسماً سنعبر”. وقد أجاد عناصر وحدة الرضوان تنفيذ كل السيناريوهات بتفوق.
_انتشار فريق كبير للإعلام الحربي: برز قبل وخلال وبعد المناورة، انتشار فريق كبير تابع للإعلام الحربي في المقاومة، وهذا يدلّ على أن الحرب المقبلة ستكون مختلفة عن مثيلاتها لناحية نقل الصورة المقاومة، بحيث قد تكون في كل مربض من مرابض المقاومة، لتوثق الإنجازات، وتكشف إخفاقات الجيش الإسرائيلي، وتؤكد على الجهوزية الكبيرة لتحقيق أحد وعود الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال أي حرب مقبلة، بعرض تدمير القوات الإسرائيلية بالبثّ الحي.