فؤاد بزي – الأخبار
عندما أُقرّ قانون الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء عام 2002، لم يكن في بال أحد أن تطوّر تكنولوجيا الإنتاج سيعظّم أهمية الإنتاج الفردي والإنتاج الأصغر بواسطة الشمس والرياح، على الإنتاج بكميات كبيرة بالوسائل التقليدية مثل المازوت والغاز وسواهما. أتى هذا التطوّر، تزامناً مع انهيار في قدرة الخزينة اللبنانية على تقديم الخدمات العامة وأبرزها الكهرباء، وهو ما عزّز مفهوم الخصخصة كما وردت في قانون إنشاء الهيئة الناظمة، أي بوصفها علاجاً تنظيمياً لقطاع الكهرباء. وبالخلفية نفسها أُعدّ مشروع قانون ينقل الخصخصة إلى الإنتاج الفردي، أو الكميات الصغيرة بالوسائل الجديدة.
في دهاليز لجان مجلس النواب يقبع مشروع القانون الجديد. يصفه أحد النواب بـ«المفخّخ»، بينما يعرّفه وزير الطاقة، ومعدّوه بـ«قانون الطاقة المتجدّدة الموزّعة». وهو يرمي إلى تغيير شكل إنتاج الكهرباء في لبنان بشكل تام، من الإنتاج المركزي للطاقة عبر معامل الكهرباء التابعة لمؤسّسة كهرباء لبنان، إلى لامركزية الإنتاج عبر «توزيع رخص توليد الكهرباء عبر الموارد المتجدّدة حصراً، شمس ورياح، على الراغبين في المناطق»، إذ بات «يمكن لأيّ منتج أن يبيع الكهرباء الآتية من الطاقة المتجدّدة، لأيّ مستهلك» كما تقول الاستشارية في مركز حفظ اللبناني لحفظ الطاقة سورينا مرتضى. أمّا سعر المبيع، فتشير مرتضى، إلى أنّه «تحت سقف واحد، تحدّده الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، ولا يمكن للمنتج تخطّيه».
من هنا تبدأ «عوامل التفجير» بالظهور. أولاً، لم تُعيّن الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وهو غياب يأتي لمصلحة الحفاظ على مصالح أصحاب المولّدات، بحسب ما يرى أعضاء في لجنة الأشغال والطاقة. ويبرّرون ذلك، بالإشارة إلى أن هذا القانون «يتيح الوصول إلى 24 ساعة كهرباء والاستغناء عن الاشتراكات بشكل تام». ربطه بالهيئة الناظمة يهدّده بالبقاء «حبراً على ورق».
ثانياً، مشكلة القانون أنه يُطلق عجلة «الخصخصة بالحبّة» لقطاع إنتاج الطاقة بالكامل، ولا سيّما أن الدولة سلّمت الجباية والصيانة لشركات خاصة، أو ما يُعرف بمقدّمي الخدمات، إذ إن نصّ اقتراح القانون يأتي استكمالاً للقانون 462/2002 الذي مهّد الطريق لتشريع مشاركة القطاع الخاص في توليد الطاقة الكهربائية، ووضعها على الشبكة العامة. وبالتالي، فإن إقراره بهذه الصيغة يعني نفض الدولة يدها تماماً من التكنولوجيا الجديدة لإنتاج الكهرباء عبر الموارد المتجدّدة، (شمس ورياح)، وخصخصتها. بل سيقتصر دور مؤسّسة كهرباء لبنان على السماح لمنتجي الطاقة باستخدام الشبكة العامة لبيع الكهرباء المنتجة إلى المستهلكين بعد استيفاء رسوم عبور. وبهذا المعنى، فإن القطاع العام لن يعمل على تطوير القدرة الإنتاجية للكهرباء عبر الموارد المتجدّدة، وربما لن يكتفي بالاستمرار في حيازة المعامل الحراريّة والمائية الموجودة حالياً.
