كتبت النهار
بالنسبة الى مجموعة الدول الصديقة للبنان التي اجتمعت في الدوحة اخيرا من ضمن الجهد لدفع القوى السياسية في لبنان الى انتخاب رئيس للجمهورية لم تحرج هذه الدول في اي حال الثنائي الشيعي وان لم تتبن مقاربته الحوارية لانهاء الازمة الرئاسية على رغم اعتبار غالبيتها ان لم يكن جميعها ان سلاح ” حزب الله” يشكل العائق الاساس امام انهاض الدولة وتقويتها . ولكن لا توجه دوليا راهنا في اتجاه مقاربة سلاح الحزب في حين ان وضع صيغة سياسية جديدة للبنان على الطاولة على خلفية تتناول ابعد مما تفرضه المرحلة الراهنة اي اجراء الاستحقاقات الدستورية والاتفاق على العناوين لانقاذ البلد تفترض عملانيا في اقل تعديل تنفيذ اتفاق الطائف الذي نص على حل كل الميليشيات فيما ان سوريا ابقت على سلاح الحزب لدى توليها تنفيذ الاتفاق ابان وصايتها، ان لم يكن بحث صيغة جديدة للنظام اللبناني بعيدا من سلاح الحزب. فاذا كان لاي مؤتمر خارجي ان يتناول ايجاد حلول فعلية لازمة لبنان ، فموضوع سلاح الحزب لن يكون بعيدا على الاطلاق بل على العكس سيكون في صلب اي صيغة جوهرية جديدة للبنان. والواقعية لدى “حزب الله” تفترض اخذ ذلك في الاعتبار كطمأنة او ضمانة له في ظل التحولات الكبيرة في المنطقة ، لا سيما انه لا يعتبر الدول التي اجتمعت في الدوحة حليفة او صديقة له . وهذا يشمل فرنسا في نهاية الامر ( البرلمان الاوروبي الذي تشكل فرنسا جزءا منه طالب بوضع الحزب بالكامل والحرس الثوري الايراني على لائحة التنظيمات الارهابية). ولا يمكن الحزب ان يحظى بافضل من ذلك في ظل الظروف الراهنة لا سيما ان توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل ازالت الكثير من الذرائع الحقيقية ايضا لسلاح الحزب ومبرراته . فهناك فارق كبير بين الوقائع والحقائق الديبلوماسية والاخرى المعتمدة لاسباب او اهداف سياسية مختلفة .
ولا يساعد ما يجري في العراق مع الكلدان المسيحيين الحزب في مقاربته الرئاسية . كتب وزير خارجية العراق السابق هوشيار الزيباري مقالا في صحيفة “الشرق الأوسط” بعنوان ” ماذا يريد العراق من مسيحييه ؟ ” استعرض فيه خطورة المقاربة المعتمدة من السلطة العراقية والتي تساهم في تهجير من بقي من المسيحيين في العراق لا سيما مع هجرة بطريرك الكلدان مقره في بغداد الى اقليم كردستان . فهذا الامر نموذج لما يخشاه المسيحيون فيما انه ينبغي على الحزب ان يقر بانه لا يستطيع تجاهل راي القوى المسيحية او يصادر قرارها في الوقت الذي قد يكون تبنيه على نحو مباشر لرئيس تيار المردة سليمان فرنجيه اكثر ما اساء الى الرجل في مسعاه الرئاسي الوفاقي او التوافقي في محطات مختلفة ، وفي الوقت الذي تمتع فرنجيه في الاصل اما بدعم خارجي لا بأس به او بعدم ممانعة برئاسته من دول مؤثرة كالولايات المتحدة او المملكة السعودية.
مع ان غالبية القوى السياسية لم تر في اجتماع الدول الخمس في الدوحة خطة عملية لاخراج لبنان من ازمته فان مصادر ديبلوماسية تستبعد ان يحصل ذلك ولا بد من مبادرات داخلية يتم دعمها من الخارج ولكن اكثر واقعية من المعادلة التي تبنتها فرنسا وفشلت وبحوار قد لا يتطلب طاولة حوار فعلا لان اي تسوية يتم التوصل اليها او يجب التوصل اليها يجب ان تلحظ توافقات واسعة حول جملة امور ولا تحصل عملانيا حول طاولة حوار . ثمة واقعية يجب ان ينتقل اليها الثنائي الشيعي في ضوء مواقف الدول الخمس وكذلك القوى السياسية الاخرى في حال صدقت النيات المعبر عنها في المواقف المعلنة وكان اخرها بيان كتلة “الوفاء للمقاومة” التي اعتبرت أن إنجاز الاستحقاق الرئاسي “هو هم وطني بالأصل يتوجب على اللبنانيين تحمل المسؤولية إزاءه، وإن أي رهان على مساعدة أصدقاء لا يصح أن يتحول خيارا بديلا عن الجهد الوطني أو معطلا له ” . حان الوقت في رأي مصادر ديبلوماسية ليبدأ الثنائي الشيعي بالانعطاف الى خيارات اخرى “منتصرا” بما يعتبر انه حققه في جلسة 14 حزيران والتي لن تتكرر قياسا الى الرهان على تحول لن يحصل اذا اخذ النواب ( لا سيما النواب السنة ) في الاعتبار بيان اللجنة الخماسية في الدوحة . وتاليا ماذا عن ترجمة ذلك بمقترحات عملانية تخرج الازمة من عنق الزجاجة لا سيما مع فراغ اضافي في حاكمية المصرف المركزي وما يمكن ان يفتح الباب على افق مجهول في ظل الارتباك الكبير لنواب الحاكم في تحمل المسؤولية المقبلة . وذلك علما ان المسؤولية يراها كثر في هذا الاطار على عاتق القوى المسيحية التي وان صح منطقها بعدم جواز تعيين حاكم للمصرف المركزي في غياب رئيس للجمهورية ، فان هناك ضرورة قصوى لاخذ وضع البلد ومآلاته ايضا اذا استمر الشغور الرئاسي لوقت طويل يرجح انه قد يستمر حتى نهاية السنة على الاقل ، فيما انه بات ينسحب على سائر المواقع المسيحية الاولى في البلد وفيما ان وساطة بكركي مثلا كان يمكن ان تؤمن توافقا او تلاقيا على مرشح لموقع الحاكم يتمتع بالمواصفات المطلوبة ويمكن ان يحظى بثقة الداخل والخارج معا كما يحظى بموافقة القوى المسيحية كلها من دون استثناء .
تقول المصادر الديبلوماسية ان كل الضجيج الاعلامي حول الاحتفال بالمغتربين والسياح لا يخفي حقيقة الانزلاق الذي يذهب اليه لبنان فيما ان الاعلام يعمم صورة ابتهاج وفرح في لبنان لا تعبر واقعيا عن القلق الكبير وانحدار حال اللبنانيين . وهناك اهتمام معقول عبرت عنه الدول الخمس وقد يخفت اذا استمرت حال الاستعصاء الداخلية وبقاء القوى وراء متاريسها السياسية فيما ان الجهد الذي بدأ من اجل التوصل الى صفقة كاملة على رغم تجاوز ذلك مبدأ احترام الدستور وصلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة والحكومة كذلك قد لا يكون هناك مفر منه ويجب ان يفضي الى نتيجة مع انها قد تتأخر طويلا .