فاتن الحاج – الأخبار
لا يختلف «معهد الأمل الفني» في الصرفند، وهو مشروع مشترك بين المديرية العامة للتعليم المهني والتقني والجمعية اللبنانية لرعاية المعوّقين (ترأسها رندة بري)، عن بقية المشاريع المشتركة في التعليم المهني. الحكاية هي نفسها: معاهد أو مدارس مهنية أُسست لأهداف تنفيعية شخصية وتوظيفية للقوى السياسية من دون استثناء، إذ لكل طرف حصة في كل منطقة. وهذه، في العادة، مشاريع تموّلها الدولة، وتديرها لجنة تنفيذية مؤلّفة من ممثلين عن مديرية التعليم المهني وعن مؤسسة خاصة. وتعتمد، للتعاقد مع الأشخاص الذين يتقاضون تعويضاتهم، الشروط والأصول المحددة للمتعاقدين مع الإدارات العامة.
الفرق بين هذا المعهد وغيره من المشاريع المشتركة أن مديره نبيه مراد أصبح اليد اليمنى للمديرة العامة للتعليم المهني بالتكليف، هنادي بري، في كل قرارات المديرية، منذ توليها مهماتها. فهو المسؤول عن إدارة الحوافز بالدولار الأميركي المموّلة من جهات دولية مانحة لكل أساتذة التعليم المهني الرسمي والموظفين الإداريين، وهو من يقرر الأسماء المستوفية لها. وقد جُهّز له، لهذه الغاية، مكتب في الطبقة الثانية عشرة في مبنى وزارة التربية في الأونيسكو، ومكتب آخر في الدكوانة في غرفة المديرة العامة، بعدما أوكلت إليه إدارة البرنامج الإلكتروني الذي يستقبل لوائح الطلاب من المعاهد والمدارس المهنية الخاصة. وهو وحده يملك فتح البرنامج وإقفاله في أي وقت لاستقبال اللوائح خارج المهلة القانونية لتسجيل الطلاب وترشيحهم للامتحانات الرسمية، بكل ما يحتمل ذلك من صفقات بين المديرية و«دكاكين التعليم الخاص» المهنية، من تسجيل طلاب وهميين وتزوير إفادات وترفيع راسبين، تماماً كما يحصل في مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية مع دكاكين المدارس الخاصة، علماً أن استقبال لوائح الطلاب في المعاهد الخاصة والتدقيق فيها هما من صلاحية دائرة الإرشاد التربوي في المديرية.
وتؤكد مصادر إدارية في معهد الأمل (كان يسمى معهد الصرفند الفني) أن العقد بين المديرية والجمعية اللبنانية لرعاية المعوّقين، تضمّن تخصيص مبنى للمعهد في «مجمع نبيه بري لذوي الاحتياجات الخاصة». لكن، مع الوقت لم يبق سوى عدد من الغرف مخصّص للإدارة الرئيسية ومركز الخياطة وقسم الفندقية. فيما نُقلت بقية الاختصاصات إلى مبنى في بلدة البابلية وهبه أحد المتموّلين للجامعة الإسلامية لفتح فرع لها هناك. وليس معروفاً ما هي طبيعة العقد بين الجمعية والجامعة وصيغة استخدامه بالضبط: هل يستأجر المشروع المشترك المبنى من الجامعة الإسلامية؟ ومن يدفع الإيجار: المديرية العامة أم الجمعية؟ وهل نُقل المعهد من الصرفند إلى البابلية بقرار جديد أو وفق العقد القديم؟
مدير المعهد، كغيره من مديري المشاريع المشتركة، يبتزّ الأساتذة المتعاقدين ويهدّدهم بالفصل ما لم يتنازلوا عن عدد من الساعات التعليمية التي يؤمّنها لهم، كأن يعطي مثلاً الأستاذ عشر ساعات تعليم فعلي في الأسبوع، في حين يسجل على الدفتر أنه درّس 20 ساعة، ويرفعها إلى وزارة المال، وعند قبض المستحقات، يجري الاتصال بالأستاذ لدفع بدلات الساعات العشر المتبقية للمدير الذي يتقاسمها مع آخرين. أي أنه يوجد جدولان: الأول للمعهد والثاني مزوّر يُرسل إلى المديرية. وبحسب المصادر، فإن هذا الواقع في المعهد مستمر منذ عام 2016 بالحد الأدنى.
يرفع المدير عدد ساعات بعض المتعاقدين ويقاسمهم على البدل
ومن المخالفات الإدارية والمالية في المعهد التي تتحدث عنها المصادر صرف مستحقات عن السنة الدراسية الماضية 2021 -2022 لمعلمة وزوجها لم يداوما سوى شهرين قبل أن يهاجرا إلى ألمانيا. «كذلك يتم استغلال قسم الخياطة الذي بقي في مجمع نبيه بري في الصرفند لتلبية حاجات المجمع والمعهد على السواء كخياطة أزياء الطلاب والعاملين في المجمع والمعهد وبيعها بأسعار مرتفعة، كما يتم استغلال قسم الفندقية وتسجيل طلبات أكل وخُضر واحتياجات لتنظيم موائد خاصة بالمجمع، عدا أن المدير هو رئيس مركز في الامتحانات الرسمية المهنية ويسجل ساعات مراقبة وتصحيح لمن يهمه أمرهم».
23 سنة مضت على آخر مباراة تثبيت لأساتذة التعليم المهني الرسمي عبر مجلس الخدمة المدنية. منذ ذلك الوقت، أحكمت العقلية الزبائنية سيطرتها على مسار التعاقد السنوي مع الأساتذة. ووفق المصادر، ترافق ذلك مع تشعيب المصانع بحسب الشهادات التعليمية، بهدف استحداث مواقع إدارية جديدة للأساتذة المعيّنين من جهة وزيادة أعداد المتعاقدين في التعليم من جهة ثانية.
التشعيب لم يطاول المصانع والمختبرات فحسب، بل القاعات الدراسية أيضاً. فالتعميم الرقم 5 بتاريخ 16/9/2010 سمح بالتجزئة إلى شعبتين إذا كان عدد الطلاب يتجاوز 24 طالباً، إلا أنّ المصادر تحدّثت عن واقع مختلف، وهو اعتماد التشعيب عندما يصبح عدد الطلاب 13 وليس 24 لمضاعفة الأساتذة المتعاقدين في الساعات النظرية والتطبيقية على السواء.
وبهدف استكمال العدد الذي يبرّر افتتاح شعبة إضافية، يجري تسجيل طلاب وهميين عن طريق ابتزاز الأساتذة، أصحاب الحاجة. وهنا تشرح المصادر أن المدير يطلب من الأساتذة المنويّ التعاقد معهم أن يدفعوا رسوم الطلاب الوهميين كشرط لافتتاح الشعبة.
وتقول المصادر إن معهد الأمل هو الوحيد الذي لم يلتزم بإضراب رابطة أساتذة التعليم المهني الرسمي، وأجبر الأساتذة على الحضور تحت طائلة الاستغناء عن خدماتهم، وأنجز الطلاب برامجهم وأجروا امتحاناتهم المدرسية، باعتبار أن المدير الذي يقبض جزءاً من المستحقات هو الخاسر الأكبر من الإضراب.