ومحاولات خصخصة إنتاج الكهرباء عبر الموارد المتجدّدة ليست جديدة، إلا أنّها تتمّ هذه المرّة بقانون لا بقرار من مجلس الوزراء. وللتذكير، فالأخير أقرّ قبل تحوّل الحكومة إلى تصريف الأعمال، في جلسة 12 أيار 2021 بـ«السّماح لشركات خاصة بإنشاء محطات طاقة شمسية، بقدرة كليّة بين 120 و180 ميغاواط، في كلّ المحافظات اللبنانية».
في المقابل، يرى حاملو لواء «قانون الطاقة المتجدّدة الموزّعة» أنّ بإمكانه «تحقيق حلم 24 ساعة تغذية»، وإنهاء قطاع الاشتراكات بشكل شبه تام، إذ لن يسمح بدخول المولّدات العاملة على الوقود الأحفوري (مازوت، فيول، وغيرهما) على خط الإنتاج، فالأخير محصور باستخدام الموارد المتجدّدة لإنتاج الكهرباء. وسيتيح فقط لمحطات إنتاج الكهرباء من الموارد المتجدّدة، طاقة شمسية أو رياح، الدخول على خط إنتاج الطاقة في لبنان، بقدرة قصوى تصل إلى 10 ميغاواط لكلّ محطة شمسيّة، و15 ميغاواط لتلك التي تعمل على طاقة الرّياح.
والنقطة الأخيرة يراها المدافعون عن القانون الجديد «من الإيجابيات، إذ لن تسمح بنشوء احتكارات، ومحطات ضخمة في مناطق دون أخرى، فالنص واضح بمنع إنشاء أي محطات تتخطّى قدرتها 10 ميغاواط للطاقة الشمسية، و15 للرياح».
قانون الطاقة المتجدّدة الموزّعة يستكمل مسار خصخصة قطاع إنتاج الكهرباء
أمّا للمدافعين عن مركزيّة الدولة، فـ«هذا شكل آخر من أشكال المولّدات وأصحاب الاشتراكات، إذ سيشرّع عمل هؤلاء تحت راية الطاقة المتجدّدة، ويستمر بوضع يد الناس تحت بلاطة القطاع الخاص الذي قد يقطع الكهرباء في أيّ لحظة، وتجربة سنوات الانهيار الاقتصادي مع المؤسّسات الخاصة وجشعها لا تشجّع».
كهرباء لبنان: من منتج أول للطاقة إلى مدير شبكات للتوزيع
تصف الاستشارية في مركز حفظ الطاقة الدكتورة سورينا مرتضى عملية إنتاج وبيع الكهرباء في القانون الجديد بـ«التبادل بين الأقران»، إذ «يمكن لمن يمتلك أرضاً أن يستثمرها لإنشاء محطة إنتاج طاقة من الموارد المتجدّدة حصراً، ومن ثمّ الدخول إلى الشبكة العامة لبيع الكهرباء لمن يرغب من المقيمين في لبنان». ولكنّها تطمئن إلى «أنّ خطوط التوزيع والتحويل كلّها ستبقى بإدارة مؤسسة كهرباء لبنان، التي بيدها أيضاً السّماح للمنتجين الجدد باستخدام شبكتها أو رفض دخولهم على خطوط الإنتاج».
بموجب القانون الجديد ستتحوّل مؤسّسة كهرباء لبنان من منتج أول للطاقة إلى منتج ثانوي ومدير لشبكة التوزيع، وجابٍ لرسوم عبور الكهرباء من المنتج إلى المستهلك عبر خطوطها، فـ«هي صاحبة احتكار شبكات التوزيع»، وفقاً لمرتضى. مع التذكير بإمكانية عدم استخدام الشبكة العامة لبيع الكهرباء، «كأن يستثمر أحدهم سطح مبنى، ويبيع الطاقة للقاطنين فيه». وتضيف مرتضى، «أنّ القانون يسمح للمنتجين والمستهلكين بالتعاقد من مناطق مختلفة، إذ يمكن أن يكون الأول موجوداً في الهرمل، والثاني في بنت جبيل، بشرط اكتفاء الشبكة العامة من الطاقة بشكل كامل».
