فاتن الحاج – الأخبار
رغم كل «التحسينات» على تقديمات تعاونية موظفي الدولة، يشعر موظفو القطاع العام بأنهم مكشوفون صحياً وبلا تغطية. فالكلفة المرتفعة للفاتورة الاستشفائية والمستلزمات الطبية، و«أتعاب» الطبيب بالدولار خارجها، أدرجت الموظف «ضيفاً» دائماً على لائحة منتظري المساعدات من «أصحاب الأيادي البيض»
خلال عام واحد، ضاعفت تعاونية موظفي الدولة تعرفة الأعمال الطبية الاستشفائية ثلاث مرات. سمح ذلك، وفق المسؤولين فيها، باستعادة القدرة على حسم العلاقة مع المستشفيات ووضعها تحت الرقابة، وصولاً إلى فسخ العقود مع بعضها نتيجة تجاوزات في القوانين. هذا الرضا عن تحسين تقديمات التعاونية لا ينسحب على موظفي القطاع العام الذين وجدوا أنفسهم أمام واقع اجتماعي ونفسي جديد. فأبواب المستشفيات لم تعد مشرعة أمامهم كما كانت في السابق، عندما كانت «التعاونية» تحظى بكوتا خاصة وتفرد لها أجنحة بكاملها، ويوم كان الموظف – المريض يحقق، بدخله، شيئاً من الرفاهية، إذ يدخل المستشفى كما يخرج منها بلا أي مقابل، مع خدمات طبية عالية وإمكانية اختيار المستشفى والطبيب الاختصاصي الذي يريده.
الوضع ليس مشابهاً اليوم، كما يقول أحد المديرين، «ولا سيما أن الكوتا باتت لمن يدفع بالفريش دولار كشركات التأمين والمنظمات الدولية. أما الموظف فيجبر على دفع مبلغ تأمين لدى دخول المستشفى، وبرّاني بالدولار للطبيب لدى إجراء عملية جراحية، ويقصد المستوصفات والعيادات المجانية ووزارة الشؤون الاجتماعية للمعاينة وتأمين الدواء». وثمة موظفون مقتنعون بأن فسخ العقد مع المستشفى ليس إجراء رادعاً، إذ إن التعاونية لم تعد ورقة رابحة للمستشفيات، والأمر يستوجب تعاوناً بين الجهات الرقابية عليها، وإن كان هناك تفاوت في درجة الالتزام بين المستشفيات نفسها.
لم يسبق قبل الأزمة، بحسب مدرّسة في التعليم الأساسي الرسمي، أن احتاج موظف تعرّض لعارض صحي زملاءه ليجمعوا له «لمّية» من أجل دفع «التأمين» أو «فرق الفاتورة الاستشفائية الذي يكون كبيراً في معظم الأحوال، رغم كل التحسينات، لأن الراتب اليوم يفقد قيمته تماماً، فإذا كانت الفاتورة ألف دولار مثلاً، يكون الفرق 200 دولار، أي ما يوازي راتب شهر كامل للموظف». فرق المستشفى لعملية ولادة قيصرية يمكن أن يصل إلى 700 دولار أميركي. المساعدات المرضية للأدوية ليست بأفضل حال، كما تقول المدرّسة، فمن فاتورة بقيمة 50 مليون ليرة يحصل الموظف على أربعة ملايين فقط، في حين أن تعرفة المعاينة الطبية لا تتجاوز مليوني ليرة، علماً أنها تصل في بعض العيادات إلى أكثر من 100 دولار.
لذا فإن تقديم رفع التعرفات على أنه «إنجاز» يفاجئ الموظفين ويرون فيه تضليلاً للرأي العام. إذ يسأل أستاذ ثانوي عن جدوى تقديم شكوى إلى التعاونية بحق مستشفى «مدعوم»، وما إذا كان فسخ العقد مع المستشفى إجراءً موجعاً فعلاً، لافتاً إلى أن تعاونية الموظفين لا تغطي أكثر من 20 في المئة من الفاتورة الصحية المرتفعة، إذا ما قورنت أسعارها بأسعار المستشفيات، «في حين أنه في الماضي كان المستشفى يقتل حالو ليستقبل مريض التعاونية».
