كتبت النهار
يبدو أن الأحداث الأمنية المتنقلة بين منطقة ومنطقة، وقاسمها المشترك “حزب الله” بوظيفته الإقليمية، وأهدافه المحلية، طغت وستطغى على الساحة السياسية اللبنانية، وستضعف مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان أكثر مما هي ضعيفة الآن. ولولا المفاوضات الجارية بين جبران باسيل و”حزب الله” حول مسألة التقارب في الاستحقاق الرئاسي لقلنا إن الملف الأخير غائب تماماً عن رادارات السياسة اللبنانية المأخوذة راهناً بقضية تعود على الدوام الى الواجهة، ألا وهي سلاح “حزب الله” وهيمنته على لبنان والقرار السيادي فيه. وبما أن الموضوع يتركز على “حزب الله”، سلاحه، ووظيفته الإقليمية، وطموحاته الداخلية، فإن شعار الفيديرالية أقوى من أي وقت مضى، حتى لو لم يقترن بخطوات عملية، أو آفاق قريبة.
وحادثة الكحالة أججت أكثر نار المطالبة بالفيديرالية و”الطلاق”، كما جاء على لسان مواطنين عاديين من أهالي البلدة الجريحة، وصولاً الى البطريرك الماروني بشار الراعي الذي قال يوم الأحد الماضي: “لا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة وجيش وسلطة!”. هذا موقف راديكالي يستجيب في مكان ما لمزاج الرأي العام المسيحي عموماً، ويعلن بشكل واضح عن يأس بالحياة الوطنية المشتركة مع سلاح “حزب الله” ووظيفته. من هنا صعوبة مهمة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان المنتظر في بيروت في الأيام العشرة الأولى من الشهر المقبل. فطاولة الحوار التي يقترحها غير واضحة المعالم في ظل تصاعد التوتر السياسي، والطائفي والمذهبي، والأمني. والحوادث الأمنية متلاحقة، بحيث إنه لا يكاد لبنان يتجاوز محطة أمنية صعبة حتى يقع في مطب أمني آخر أكثر خطورة. ومن هنا توقعاتنا ألّا تكون محطة الكحالة الأخيرة ولا الأخطر، ولا سيما في ظل ارتفاع منسوب التوتر الإقليمي في كل الساحات على امتداد المنطقة، من اليمن، الى العراق، وخصوصاً سوريا المرشحة لتكون ساحة مواجهة ساخنة إقليمية – دولية في المرحلة المقبلة، وصولاً الى لبنان، والضفة الغربية.
إذن نقول لمن ينتظر عودة لودريان، إنه لو حمل في جعبته تصوّراً لحوار أو حوارات، فإن من حظ لبنان العاثر أن المنطقة دخلت في الأسابيع القليلة الأخيرة في مرحلة غليان، ولن تسمح لهذا البلد المتأثر دوماً بمحيطه بأن يسير في طريق إنجاز الاستحقاق الرئاسي، أقله بالنظر الى تشدد “حزب الله” الكبير، ولن يتم تشكيل حكومة جديدة وملء الفراغات في مؤسسات الدولة الحيوية.
هذه صورة قاتمة لما سيقبل عليه لبنان سياسياً وأمنياً في المرحلة المقبلة، دون أن ننسى تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية، التي لا يمكن تجاوزها بموسم صيف ناجح، بل تحتاج أولاً الى جهد لتنظيف مرحلة النهب والسرقة والهدر التي دفعت البلاد الى الإفلاس. هذا لن يتم بسهولة نظراً لأن قاعدة الفساد في لبنان عريضة الى حدّ يشمل كل المكوّنات، والطوائف، والقوى السياسية، والشخصيات البارزة أو الأقل بروزاً. كل هذا يدفع المراقبين الى طرح سؤال بسيط لكنه بديهي: من يحاسب من في لبنان؟
خلاصة القول أن من ينتظر إتمام الاستحقاق الرئاسي بسلاسة سينتظر طويلاً، ومن ينتظر خروجاً آمناً من الأزمة بمعزل عن دولارات الاصطياف أو المافيات او مبيّضي الأموال سيطول انتظاره أيضاً!