صحيفة الأخبار
خلال أيامٍ قليلة، قد ينقلِب المشهد رأساً على عقِب. كل المؤشرات تفيد بأن تداعيات التصعيد الأخير، منذ لقاء المجموعة الخماسية في الدوحة الإثنين الماضي، لن تتأخر في الظهور تباعاً، فوضى مالية واقتصادية واجتماعية وأمنية، مع اقتراب المواجهة من الساعة الصفر.
صورة شديدة القتامة يرسمها معظم المعنيين للأسابيع والأشهر المقبلة، بعد انتهاء شهور «الهدنة» الاضطرارية التي فرضتها المبادرة الفرنسية، وبعدما طوى لقاء الدوحة صفحة الدور الفرنسي، إيذاناً بجولة جديدة من إدارة الأزمة.
ويتزامن ذلك مع محطة حساسة تتمثل في انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (نهاية الشهر الجاري) بعد ثلاثين عاماً من إحكام قبضته على عالم المال، ورفض نوابه الأربعة تولّي المسؤولية من بعده، ما يضع مصير الوضع النقدي على المحكّ. وأقل التقديرات: تحليق جديد للدولار مع ما يستجلبه من مزيد من التضخم وأزمات معيشية وتوترات متنقّلة في الشارع.
هذه ليست مجرد تقديرات، وإنما وفق مصادر مطّلعة، «نتيجة طبيعية» للتطورات الأخيرة المتعلقة بملفين أساسيين: الرئاسة وحاكمية مصرف لبنان.
ففي اليومين الماضيين، سقطت كل المحاولات الحثيثة (والمتواصلة حتى الآن) لإبقاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في منصبه، بالتمديد أو التجديد. كما سقطت كل محاولات نواب الحاكم الأربعة (وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وإلكسندر موراديان) لانتزاع «مشروعية» من مجلس النواب عبر طلب إقرار عدد من القوانين مثل موازنة 2024 وكابيتال كونترول، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وحماية المودعين وقوانين مالية أخرى. كذلك فشلت محاولاتهم للحصول على غطاء لاستكمال «بهلوانيات» سلامة المصرفية والنقدية، ما جعلهم أكثر تردداً في قبول المهمة. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن النواب الأربعة يتجهون إلى الاستقالة الجماعية الثلاثاء المقبل (في حال لم يطرأ أي تطور)، فيما أشارت مصادر مطّلعة إلى أن «رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يزال يعارض تسلّم النائب الأول وسيم منصوري دفة الحاكمية، خوفاً من انفجار الوضع وتحميل المسؤولية للثنائي الشيعي». ولفتت إلى أن «النواب الأربعة سيستمرون في عملهم بعدَ الاستقالة لأن الحكومة ستطلب منهم ذلك تحت عنوان تسيير المرفق العام إلى حين تعيين حاكم مصرف جديد، إلا أن هذا الإجراء سيخفّف عنهم المسؤولية بحسب ما يقولون».
أما سياسياً، وفيما تقاطعت المعطيات التي توافرت عن اجتماع الخماسية في الدوحة عند «وجود نية للانتقال إلى مرحلة جديدة في التعامل مع الملف اللبناني»، كشفت أوساط سياسية أن «المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان سيصل إلى بيروت الثلاثاء أو الأربعاء المقبل من دون معرفة ما الذي يحمله من معطيات». وكشفت المصادر أن «القطريين سبقوا لودريان إلى بيروت، وبدأوا حراكاً موازياً، لكن مع هامش أكبر من الحراك الفرنسي»، مشيرة إلى أن «مسؤولين قطريين التقوا ببعض القوى السياسية من بينها نواب الاعتدال ومع مسؤولين من الثنائي». وأكّد أكثر من مصدر أن «القطريين نقلوا تقديراتهم بانتهاء المبادرة الفرنسية بعدَ الاجتماع الخماسي، وأن موضوع الحوار هو فكرة فرنسية، قد يحصل الحوار برعاية فرنسية لكن لا غطاء غربياً أو دولياً له». وكان لافتاً أن «القطريين لم ينقلوا جواً واحداً، فهم تناولوا اسم قائد الجيش جوزف عون مع بعض من التقوهم، وبحثوا معهم إمكانية وصوله إلى بعبدا وما إذا كانت المرحلة تسمح بتسويقه. لكنهم عمدوا مع قوى أخرى إلى نفي وجود مرشح للخماسية، مؤكدين أنهم لن يكرروا خطأ الفرنسيين في طرح الأسماء وحرقها».
