فاتن الحاج – الأخبار
هبط قرار مجلس الوزراء إلغاء امتحانات «البريفيه» على الجهات المعنية بالاستحقاق من دون أي تشاور أو تنسيق معها، وفي تجاهل تام لاكتمال الاستعدادات اللوجستية لوزارة التربية وتأمين المراقبين والتمويل المطلوب من الجهات المانحة لإجرائها. فهل هناك تواطؤ بين جهات سياسية على الإلغاء، وما مصير الأموال الدولية المرصودة للامتحانات؟
بعد أقل من 15 ساعة على تصريح وزير التربية، عباس الحلبي، بأن الوزارة جاهزة لإجراء الامتحانات الرسمية لجهة تأمين الأساتذة المراقبين والتمويل اللازم من الجهات المانحة، قرّر مجلس الوزراء إلغاء البريفيه لهذا العام فقط. من أين نبع هذا القرار المباغت، من خارج جدول الأعمال، إذا لم تكن أيّ من الجهات المعنية على دراية بوجوده، بدءاً من الوزير الذي نقل عنه أنه فوجئ به داخل الجلسة، إلى المدير العام للتربية، ولجنة التربية النيابية والمؤسسات التربوية الخاصة وروابط التعليم في القطاع الرسمي، ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة. ماذا الذي حصل؟ وما هي الدوافع؟ وهل البديل إفادات أم اعتماد العلامات المدرسية؟ والأهم أين ستصرف الأموال المرصودة لهذا الاستحقاق؟ وهل ستستمر الجهات المانحة في دعم شهادة الثانوية العامة، أم أنها ستفقد الثقة بأجهزة الدولة؟ وهل الهدف هو مجرد حجب المخصصات المالية التي تقدمها الدولة للامتحانات، أم أن هناك تواطؤاً بين جهات سياسية تقف خلف الإلغاء؟ وماذا عن رسوم طلبات الترشيح للامتحانات؟ هل ستعاد إلى الطلاب، وخصوصاً أن المدارس الخاصة لم تلتزم بقيمة الرسم الرسمي (20 ألف ليرة للبريفيه و40 ألفاً لشهادة الثانوية العامة)، ومنها من تقاضى مليوناً و500 ألف ليرة؟ وماذا عن الساعات الإضافية التي سجلت لموظفي الوزارة لقاء عملهم في التحضيرات اللوجستية التي بدأت سابقاً؟ هل سيتقاضون البدلات المالية عنها؟
اللافت، عشية الجلسة، كان غياب وزير التربية عن اجتماع عُقد بين نواب من كتلة اللقاء الديمقراطي النيابي برئاسة تيمور جنبلاط (الذي يُحسب الحلبي من حصته) ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في السراي الحكومي، تم خلاله التطرّق إلى الملف التربوي لجهة كيفية تأمين عام دراسي طبيعي السنة المقبلة في التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية. وحضر الاجتماع النواب وائل أبو فاعور وهادي أبو الحسن وفيصل الصايغ.
في تفاصيل جلسة مجلس الوزراء أنه جرى اختراع حجة عدم وجود قدرة لوجستية لدى القوى الأمنية لحماية مراكز الامتحانات لتبرير القرار «غير المسؤول» ولإيجاد مخرج لوزير التربية الذي قال للحاضرين إنه لا يستطيع أن يبلغ الناس بمثل هذا القرار، بعدما أعلن قبل ساعات أن هناك جاهزية تامة لإجراء الامتحانات. استمع الوزراء إلى وجهة نظر الحلبي، وأبدى عدد منهم رغبتهم بالإلغاء على خلفية أن لا مبرر لإجرائها بما أن نسبة النجاح هي 97 في المئة، ومن الوزراء من أيّد الإلغاء لتخفيف التوتر عن أبنائهم وأقاربهم!