من جهة أجرى، لن يُستغنى عن إنتاج المؤسسة الأم، كهرباء لبنان، للطاقة، فـ«محطات التوليد فيها أساسية». منتجو الكهرباء يعتمدون بشكل أساسي على الطاقة المتجدّدة، والتي لن تكون متاحة على مدار السّاعة، وخلال كلّ أيام السّنة بشكل واحد. الطاقة الشّمسية مثلاً غير متاحة في ساعات المساء، أو الأيام الماطرة بشدّة. بالتالي سيبقى المواطن مستفيداً من كهرباء لبنان، إنّما وفقاً لـ«نظام التعداد الصافي»، حيث تجري مقاصّة سنوية، على رأس كل سنة مالية، بين المنتج، سواء كان فرداً أو مستثمراً، وشركة كهرباء لبنان، لمعرفة الفارق بين المستهلك من الطاقة، والكميّة المنتجة من الكهرباء الموضوعة على الشبكة العامة من قبل المستثمر.
مسار مقترح القانون
تمّ تحويل المقترح أولاً من مجلس الوزراء بعد دراسته وعرضه من قبل وزارة الطاقة. وصل إلى لجنة الأشغال والطاقة، التي درسته، وحوّلته إلى لجنة فرعية ناقشت المقترح على مدى 15 جلسة، و«أدخلت عليه تعديلات بحضور وموافقة وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان»، بحسب عضو اللجنة النائبة ندى البستاني. ومن بعدها، أعادت اللجنة تحويل المقترح إلى لجنة المال والموازنة، خضع لنقاش آخر خرج في آخره نحو «جهة مجهولة»، قد تكون اللجان المشتركة، أو الإحالة على الهيئة العامة للتصويت. إلا أنّه من المستبعد أن يوضع على جدول الأعمال في الظروف الرّاهنة، ولا سيّما أنّ هناك خلافاً سياسياً على أصل التشريع.
التشركة مع القطاع الخاص
مرّ عام على إعلان الحكومة، في الجلسة التي عقدتها في 12 أيار من العام الماضي، السماح بإنشاء 11 محطة طاقة شمسية عبر القطاع الخاص، بقدرة كليّة بين 120 و180 ميغاواط (تساوي مجموعة توليد واحدة في معمل دير عمار) في كلّ المحافظات اللبنانية، أي بمعدّل 30 إلى 40 ميغاواط في كلّ محافظة (ثلاثة مشاريع في كلّ محافظة). خلال هذه المدّة، «تمّ توقيع العقود بين الشّركات والدولة»، بحسب مدير المركز اللبناني لحفظ الطاقة بيار خوري. وفي الفترة المقبلة، والتي تمتدّ لعام آخر «على الشركات الفائزة البحث عن تمويل من الجهات المانحة»، يضيف خوري، متوقّعاً «أجواء إيجابية»، ومن دون الحسم بحتمية التمويل لـ«أسباب سياسية خارجية». وفي حال تمّت العملية الأخيرة بنجاح، «لدى الفائزين سنة إضافية للبدء ببناء المحطات، وربطها بالشبكة العامة»، يختم خوري.
وزير الطاقة: أزمة الكهرباء سياسية
يرى وزير الطاقة وليد فياض أنّ أصل المشكلة بدأ مع القانون 462/2002، الذي أعطى صلاحيات واسعة للهيئة الناظمة، فـ«هي تقرّر، وتغيّر، وتسلّم القطاع الخاص، وتفاوضه». ولكن، وبحسب فياض، «هذا قرار الدولة، لا الهيئة الناظمة، التي يقتصر دورها على وضع النظم، والتعرفة، وإعطاء رخص الإنتاج أو سحبها، كما حماية المستهلك. وهذا ما لم يوضحه القانون 462، والذي يحتاج إلى تعديل». بالتالي يؤكّد فياض أنّ «عرقلة مشاريع إنتاج الكهرباء تتمّ عن قصد». في المقابل، الحل برأيه في «تسليط الضوء على الأولويات، وإبعادها عن السّياسة». وزارة الطاقة والمياه تعاني من الفراغ على مستوى الوظائف الأساسية، فـ«هناك شغور في 10 مديرين عامين، وأعضاء مجالس إدارات».