القطريون طرحوا اسم قائد الجيش مع أطراف ونفوا وجود مرشّح للخماسية مع آخرين
واعتبرت مصادر مطّلعة أن «ما يقوم به القطريون حالياً يؤكد أن ثمة قراراً خارجياً بتقويض الدور الفرنسي وضرب مبادرة باريس، واستبدال الأخيرة بالدوحة. وستتبيّن في المرحلة المقبلة حقيقة الدور الموكل إليها».
ولا ينفصل التصعيد المستجدّ في الملف الرئاسي اللبناني عن المناخات الخارجية التي سادت في المرحلة الأخيرة والمعاكسة لأجواء التقارب والتصالح بين القوى الإقليمية، خصوصاً تلك المؤثّرة في المشهد اللبناني، لناحية التشدّد الأميركي في منع أي تأثير إيجابي للتقارب السعودي – الإيراني على ساحات سوريا واليمن ولبنان. وفي هذا الإطار، تقول المصادر إنّ «التصعيد الأخير الذي حمله بيان الخماسية الدولية، وأيضاً بيان البرلمان الأوروبي، يأتي في السياق الأميركي المتشدّد ذاته». وعليه، ترى المصادر أنّ «تحييد المسعى الفرنسي، وتقدّم الرؤية الأميركية للرئاسة اللبنانية، ومعها الرغبة السعودية، كلّ ذلك يمكن اعتباره محاولة جديدة للاستفادة من هذه المناخات لحلّ المعضلة الرئاسية على نحو يعطي للطرف المناوئ لحزب الله في لبنان انتصاراً رئاسياً يستكمل المشهد الذي لم يكتمل في الانتحابات النيابية الأخيرة»، وهذا «يُفسّر مسارعة القوات اللبنانية إلى رفض الحوار الداخلي ومجاهرة رئيسها سمير جعجع بأنّ الهدف هو هزيمة حزب الله في هذا الملف، الذي تمّ حصر الأحقية في البتّ فيه بالأطراف المسيحية وتصويره على أنه استحقاق مسيحي بالدرجة الأولى».
وحذّرت المصادر من أنّ «الخطأ الذي قد ترتكبه أطراف الخُماسية هو إذا ما اعتقدت أنّ الموقف الداخلي الرافض للحلول المفروضة رغماً عن رؤيته، ضعيف أو قاصر، فالتجارب، خصوصاً الرئاسية منها، تقول إنّ الداخل هو الحجرُ الأساسُ في الانفراجات أو التسويات الخارجية، وإنّ تجاوز فريق داخلي لن يؤدي إلى حلّ، حتى لو كان هذا الحلّ مدعوماً أميركياً أو سعودياً». ولفتت المصادر إلى أن «هذا لا يعني أن الفريق الداعم لسليمان فرنجية لديه مشكلة مع قائد الجيش، لكن عدم وجود مشكلة مع العماد عون لا يعني أن يكون رئيساً للجمهورية».
من جهة أخرى، أفادت معلومات بأن السفيرة السويدية في بيروت، آن ديسمور، قرّرت مغادرة لبنان بعدما عزّزت السلطات الأمنية اللبنانية الإجراءات في محيط السفارة السويدية في بيروت. وتأتي هذه الخطوة، بعدما دعا الأمين العام لحزب الله، في كلمة له أول من أمس «الشعوب العربية والإسلامية إلى مطالبة حكوماتها بسحب سفرائها من السويد وطرد سفراء السويد من بلدانها»، فيما تردّد أن وزارة «الخارجية» اللبنانية استدعت السفيرة حيث تم إبلاغها بأنه «من الأفضل لها المغادرة».