حسين الامين – الأخبار
تضع دمشق، ومعها حلفاؤها في طهران وموسكو، منذ سنوات، نصب أعينهم حتمية استرجاع الجيش السوري سيطرته على كامل الأراضي السورية، وخصوصاً منطقة الشرق، حيث تتواجد قوات الاحتلال الأميركي منذ تشرين الأول 2015، في إطار ما يعرف بـ«التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش»، والذي عقد اجتماعه الدوري قبل يومين في الرياض. وإذ لا يمكن فصل الاحتلال الأميركي للشرق السوري، عن القوى الكردية التي فتحت الباب واسعاً لدخول وتمدّد هذا الاحتلال بـ«معيّتها»، طوال السنوات الماضية، فإن القيادة السورية لا تنظر إلى الأميركيين، كما تنظر إلى خصومها السوريين، وأبرزهم «قوات سوريا الديمقراطية». فعلى الرغم من تورّط هذه الأخيرة في التماهي مع واشنطن ومشروعها الاحتلالي إلى حدّ بعيد، إلّا أن دمشق لا تدرج الخيار العسكري ضمن أدوات التعامل مع «قسد»، بل تستنفد منذ سنوات كلّ الأدوات السياسية للوصول إلى تسويات جزئية معها، منها ما كُتب له النجاح، ومنها ما أحبطه الأميركيون بضغوط مباشرة على قيادة «الإدارة الذاتية». في المقابل، ترى الحكومة السورية في الخيار العسكري في مواجهة الاحتلال الأميركي، حقاً سيادياً، وواجباً وطنياً، مع إدراك حدود القدرة العسكرية والعملياتية، والظروف السياسية، وأولويات المعركة التي كانت محتدمة ضدّ الجماعات المسلحة في باقي الجغرافيا السورية. كما تنظر مراكز القرار في «محور المقاومة» إلى الوجود الأميركي في هذه المنطقة بالتحديد، على أنه يندرج بشكل أساسي ضمن خطّة ممارسة الضغوط الاقتصادية على الحكومة والشعب السوريَّيْن، من خلال حرمانهم الاستفادة من آبار النفط والغاز المنتشرة في المنطقة، والتي كانت تغطّي معظم حاجة البلاد قبل الحرب، فضلاً عن حقول لم يجرِ الاستثمار فيها بعد.
انطلاقاً من ذلك، لا يبدو خافياً على أحد، وخصوصاً على الأميركيين أنفسهم، أن دمشق تدعم مجموعات «المقاومة الشعبية» ضدّ الاحتلال الأميركي في الشرق السوري، من دون تبيّن حجم هذا «الدعم» ونوعه، مع الإشارة هنا إلى أن أفراد هذه المقاومة هم من أبناء الجزيرة السورية، ويملكون الدافعية الكاملة لمواجهة الاحتلال بأيّ شكل. وإلى جانب حكومة دمشق، فإن حلفاء سوريا في «محور المقاومة»، ليسوا بعيدين أيضاً عن المسار المُشار إليه، حيث يلعب المستشارون العسكريون الإيرانيون، بالتعاون مع الجيش السوري، دوراً بارزاً في دعم «المقاومة الشعبية» على مختلف الصعد. أيضاً، دشّن حلفاء دمشق، منذ مدّة، مساراً يصبّ في الخانة نفسها، عنوانه أن الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، يكون باستهداف القواعد العسكرية الأميركية في الشرق السوري، وفي التنف أيضاً. وتمثّل آخر تجلّيات هذه المعادلة في استهداف القوات الأميركية، أواخر شباط الفائت، في عدة قواعد في رميلان وخراب الجير والعمر وكونوكو، ما أدى إلى مصرع متعاقد أميركي، وإصابة آخرين. يومها، ردّ الأميركيون بقصف مواقع تشغلها قوات حليفة لدمشق، وأعقبت الردّ جولة من التراشق الصاروخي وبالطائرات المسيّرة، في مشهد بدا تصعيدياً ولافتاً، وأشعل الضوء الأحمر لدى واشنطن وتل أبيب بشكل خاص، ولدى دوائر الاستخبارات المختلفة، وأنذَر بما يمكن أن تكون عليه المرحلة المقبلة.
انطلق مسار عمليات المقاومة ولا عودة عنه وهو ما تلمسه واشنطن وتعدّ العدة لمواجهته
قبل نحو 10 أيام، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تقريراً مطوّلاً تحدّث عن معلومات استخباراتية ووثائق رسمية، حصلت عليها الصحيفة، تفيد بأن إيران تخطّط لتصعيد الهجمات ضدّ القوات الأميركية في سوريا. وذكر التقرير أن «إيران وحلفاءها يعملون على تدريب قوات على استخدام عبوات خارقة للدروع أكثر تدميراً، تهدف تحديداً إلى استهداف المركبات العسكرية الأميركية، وقتل جنود الجيش الأميركي». وبحسب وثيقة سرّية أميركية، فإن «مسؤولين في فيلق القدس الإيراني وجّهوا وأشرفوا على اختبار بعض المتفجّرات أواخر كانون الثاني الماضي»، في سوريا. كما تشير الوثيقة إلى أنه «جرى إحباط محاولة تفجير عبوة مشابهة، على ما يبدو، في أواخر شباط الماضي»، عندما اكتشف عناصر من «قسد» 3 عبوات في شمال شرقي سوريا.
في الصورة الأعمّ، فإن إيران وحلفاءها يخوضون منذ احتلال العراق وقبله أفغانستان – وأحياناً قبل ذلك بكثير – معركة كبرى وواسعة ضدّ القوات الأميركية في المنطقة، وخصوصاً في الساحات التي يكون لـ«المحور» تواجد فيها. وامتداداً لهذا المسار، فإنهم اليوم أيضاً يخوضون المعركة ضدّ الاحتلال الأميركي في سوريا، خصوصاً بعد تحقّق استقرار كبير في الجبهات السورية المختلفة، بفعل تفاهمات ترعاها روسيا وإيران مع تركيا، ما فتح المجال أمام القيادة السورية وحلفائها للتحرّك في اتجاه الضغط على القوات الأميركية. وإذ تتفاوت وتيرة عمليات المقاومة من حين إلى آخر، فإن الأكيد أن هذا المسار انطلق ولا عودة عنه، وهو ما تلمسه واشنطن وتعدّ العدة لمواجهته، عبر الاستعانة بمجموعات مختلفة من المقاتلين الموالين لها داخل سوريا، ليكونوا هم في المواجهة، بشكل يشبه ما كان عليه «جيش لحد»، أو جيش عملاء إسرائيل، في جنوب لبنان قبل التحرير عام 2000، حيث كان عناصره متاريس تتلقّى ضربات المقاومة، بينما يهرب جنود العدو الإسرائيلي، ويحتمون لتقليل الخسائر، ولا يبعد أن يكون مصير أمثال الأوّلين في سوريا مشابهاً لمصيرهم. في المقابل، تحاول القيادة الكردية في شرق سوريا تحييد نفسها عن أداء مهمة في مواجهة «المقاومة الشعبية» أو الجيش السوري وحلفائه، كونها تدرك حجم وتبعات الانتقال إلى ذلك المستوى من خدمة الأميركيين، ولأنها تريد حفظ «خط الرجعة» مع دمشق، في ظلّ متغيّرات سريعة في الظروف السياسية الإقليمية والدولية، قد تجد معها «قسد» نفسها، في ليلة واحدة، عارية من الغطاء الأميركي.