فؤاد بزي – الأخبار
عام 2021، فقط، خسر لبنان 6 ملايين و730 ألف متر مربّع من الغابات الحرجية بسبب أعمال التحطيب، بحسب موقع «غلوبال فورست واتش». ومنذ عام 2019، مع ارتفاع أسعار مواد التدفئة أو فقدانها، ومن دون حساب شتاء العام الماضي، وصلت الخسائر في الأراضي الحرجية إلى 15 مليوناً و86 ألف متر مربع من الأشجار المعمّرة والنادرة، كالشوح واللزاب، والتي تحتاج إلى عشرات السنوات لـ«تفرّخ» مجدداً. الأسوأ أنّ هذه الأرقام مرشّحة للارتفاع أكثر بعد احتساب خسائر شتاء 2022 الذي شهد قطعاً جائراً لا سابق له.
عام 1995، كانت الغابات تغطي 35% من أراضي لبنان. لكنها تشهد تراجعاً مستمراً، ووصلت عام 2021 إلى 13% فقط. ومنذ عام 2019، تتراجع المساحات الحرجية بنسب متزايدة، إذ تقلّصت عام 2018 بحوالي 2.5 مليون متر مربّع، وزادت الخسارة عام 2019 بنسبة 50% لتصل إلى 3.65 ملايين متر مربّع، وصولاً إلى عام 2021، حيث سجّلت نسبة الخسارة 200% مقارنةً بمتوسّط الأعوام العشرين السّابقة، ما يشير إلى احتمال اختفاء «لبنان الأخضر» تماماً في الأعوام المقبلة، إذا بقيت الأمور على حالها.
«كارثة»، «مجزرة» و«جريمة»، أكثر العبارات التي تتردّد على ألسنة الناشطين البيئيين. «القطع غير قانوني وإجرامي، ونرى تغييراً في معالم الأحراج» يقول مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند الدكتور جورج متري، مؤكداً أن «المجزرة لم تتوقف بعد، وأصداء مناشير البنزين لا تزال تتردّد في الأودية والجبال».
ويقرّ مدير التنمية الرّيفية والثروات الطبيعية في وزارة الزراعة شادي مهنّا بـأنّ القطع «كان جائراً هذه السّنة». لكنه، يلفت إلى أن «لدينا زيادة كبيرة في طلبات التشحيل واستثمار الغابات بشكل شرعي، وصلت حتى آخر عام 2022 إلى 1200 رخصة».
إلا أن متري يرفض وصف ما يجري بـ«التشحيل»، بل هو «كارثة»، ولا سيّما لجهة «نوعية الأشجار وأعمارها. فأشجار الأرز والشوح واللّزاب التي تُقطع للتحطيب تحتاج إلى مئات السّنين لتنمو من جديد». وإضافة إلى انحسار الغطاء الأخضر، يشير متري إلى خسائر بملايين الدولارات ناجمة عن أعمال القطع لمصلحة تجار الأخشاب، والتي لا يذهب أيّ منها لمصلحة الخزينة أو البلديات، إضافة إلى الأضرار البيئية غير المباشرة. إذ إن «قطع الأخشاب يؤدي إلى انجرافات في التربة وخسارة كميّات من المياه الجوفية».
يصف متري القوانين التي تحمي الغابات بـ«الجيدة، لكنها غير مطبّقة، وقدرات الوزارات المعنيّة قليلة جداً»، معيداً السّبب إلى «الأزمة الاقتصادية». في حين يعتبر الناشط البيئي بول أبي راشد أنّ «الدولة لا تريد وضع حدّ للمجزرة»، مستشهداً بما يجري في منطقة البترون، «حيث هنا وجود فاعل للدولة بفعالية، بعكس جرود المنطقة الشّرقية، غير أنه لا يحول دون استمرار المجزرة». ويذكّر بما جرى في غابة حردين، حيث «قطع الصنوبر المعمّر، وعرض المعتدي أفعاله على وسائل التواصل متحدّياً الجميع. وبعد توقيفه، خرج من دون محاسبة، ومن دون أن يقضي ليلةً واحدةً في السّجن». كما يستغرب «عدم توقيف شاحنات نقل الأخشاب على الحواجز»، واصفاً ما يجري بأنّه «قبة باط من الدولة والقوى الأمنية». كذلك يرفض وصف ما يجري بالتشحيل. فهذا «يقوم به الفقراء بحثاً عن وسيلةٍ للتدفئة، فيما الأحراج تُقطع بمناشير البنزين، وتنقل آليات ثقيلة الأخشاب. ما يجري تجارة». ويبدي تخوّفاً كبيراً من «عدم قدرة الطبيعة على مجاراة القطع الجائر، ولا سيّما أنّ أشجار اللزاب والشوح والأرز لا تتكاثر بسرعة، بعكس الصنوبر والسّنديان».
البلديات تعترف بوقوع أعمال القطع الجائر، ولكن «الحلّ بيد الدولة، ومن يمكن أن يمنع الناس من التحطيب للتدفئة»، بحسب رئيس اتحاد بلديات الهرمل نصري الهق، كما أن «العديد من الأراضي المستهدفة بالقطع، ولا سيّما الجرود التي تحتوي على شجر اللزاب، تقع خارج نطاق البلديات، وتحتاج إلى حرّاس أحراج لضبط التعدّيات».
