كتبت النهار
“لنكن واضحين، أزمات لبنان الاقتصادية والأمنية متلازمة بعضها مع بعض فامتناع لبنان عن سداد دينه الخارجي (يوروبوندز) في آذار 2020 أتى بعده انفجار مرفأ بيروت أو تفجيره في 4 آب من العام نفسه. الحدثان نتجا عن التآكل والفساد. فزعماء المافيا السياسية في “المنظومة” السياسية والطائفية والمذهبية لا يزالون يعطون الأولوية لسلطتهم ليستخدموا دورهم في النظام اللبناني للمحافظة على مصالحهم وعلى حساب مصالح الشعب اللبناني وحاجاته”. هذا الكلام قاله باحث أميركي مهم ونشيط في مركز أبحاث أميركي جدّي في ندوة بحثية شاركت فيها مؤسّسات تهتمّ بقضايا متلازمة عدّة مثل مكافحة الإرهاب والاستخبارات وغيرها. كان ذلك في العشرين من الشهر الماضي. تابع الباحث نفسه: “اليوم ورغم كل ما رشح تابع هؤلاء الزعماء منع حتى الإصلاحات السياسية الأساسية الضرورية لكسر المأزق السياسي في البلاد وتسهيل حصولها على الدعم المالي الدولي. بالاستناد الى ذلك وصف “البنك الدولي” الأزمة المالية اللبنانية بأنها “كساد متعمّد أخرجته ونسّقته نُخب البلاد على حساب الاستقرار الطويل المدى للبلاد والسلام الاجتماعي”. يجب أن لا يُفاجأ أحد عند استطلاع رأيه بتعبير نسبة ساحقة من اللبنانيين عن رعبهم من تجاهل حكوماتهم حاجات المواطنين العاديين أو بالأحرى من الاستخفاف بها.
وقد ظهر ذلك بوضوح في استطلاع رأي أُجري في تشرين الثاني 2022 بواسطة “ميديل إيست إنستتيوت”، إذ قال 91 في المئة من المستطلعين إن الحكومة لا تُعطي أي انتباه لآراء الناس العاديين. في صورة عامة كان الاستشراف العابس والمظلم شاملاً. وقد عبّر عنه السنّة والشيعة والمسيحيون والدروز بشيبهم وشبابهم. 97 في المئة من المستَطلعين قالوا إن الحكومة اللبنانية لا تفعل إلا القليل جداً لمواجهة اهتمامات اقتصادية مفتاحية ثلاثة.
الأول تقليص مستوى الفساد في الاقتصاد والحياة العامة. الثاني الاهتمام بحاجات الناس لتأمين مستوى معيشي مقبول لهم. الثالث معالجة “الحِمل” الثقيل للضرائب على المواطنين. للأسف، فإن “وصفة” الزعامات ᴮᵒˢˢᵉˢ السياسية اللبنانية لمواجهة مصادر قلق الناس ليست سياسية ولا إصلاحاً اقتصادياً بل هي مضاعفة سلطتها في البلاد والدولة واستمرار الأنظمة والقواعد الزبائنية. لنكن واضحين، الفساد هو في قلب أزمات لبنان الاقتصادية والسياسية. والاهتراء السياسي والاقتصادي عميق الجذور ويحميه السياسيون الأقوياء. ذلك كله يهدّد أمن لبنان واستقراره على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
والفساد ليس محصوراً بفريق واحد في لبنان. لكن الفريق الذي يشكّل تهديداً أمنياً كبيراً له وفيه هو “حزب الله””.
طبعاً استفاض الباحث الأميركي الجدّي نفسه في شرح أخطار هذا “الحزب” وعلاقته مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي درّبته وزوّدته كل أنواع الأسلحة بحيث صار يشكّل خطراً على إسرائيل وعلى لبنان وعلى دول عدّة في المنطقة. كما زوّدته بكل ما يحتاج إليه لتنفيذ سياساتها فيهما. وأعطى الباحث نفسه تفاصيل لا ضرورة لذكرها لأن وسائل الإعلام اللبنانية والعالمية مليئة بها. لكنه أشار أيضاً الى تهديد يمثّله “حزب الله” للحكم الفاعل في لبنان، وذلك بابتداعه اقتصاداً موازياً يفيد مؤيّديه اللبنانيين. وقد نجح في ذلك ولكن على حساب الإقتصاد الرسمي والحكومة اللبنانية. فالأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله عطّل أيّ تحقيق في انفجار مرفأ بيروت أو تفجيره عام 2020 ربما خوفاً من الذي قد يكشفه في هذا المجال. كما أنه بنى وهو ليس حكومةً رسمية علاقات سياسية واقتصادية قويّة ومتينة مع الشخصيات والجهات التي تستفيد منه خالقاً بذلك نوعاً من حكومة ظل موازية للحكومة الرسمية. وذلك يقوّي موقعه طبعاً داخل لبنان لكنه يضرب شرعية الحكومة اللبنانية ويقوّض جهود الولايات المتحدة وغيرها لمساعدتها. أصبح “الحزب” بذلك جزءاً من النظام الحكومي في المناطق التي يسيطر عليها. ولاحقاً استمر في التصرّف كحكومة موازية للحكومة الرسمية التي له ممثلون فيها ولا سيما في مناطقه. وبهذا يستفيد هو أي “حزب الله” من كونه جزءاً من النظام السياسي وبعيداً منه في وقت واحد. وخلافاً للاعبين السياسيين غير الرسميين فإن “حزب الله” قادر على الإفادة من الاقتصاد الرسمي والنظامي وعلى إدارة اقتصاد الظل الذي أسّسه، والذي يمتصّ خيرات الاقتصاد الرسمي ويقوّضه في الوقت نفسه. يعني ذلك أنه يقوّض الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان وأيضاً في شرق المتوسط”.
ختم الباحث الأميركي مداخلته بالقول: “جوهر المشكلة في لبنان هو الفساد الاقتصادي والسياسي، إذ يمنع ذلك الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الضرورية لإنقاذ البلاد والحؤول دون أن تصبح دولتها فاشلة. وأنا لا أستعمل هذه الكلمة بخفّة. فـ”حزب الله” هو المشكلة أو الإشكالية الصعبة في لبنان ولا سيما بعد احتفاظه بسلاحه بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان”.
هل في كلام الباحث الأميركي المفصّل أعلاه تحامل على “حزب الله”؟ القضيّة ليست تحاملاً أو عدم تحامل. فعداؤه وعداء بلاده وحليفتها إسرائيل لـ”حزب الله” ومؤسِّسته إيران الإسلامية واضح ومعروف. لكن ما يؤخذ على الباحث أنه أفاض في شرح أخطار “الحزب” على لبنان ودولته ونظامه والمنطقة وإسرائيل والعالم ولم يفصّل مسؤولية الفئات اللبنانية عن مآسي لبنان وفساده على النحو الذي فعله مع “الحزب”، وهذا أمرٌ غير مفاجئ في أي حال. كما لم يفصّل دور إسرائيل في تأجيج الأوضاع التي مرّ بها لبنان ولا يزال يمرّ. فسيطرة الفلسطينيين على لبنان من 1969 حتى 1982 ما كانت لتحصل لولا رفض إسرائيل الاعتراف بحقهم في دولة وإفشالها عملية السلام بل قبل ذلك لولا تهجيرها هؤلاء من الأرض التي أقامت عليها دولتها.