رلى إبراهيم ، محمد وهبة – الأخبار
في الجلسة الثانية التي عقدتها أمس لجنة الإدارة والعدل النيابية مع نواب حاكم مصرف لبنان (وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين، وإلكسندر موراديان)، قدّم هؤلاء الأربعة جدول أعمال للتعامل مع الأزمة والتغطية اللازمة من السلطة التشريعية، يتضمّن مهلاً زمنية وخطوات محدّدة، مثل إقرار موازنة 2024 وكابيتال كونترول، وقوانين إعادة هيكلة القطاع المصرفي وحماية المودعين، وإصلاحات مالية أخرى. حتى إنه يتضمن تفاصيل محدّدة عن إيرادات الموازنة، وتحرير سعر الصرف بشكل «مُدار»… لكنه جدولٌ يعاكس كل ما قامت به قوى السلطة لجهة المماطلة في إقرار القوانين التي طلبها صندوق النقد الدولي، وهي أيضاً ترفض إلغاء صيرفة، وتمتنع عن تحديد وجهة الإنفاق من الاحتياط بالعملة الأجنبية. هذه الممانعة، لمسها نواب الحاكم أمس؛ بعض النواب طلبوا الاستمرار في «صيرفة»، وآخرون حذّروا من المسّ بالاحتياطات، ومنهم من شدّد على ثبات سعر الدولار وعدم المساس بالاحتياطات… رغبات متناقضة، دفعت منصوري إلى مخاطبة رئيس اللجنة النائب جورج عدوان، قائلاً: بهذا الجو، لماذا سأبقى في المجلس المركزي؟ وفي المحصّلة شكّكت الكتل النيابية في جدول أعمال نواب الحاكم الأربعة. وهؤلاء الأربعة، بدورهم، شكّكوا في نوايا النواب في الإصلاح. وبقيت الأسئلة بلا إجابات: ماذا سيكون مصير رواتب موظفي القطاع العام في مطلع الشهر عندما تنتهي ولاية رياض سلامة ويتسلّم منصوري مهامه، أصيلاً أو مستقيلاً؟ هل سيغطّي مجلس النواب منصوري ورفاقه للإنفاق من الاحتياط؟ هل لدى القوى السياسية رغبة في تبنّي جدول أعمال آخر غير «الانهيار»؟ هل ما عرضه نواب الحاكم مقبول؟ الإجابة الوحيدة التي تردّد صداها أمس، أن اللجنة ستجري مشاورات، وستبلّغ نتيجتها نوابَ الحاكم الأربعة في مطلع الأسبوع المقبل. و«بما أن الأجواء غير مشجّعة» بحسب ما قال أحد نواب الحاكم لـ«الأخبار»، «إذا لم نلمس لحين انتهاء ولاية سلامة في آخر تموز، جديّة في مقاربة طروحاتنا، بالتأكيد ستشكّل استقالاتنا موقفاً تجاه النوايا السيئة التي أُبديت تجاهنا. لكنّ الاستقالة لا تحدّد مصير موظفي القطاع العام الذين كانوا يحصلون على رواتب مدعومة على صيرفة. وليس لدى نواب الحاكم، أي تغطية قانونية بالإنفاق من الاحتياط الإلزامي، وليست لديهم تغطية حكومية بدعم رواتب القطاع العام. أما هؤلاء «المعتّرون»، فهم أكثر المتضرّرين».
خطّة بمهل زمنية
إذاً، ما هو جدول الأعمال الذي قدّمه نواب الحاكم الأربعة؟ عرض الأربعة خطّة مختصرة، مكتوبة باللغة الإنكليزية وليس العربية، تتضمن مهلاً زمنية محدّدة لتنفيذ البنود المطلوبة بحدّ أقصاه 6 أشهر «لوضع الحجر الأساس في عملية التعافي المالي». الخطوة الأولى في الخطة أن تقرّ موازنة 2023 خلال شهر، وأن تحيل الحكومة موازنة 2024 قبل تشرين الأول المقبل. وتطالب الخطّة بأن تصل جباية الخزينة إلى ما بين 240 تريليون ليرة و288 تريليون ليرة سنوياً بدلاً من 181 تريليون ليرة. وتستند الخطة إلى ما قاله البنك الدولي حول الإيرادات الضريبية التي يجب أن تتجاوز، في أي بلد، 15% من الناتج المحلي الإجمالي لتكون مفتاحاً أساسياً للنموّ الاقتصادي، ولتقليص الفقر. وبالتالي، فإن معدل الناتج بقيمة 20 مليار دولار يعني أن الإيرادات بالحدّ الأدنى يجب أن تبلغ 3 مليارات دولار. كذلك تضيف الخطة: «في سياق الجهد المبذول من أجل ضبط اقتصاد الكاش الذي بات يمثّل أكثر من 50% من الناتج، وفي سياق اتخاذ الإصلاحات الأساسية، فإن الإيرادات الضريبية يمكن أن تتجاوز 4.5 مليارات دولار».
بعض النواب يشتمّون رائحة سيناريو معدّ مسبقاً غايته تبرئة ذمّة منصوري والجهة التي يمثّلها
كما حدّدت الخطّة مهلة شهر لإعادة دراسة وإقرار قانون الكابيتال كونترول، وصولاً إلى تحرير سعر الصرف بنهاية أيلول المقبل (يكون سعر الصرف مُداراً). وفي غضون ذلك، سيكون على الحكومة إقرار وإحالة مشاريع قوانين إلى مجلس النواب خلال شهرين، وأهمها: إعادة التوازن المالي وإعادة هيكلة المصارف. وتفترض الخطّة أن يكون هناك «تنسيق بين مصرف لبنان والحكومة ومجلس النواب، في سياق عملية تطوير سوق صرف للعملات الأجنبية، وفي ابتكار آلية محدّدة للصرف من الاحتياطي على أن تتعهّد الحكومة بإعادة كل الأموال المقترضة…». لهذا الغرض، تفترض الحكومة أن يقرّ مجلس النواب قانوناً يسمح لمصرف لبنان بإقراض الحكومة من الاحتياطي الإلزامي مبلغاً لا يتعدى 200 مليون دولار شهرياً شرط ألا تتخطى القيمة الإجمالية 1.2 مليار دولار خلال 6 أشهر. وبحسب الخطّة، سينتقل مصرف لبنان خلال شهر إلى منصّة صرف جديدة بديلة من منصة «صيرفة» وظيفتها إدارة سعر صرف عائم.