الحجة «الأمنية» مردودة
وبعدما أشار وزير الداخلية بسام مولوي إلى أن هناك ضغطاً على القوى الأمنية، «وإن كان هذا لا يعني أنها غير جاهزة، إنما يفضل أن تلغى بما أن هناك امتحانات للثانوية العامة»، لم يحدث أي نقاش في الأمر، علماً أن هذه حجة غير منطقية ومردودة، بما أن مهمة القوى الأمنية في الامتحانات لوجستية بالدرجة الأولى، وهي التدقيق في بطاقات الترشيح والأوراق الثبوتية، وليست أمنية، وإذا كان هناك نقص في عديد القوى الأمنية، يمكن الاستعانة بالجيش أو الشرطة البلدية أو حتى بالأساتذة المراقبين في مراكز الامتحانات.
الحلبي صرح بعد الجلسة بأنه عرض وجهة النظر التربوية للمديرية العامة للتربية ودائرة الامتحانات والمركز التربوي للبحوث والانماء، ورأي المدارس الخاصة «الذين أجمعوا على ضرورة إجراء هذا الامتحان، الا أنني استمعت الى ما أدلى به الوزراء، وبصورة خاصة إشارة وزير الداخلية حول إمكانات القوى الأمنية لتأمين سلامة الامتحانات وضرورة تركيز الجهد على إجراء امتحانات الثانوية العامة لـ 3 أيام بدل الجهد الذي سيصرف على الشهادة المتوسطة، لأن هناك صعوبات لوجستية لدى قوى الأمن، لذلك اتّجهنا الى هذا الخيار».
قرار غير قانوني
رئيس لجنة التربية النيابية حسن مراد أكد أيضاً أنه لم يكن على علم بالقرار، إذ «ليس لديّ أيّ تواصل مع مجلس الوزراء» وإن كان شخصياً مع فكرة الإلغاء عموماً، «وهذا العام خصوصاً لأنها كانت سنة استثنائية ولم يحصّل فيها تلامذة المدارس الرسمية أيّ شيء». فيما وصف عضو اللجنة النائب إيهاب حمادة القرار بـ«الهرطقة التي تضرب المستوى وتشجع بيع الشهادات والنجاح في دكاكين التعليم الخاص، فضلاً عن أن القرار غير قانوني، فشهادة البريفيه صادرة بقانون في مجلس النواب، ويجب إلغاؤها بقانون وليس بمرسوم في مجلس الوزراء».
بعض الوزراء أيّدوا الإلغاء لتخفيف التوتر عن أبنائهم وأقاربهم
ممثلو المدارس الخاصة فوجئوا أيضاً بما سموه «قراراً متسرعاً وغير مدروس، وخصوصاً لجهة عدم طرح البديل وما إذا كان الإفادة أو العلامات المدرسية». وأكد منسق اتحاد المؤسسات التربوية، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، يوسف نصر، الحاجة إلى إجراء اختبار وطني عام للبريفيه، سائلاً عن الدوافع الحقيقية للقرار من دون أي تشاور أو تفكير بالبديل. ورفض إعطاء الإفادات، داعياً إلى اعتماد العلامات المدرسية معياراً للنجاح والترفيع إلى الصف الأعلى، فـ«المدرسة أدرى بطلابها ومستواهم». ورأى رئيس نقابة المعلمين، نعمه محفوض أن «مثل هذا القرار التربوي لا يتخذ في 5 دقائق خلال جلسة مجلس الوزراء، إنما تناقشه الجهات التربوية المعنية في 4 أو 5 جلسات وتطرح البديل المناسب»، سائلاً عما إذا كان «الهدف هو تنفيع بعض الأشخاص. أما إذا كان السبب مالياً، فلتلغَ الثانوية العامة وليلغَ التعليم وليس فقط الامتحانات».
وأشار رئيس رابطة المعلمين الرسميين، حسين جواد، إلى «أنهم انتظروا أن نهدد بمقاطعة امتحانات البريفيه، إلا أننا لم نفعل فبحثوا عن حجة أخرى». وأشار إلى «إمكانية التهديد بعدم مشاركة المعلمين في المدارس الابتدائية والمتوسطة الرسمية في امتحانات الثانوية العامة».