كتبت النهار
في الأنظمة الديموقراطية العريقة في الممارسات السوية ثمة مسلمات تتقدمها الانتخابات النيابية المبكرة حين تشتد وتيرة أزمات من النوع الشائك والمعقد الذي يعترض مسار الحكم وانتظام الأوضاع السياسية . ومع ذلك ، فان الاستقرار التمثيلي والتشريعي للبرلمانات “العريقة” ( نكرر العبارة والوصف ) في ديموقراطيتها لا يستقيم غالبا ولا ينقذ دولا وأنظمة ديموقراطية حين تضربها آفة الاهتزاز الانقسامي العمودي ، وثمة نماذج حية ناطقة وراهنة عدة أولها إسرائيل التي تتباهى بتفوقها الديموقراطي فيما صارت ازماتها الحكومية وانتخاباتها المبكرة المتكررة والسريعة المسبب الأكبر لعدم انتظام عميق يهددها عند أي تطور باطاحة حكوماتها .
لذا ، وقبل معاينة الخلفيات والاهداف غير المرئية للاقتراح الطالع من نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب باجراء انتخابات نيابية مبكرة في حال تكريس عجز المجلس الحالي عن انتخاب رئيس للجمهورية ، كنا لنرى إيجابية كبيرة في اجراء كهذا من حيث المبدأ لسببين اثنين : الأول ان هذا المجلس اثبت بعد سنة واحدة من انتخابه وبما لم يعد يحتمل جدلا عجزه وقصوره الخالصين عن ان يكون برلمانا في مستوى اخطر وأسوأ الكوارث التي طاولت لبنان وليست فضيحة ، ولا نقول ازمة الفراغ الرئاسي ، وحدها الشاهد الحي على ذلك . والثاني ان “الإدارة السياسية” لهذا المجلس شكلت اخطر انحياز مكشوف وعلني وضمني لفريق ما يسمى “الممانعة” اذ لم يعد رئيس المجلس يجد حرجا في الاعتراف بانحيازه الى فريقه وهو امر ارتد بخطورة بالغة على وحدة البلاد وليس فقط على التحكم الأحادي بالمجلس على نحو يتجاوز بتداعياته ما كان سائدا ابان الوصاية السورية .
لهذا فقط كان يمكن اقتراح الانتخابات المبكرة ان يشكل الوصفة المبدئية السليمة لاخراج البلاد من الاختناق الدستوري والتحكم الأحادي الطائفي والمذهبي والحزبي الذي يمارسه فريق الممانعة بحق الحاضر والمستقبل للبنان واللبنانيين غير آبه بالاثمان المخيفة التي ستترتب عن هذا السلوك الجنوني في الاستقواء وارتهان البلاد وتعريضها لسلسلة لن تنتهي من الكوارث .
ولكن ، أيا تكن اهداف صاحب الاقتراح في هذا التوقيت حصرا ، ومن يقف وراءه كما تشير “الشبهة” تجاه “حزب الله” تحديدا ، وما دام الشيء بالشيء يذكر لا بد من ايراد حقائق أساسية وثابتة في هذا “الملف” واولها واهمها اطلاقا ان العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية لا يعالج بوصفة انتخابات مبكرة لانه ستكون هناك استحالة اتفاق على قانون انتخاب جديد اكبر واخطر من ازمة الرئاسة ، ويستحيل اجراء انتخابات على أساس القانون الحالي الذي يشكل المجلس الحالي الاثبات القاطع على طبيعة القانون الكارثية السيئة والتي افقدت العمل البرلماني ثباته وتطوره في مقابل القليل من تحسين التمثيل لبعض الفئات. ثم ان طرح الانتخابات المبكرة من خلفية التهويل الضمني لفريق الممانعة او بعضه على المعارضة “المسيحية” تحديدا لانها نجحت في احداث توازن جدي مع ترشيح جهاد ازعور ، ومهما تفننت دعايات الديماغوجية الممانعة في محاولات تشويه هذا التطور ، لن يؤدي في أفضل الأحوال الا الى زيادة الزائد واضافة الفائض من الهوة الاخذة في الاتساع بين مسلكين سياسيين شديدي التناقض ولكن بات يحكمهما توازن غير قابل للتبدل بالسهولة الساذجة التي يتصورها البعض . واولها واخرها ان الفريق الذي تراءت له سهولة تكرار تجربة الفراغ التي سبقت انتخاب الرئيس ميشال عون قد طاشت سهامه “ولا يزال” عاجزا عن الخروج من سياسات الانكار