الكتل النيابية: مع وضدّ
لا يبدو أن هذا البرنامج راق للكتل النيابية، باستثناءحركة أمل التي حضر معظم نوابها الجلسة مطالبين بتأمين ضمانات لنواب الحاكم الأربعة حتى يتاح لهم إكمال مرحلة ما بعد رياض سلامة، أو لحين تعيين حاكم جديد. وفُسّر هذا الموقف من نواب كتل أخرى، بأنه خطّة مدروسة من «عين التينة» للتنصّل من المسؤولية ورميها على غيرهم. ويستدلّ هؤلاء على «المؤامرة»، بالدعوة المفاجئة للاستماع إلى نواب الحاكم الأربعة، ما يشي بأن هناك «سيناريو معدّاً مسبقاً غايته تبرئة ذمّة نائب الحاكم الأول وسيم منصوري باعتباره قدّم حلولاً، ولا يتحمّل هو أو الجهة السياسية التي يمثّلها مسؤولية الامتناع عن تطبيقها، حتى لو أن القانون يحتّم عليه إدارة المصرف بكل الأحوال». وثمّة كلام آخر جدّيته ليست واضحة، عن سيناريو يتضمن الطلب من رياض سلامة تسيير الأعمال لفترة وجيزة، إذ تقول مصادر نيابية إن هناك «سعياً لتأمين غطاء بكركي بشكل واضح للمضي في التمديد إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية…»، ويجري الترويج لذلك على أساس الاختيار بين السيّئ والأسوأ.
أثناء الجلسة، بدا لافتاً كلام رئيس اللجنة جورج عدوان، عن عدم تنسيق ما بين الحكومة ونواب الحاكم متوجّهاً إليهم بالقول: «روحوا قعدوا واتفقوا»، علماً أنه هو من بادر إلى دعوتهم للاجتماع مع أعضاء لجنته التي لا تختصّ بهذه الأمور مثل لجنة المال والموازنة. كذلك، قال النائب جورج عقيص: «إن البرنامج المطروح لا دخل لنا فيه كمجلس نيابي». أما نواب حزب الله فغابوا عن الجلسة، ما فُسّر بأنه إشارة إلى عدم رضاهم عما يحصل، ولا سيما أنهم خرجوا من الجلسة السابقة قبل انتهائها. ورأى نواب التيار الوطني الحرّ، أن ما يُطرح هو برنامج تعرقله كتل نيابية منذ 4 سنوات وسط تدخلات من مصرف لبنان والمصارف، لافتين إلى أن الأمر يحتاج الى وجود رئيس جمهورية وحكومة فعّالة. أما نواب الحزب الاشتراكي، ولا سيما النائب بلال عبدالله، فقد وصفوا ما يجري بأنه تقاذف للكرة بين مصرف لبنان والحكومة ومجلس النواب، ويرون أن مطلب نواب الحاكم بتأمين الغطاء السياسي «يجري في ظل حكومة مشلولة ومجلس معطّل ومصرف مركزي يخرج عن الخدمة في نهاية الشهر. لذا، الأفضل تعيين حاكم أصيل».
من جهتها، سألت النائبة حليمة قعقور عن الدراسات التي بُنيت عليها هذه الخطة، مطالبة «النواب الأربعة» بالقيام بواجباتهم في إدارة المصرف المركزي من دون شروط، وبما يتوافق مع قانون النقد والتسليف ولا سيما المادة 33 منه. كذلك، حصل نقاش بين الكتل النيابية حول الجهة التي ستتحمّل مسؤولية القرارات الصعبة، مثل توحيد وتحرير سعر الصرف، وإلغاء صيرفة، وآليات التدخل في السوق، وصولاً إلى إصرار النواب الأربعة على وقف الصرف من الاحتياطي في أول آب المقبل، وضرورة إقرار قانون لإقراض الحكومة حتى تتمكن من دفع رواتب القطاع العام والاستمرار في الدعم الجزئي للدواء والقمح.
«صيرفة» بإدارة بلومبيرغ ورويترز؟
يعقد اليوم المجلس المركزي لمصرف لبنان جلسة دُعي إليها نواب الحاكم أمس. وتبلّغ الأعضاء في المجلس المركزي، من أمينة سرّ مكتب الحاكم رياض سلامة، أنه من خارج جدول الأعمال، سيطرح الحاكم على المجلس مسألة تتعلق بتعديلات على منصّة «صيرفة» تتضمن إدارتها بالتعاون مع «بلومبيرغ» و«رويترز» وفق آليات جديدة سيكون متروكاً النقاش فيها لمن يريد. واعتُبرت هذه الخطوة بمثابة إقرار أوّل نحو ضبط العمليات الجارية على «صيرفة» وفق ما يريده نواب الحاكم الأربعة، لكنها في الوقت نفسه قد تثير المخاوف من أنها ستكون عملية تطويق لخطّة النواب الأربعة بسائر فصولها وأبوابها المتعلقة بالموازنة والإصلاحات والقوانين المطلوبة