مرلين وهبة-
لا شك في أنّ تَسارُع التطورات القضائية المتعلقة بملف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة شَغلَ الوسط القضائي السياسي والشعبي، خصوصاً بعد صدور العقوبات الاميركية عليه، والتي بَدت وكأنها «تواكب» او «تبارك» المسار القضائي اللبناني المتجه الى معقابته ايضاً لا تبرئته. الا ان الفارق بين المسارين هو ان القضاء الاميركي يصدر قراراته بناء لقوانين صارمة وواضحة تستند الى ادلة حيثية ونصوص القوانين واثباتات لتنتقل بعدها الى التنفيذ، فيما يتخبّط القضاء اللبناني بالاجتهادات السياسية والقضائية والدستورية التي تَعوق نَفاذ قراراته او أحكامه المبرمة بفِعل عوامل عدة اصبحت واضحة للداخل وللخارج، وربما لأجل ذلك استعجَلَ الخارج إصدار العقوبات المبرمة لعلمه بأنّ القضاء اللبناني لن يتحرك من دون «هزّة عصا».
لبنانياً، تبدّلَ المشهد السياسي بين ليلة وضحاها بين مدافعٍ عن سلامة ومُناهِض لدوره اذ تبدو العصا الاميركية فعلت فعلها، فسارعَ المعنيون الى لفظه ونَفض أيديهم «من دم ذلك الصدّيق»، ليتم كشف الستار عن القرار السري القاضي بتجميد ممتلكاته في لبنان ويتم تسريبه قصداً الى الاعلام في خطوةٍ تؤشّر الى انّ قرار سحب الدعم الكلي المحلي السياسي عن سلامة قد اتُّخِذ سواء من الخارج او من الداخل ومن الافرقاء المعنيين بالملف بعدما كانوا المدافعين الشرسين عنه، وذلك لاعتبارات عدة اميركية وغيرها وسط صمت اطراف وجهات سياسية وشخصيات اعلامية ارتبط اسمها بمضمون التدقيق الجنائي إبّان صدور القرار، هي التي لطالما كانت تَستشرس في الدفاع عن الحاكم.
وفي هذا السياق، تكشف مصادر قضائية رفيعة ان عاملين اساسيين ساهما وسَرّعا في تقدم مسار ملف سلامة: الاول هو قرار قاضي الامور المستعجلة في مجلس الشورى كارل عيراني الذي كان مُبرماً، فألزَمَ فيه وزارة المال بتسليم التقرير الذي اعتبره ملكاً للشعب اللبناني فوراً ومن دون إبطاء. وأهمية القرار انه نَزع عن التقرير صِفة السرية «ليتم كَشف مضمونه الى العلن، فأحدثَ بلبلة سياسية واعلامية بسبب كشف أسماء شخصيات وشركات عدة استفادت من «هِبات» سلامة.
امّا العامل الثاني فهو العقوبات الاميركية. في وقتٍ ترى مصادر ديبلوماسية أنّ التقرير ساعَد في الكشف عن قرار العقوبات الاميركية ولم يُسرّعها، إذ، وبحسب تلك المصادر، إنّ «العقوبات في حق الحاكم كانت جاهزة منذ مدة»، موضحةً «انّ العقوبات الاميركية لا تصدر في يوم وليلة أو بناءً على مُعطى واحد معيّن، بل تُبنى ويتم التحضير لها بعد توثيق الادلة والاثباتات، إلا انّ الادارة الاميركية كعادتها تَتحَيّن اللحظة المناسبة او ربما المواتية لها لإعلان العقوبات على الأفراد»، الامر الذي يؤشّر ايضاً الى توافق المسارَين الاوروبي والاميركي في هذا الملف وليس العكس، كما أُشيع في بعض التحليلات السياسية.
اما العامل المباشر الذي سَرّع في ملف الحاكم فهو قرار رئيسة هيئة القضايا هيلانة اسكندر التي استنتجَت من قرار قاضي التحقيق شربل ابو سمرا انه «تَرك ضمني» لسلامة، ووجدته غير مستند الى تبريرٍ حسّي وعملي وخَطّي لِتَركه. ولذلك لجأت الى استخدام كافة اسلحتها القانونية للضغط القضائي، فتقدمت خلال الـ 24 ساعة المُتاحة إليها قانوناً من الهيئة الاتهامية بالطعن بقرار ابو سمرا، ومن ثم ألحَقته بدعوى مُخاصمة الدولة وليس الارتياب المشروع بعدما تعذّر إبلاغ سلامة بموعد الجلسة المقبلة مجدداً… فيما تشير المعلومات الى انّ قرار إبلاغه لصقاً قد اتخذ ايضاً في حال تَغيّبَ مجدداً عن الحضور واذا ما تعذّر تبليغه شفهيا ًاو عبر مباشر اداري، وهي الخطوة الاستباقية التي تُخفي أيضاً وحُكماً، قراراً سياسياً استباقياً بإصدار مذكرة توقيف غيابية في حقه.