قد أغالي بعض الشيء إن شبّهت الاشتباكات الدائرة في مخيم عين الحلوة، وما يتخللها من حين لآخر من مساع لوقف هشّ لإطلاق النار، بما جرى في بداية الحرب في لبنان، التي نريد أن تبقى مجرد ذكرى ونتمنى ألا تُعاد، وذلك لما أحدثته من خلل في النفوس قبل الحديث عمّا خلفته من أذىً فادح في البشر والحجر، لا نزال نعيش سلبياتها حتى يومنا هذا.
وقد لا أغالي أيضًا إن قلت بأن ما حصل بالأمس البعيد وما يحصل اليوم هو بسبب وجود سلاح غير شرعي بين أيدي الناس، سواء أكانوا عاديين أو على شبه مجموعات، ولاسيما داخل المخيمات الفلسطينية، وبالتحديد داخل مخيم عين الحلوة، الذي تحوّل إلى “محمية”لكل أنواع الفارين من وجه العدالة، حيث لا سلطة فعلية للدولة، مع العلم ان طاولات الحوار، سواء تلك التي عقدت في القصر الجمهوري أو في “عين التينة” لم تتفق سوى على بند وحيد، وهو حظر السلاح غير الشرعي داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها. لكن هذا البند بقي حبرًا على ورق ولم ينفذ منه شيء، وبقي السلاح بكل أنواعه وأحجامه “يسرح ويمرح على عينك يا تاجر” داخل المخيمات وخارجها. وللتذكير فقط فإن هذا السلاح لم يُستعمل مرّة واحدة لمواجهة إسرائيل، إلاّ إذا أُريد لهذا السلاح أن يكون أداة لإرسال بعض الرسائل السياسية من الداخل اللبناني إلى الداخل الإسرائيلي، عبر صواريخ “الكاتيوشا”، التي تُطلق من حنوب لبنان في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فهذا السلاح غير الشرعي وغير الخاضع لسلطة الدولة والجيش، والذي يُستعمل اليوم لتصفية الحسابات بين الفصائل الفلسطينية، الذي استُعمل بالأمس البعيد لغايات لا تزال تفسيراتها متناقضة حتى يومنا هذا، هو علّة العلل، وهو السبب المباشر لكل المشاكل المتفرعة، التي تعيشها الساحة الفلسطينية المحلية، والتي تعيشها بعض المناطق اللبنانية، حيث نشهد من حين لآخر اشتباكات عشائرية عنيفة يُستخدم فيها السلاح المتوسط والخفيف، والذي لا يخلو منه أي بيت لبناني وغير لبناني، وقد يكون هذا السلاح، الذي بدأ يظهر تدريجيًا في المنازل غير اللبنانية، أخطر مما يمكن تصّوره، خصوصًا إذا كانت له علاقة مباشرة بما يُسمّى بـ “الخلايا الإرهابية النائمة”، والتي تنتظر الفرص المؤاتية لتهبّ من سباتها غير العميق.
قد تكون الاشتباكات الدائرة في مخيم عين الحلوة لتصفية الحسابات القديمة المتجدّدة بين حركة “فتح” والإسلاميين ك”جند الشام”، وفلول من “عصبة الأنصار” و”فتح الإسلام”، ولكن ما بات أكيدًا، من خلال سقوط كل المساعي المبذولة لتثبيت وقف النار وتسليم الذين تسببوا في الحادث الذي أدّى إلى هذه النتيجة، هو أن ثمة مخطّطًا أكبر بكثير من الأسباب الظاهرية لاندلاع كل هذه المعارك بين شارع وشارع، والتي قد يكون من بين الأسباب الحقيقية ما يربط هذه المنظمات من علاقات مشبوهة مع جهات خارجية.
وكما كانت “بوسطة عين الرمانة” الشرارة الأولى لحرب لا يزال اللبنانيون يعانون من مآسيها وويلاتها حتى يومنا هذا، فإن اغتيال القيادي في حركة “فتح” أبو أشرف العرموشي قد يكون الشرارة لمخطّط أكبر مما هو ظاهر للعيان، وقد يتخطّى بأهدافه وأبعاده الحدود اللبنانية.
ما يطالب به الرئيس نجيب ميقاتي لجهة ضرورة احترام الفلسطينيين السيادة اللبنانية هو مطلب جميع اللبنانيين، وبالأخص الطائفة السنّية، التي دعا مفتيها جميع خطباء الجمعة إلى التشديد في خطبهم على وجوب العمل لتهدئة الوضع الأمني في “عين الحلوة”، لعلمه أن أي شرارة قد تمتدّ منه إلى الجوار قد تشعل صيدا، وربما أبعد من صيدا.