أشجار الأرز والشوح واللّزاب التي تُقطع للتحطيب تحتاج إلى مئات السّنين لتنمو من جديد
في محميّة وادي الحجير الحرجية في الجنوب، «لعبنا عسكر وحرامية مع المعتدين» يقول مدير المحمية الدكتور أحمد زراقط. ويضيف: «أوقف 30 شخصاً بالتعاون مع النّاس وحرّاس المحميّة الثلاثة. لكن، بسبب الإضرابات وتوقف عمل قصور العدل، لم يلاحقوا، فاكتفينا بمصادرة الأخشاب منهم». وحول المشهد العام للمحميّة، يؤكّد زراقط «عدم تأثره»، لكنّه لا ينفي «قطع مئات الأشجار، ما خلق مشكلات داخلها، إنّما من دون حصول عملية حلاقة تامة للشجر في أيّ بقعة منها، بل تشحيل جائر». قاطعو الشّجر، يصفهم زراقط بـ«السّارقين، إذ لا يحتاج الناس إلى هذه الكميّات الكبيرة للتدفئة. ما يجري هو عمليات بيع للأخشاب في مناطق مختلفة». ويشير إلى «أنّ أعمال سرقة الحطب في المحميّة ليست موسميّة، بل تجري في كلّ الفصول». أما المشكلة الأساسية في منطقة وادي الحجير فهي في «الملكيات الخاصة التي تزيد على 20% من مساحة المحمية، يحاول أصحابها العمل فيها وفقاً لأهوائهم، ونحاول منعهم». فـ«الشجر المثمر ملك لصاحبه» بحسب رئيس اتحاد بلديات بنت جبيل رضا عاشور، «أمّا الشجر الحرجي، ولو كان في أرض خاصة، فهو تحت ولاية البلديات، وأي تصرّف به، تشحيلاً أو قطعاً يحتاج إلى إذن خاص».
وزارة الزراعة: المشهد ليس مأساوياً
يؤكد مدير التنمية الرّيفية والثروات الطبيعية في وزارة الزراعة شادي مهنّا أن نحو 1000 محضر ضبط حُرّرت بحق المخالفين هذه السنة، مؤكداً وجود «تنسيق مع الجيش، إذ يجري توقيف شاحنات نقل الحطب على الحواجز ومصادرة البضاعة المخالفة غير المرخّصة»، وهذا ما دفع ببعض المناطق التي «لم تكن تطلب التراخيص أبداً إلى طلبها، مثل منطقتي عكار والهرمل».
معوّقات ضبط المخالفين كثيرة بحسب مهنا، فـ«الجهاز البشري غير كافٍ. هناك 150 حارس أحراج فعلياً، بينما تحتاج الوزارة إلى عدد مضاعف، إذ ينص الملاك على وجود 300 حارس. وفي بعض الأقضية هناك حارسان فقط، إضافة إلى تقلّص القدرة الشرائية والتشغيلية لموازنة الدولة، ما لا يسمح بالعمل بشكل فاعل، إذ لا يمكن اليوم تأمين محروقات لسيّارات الحرّاس».
لا أرقام رسميّة عن تطور الغطاء الحرجي هذه السّنة في لبنان، بحسب مهنّا، الذي يطمئن إلى «أن لا حلاقة للغابات حتى الآن، إنّما سرقات وقصّ متفرّق. كما لم تختفِ مناطق حرجية بشكل كامل». ويشير إلى أن الوزارة ستعمل على إعطاء تراخيص لـ«التشحيل البسيط»، مع وضع معايير ورقابة مركزيّة على أعداد الرخص المقدّمة، والأعمال المرافقة لها، كي لا تختلط الحسابات الانتخابيّة البلديّة مع أعمال استثمار الأخشاب في الغابات. ويشير إلى أنّ الوزارة تعطي رخصاً للاستفادة من الأخشاب في 3 حالات:
الملكية الفردية: إمّا شخصية، أو أملاك للأوقاف، التي تمتلك مساحات حرجية واسعة. يُقدّم طلب للتشحيل، أو التفحيم، والترخيص هنا يشمل صاحب الأرض وملتزم الأعمال، إذ تقع المسؤولية عليهما معاً.
الأملاك البلديّة: يعود عائد أعمال التشحيل هنا بنسبة الثلثين للبلدية، والثلث للصندوق الوطني للأحراج. هذا الأخير تحت إمرة وزارة الزراعة.
الأملاك الأميريّة: الأحراج فيها تحت مسؤولية وزارة الزراعة، والناتج من أيّ أعمال تشحيل فيها، يباع في المزاد العلني، بحسب قانون الغابات، ويعود إلى الصندوق الوطني للأحراج.
السفير الألماني لوزير البيئة: «وبعدين»؟
مجدداً، يتجاوز السفير الألماني في بيروت، أندرياس كيندل، الأصول الدبلوماسية، في تعاطيه مع الدولة اللبنانية. ففي تغريدة أشبه بـ«التّعليم» على وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، نشر كيندل صوراً لمكب النفايات في منطقة الجديدة. وعلّق عليها بأنه كان في زيارة أمس للمطمر الذي أشار إلى أنه يستقبل «1,300 طن في اليوم الواحد»، لافتاً إلى أنه كان يقف على «تل يبلغ ارتفاعه 30 متراً»، يشاهد منه «الأعمال التحضيرية لموقع طمرٍ جديد سيكون ممتلئاً في أقل من عام واحد». وختم كيندل تغريدته بالتساؤل: «وبعدين؟»، قبل إضافته «Mention» حساب وزير البيئة إلى التغريدة.