لم يشعر الموظف – المريض، كما يقول رئيس رابطة المعلمين الرسميين حسين جواد، بتعديل التعرفة لأنه لم يترجم في الفاتورة، «فالمستشفيات تتشاطر على الموظف، والطبيب يفرض عليه خوّة من تحت الطاولة بـ 500 أو 600 دولار غير موثقة بأيّ مستند». ويلفت إلى أن معدل أعمار الموظفين بات يتجاوز 45 عاماً، إذ لم يدخل دم جديد إلى الوظيفة العامة منذ نحو 20 عاماً، وغالبية الموظفين يحتاجون إلى الطبابة والاستشفاء، معرباً عن اعتقاده بأن تبني وزارة التربية لسنة واحدة إبرام عقد مركزي مع شركة تأمين خاصة لتوفير تأمين صحي للمعلمين على غرار التأمين الذي توفره للتلامذة بكلفة محدودة، قد يكون أحد الحلول المؤقتة التي تعيد التوازن إلى الفاتورة الاستشفائية.
وقد سبق لهذا الطرح أن واجه اعتراضاً من بعض الجهات النقابية لما يتضمنه من دعوة لخصخصة التعليم والاستشفاء وتمييع لمؤسسات الدولة وتخلّي الأخيرة عن دورها في الرعاية الاجتماعية. ويصفه عضو لقاء النقابيين الثانويين، حسن مظلوم، بـ«الخطير لما فيه من تصفية لتعاونية الموظفين التي تساهم في تأمين الرعاية الاجتماعية ونقلها إلى القطاع الخاص وإعفاء الدولة من دفع المتوجب عليها وسرقة اشتراكات الموظفين المساهمين في التعاونية».
الدولار الاستشفائي في تعاونية الموظفين يحتسب على 75 ألف ليرة
المدير العام لتعاونية موظفي الدولة يحيى خميس يبدو راضياً بدرجة كبيرة عما أنجزته التعاونية في السنتين الماضيتين، «إذ استطعنا زيادة تعرفة الأعمال الطبية والاستشفائية أربعة أضعاف في أول تموز 2022، بعدها زدنا 10 أضعاف في كانون الأول 2022، ومن ثم أمّنا سلفة خزينة شهرية انعكست في الأرقام الجديدة حتى وصلنا إلى 50 ضعفاً، أي أن دولارنا بات 75 ألف ليرة، وهذا الرقم يغطي الجزء الأكبر من الفاتورة (90%)، فيما الـ 10% على عاتق المريض. ويضيف إن «هذا التدبير سمح بأن تكون أعيننا مفتوحة وأن نكون صارمين مع المستشفيات غير الملتزمة بالقوانين ونقدم على خطوات مثل فسخ العقود، كما بدأنا منذ تموز 2023 نعطي سلفاً للمستشفيات على شهرين، بناءً على طلبها وبعد إجراء دراسة دقيقة للسنوات السابقة، وقد لاقى هذا الإجراء تجاوباً من كثير من المستشفيات».
لا يخفي خميس أن هناك بعض الخروق والتجاوزات المتعلقة بزيادة الفروق و«نعالج كل منها على حدة، وبناءً على شكاوى الموظفين المرضى». كما يقرّ بأن تأمين المستلزمات الطبية «يبقى مشكلة المشاكل»، فيما المبالغ التي يتقاضاها الأطباء خارج الفاتورة «هي أموال من دون وجه حق، ولا يمكن احتمالها والقبول بها».
تعاقد المستشفى مع تعاونية موظفي الدولة وبالعكس ليس خياراً إجبارياً، كما يقول نقيب أصحاب المستشفيات، سليمان هارون، و«للمستشفى الحرية بأن يقبل أو يرفض، ولكن عندما يبرم العقد لا يحق له أخذ فروقات إضافية من المرضى عما تحدده التعاونية». ويوضح أن النقابة فاوضت تعاونية الموظفين حول رفع التعرفات وإعطاء السلف، نافياً أن يكون هناك دور للنقابة في التدخل في العقد بين التعاونية والمستشفى، «وهذا لا ينطبق على التعاونية فحسب، إنما أيضاً على كل المؤسسات الضامنة وشركات التأمين».
صندوق تعاضد «اللبنانية»: زيادة التعرفة ولكن!
قبل أسبوع، دخل الأستاذ المتفرغ في كلية العلوم، نضال علي، العناية المركزة في أحد المستشفيات بعد إصابته بجلطة دماغية. لم يتردد المستشفى في الطلب من زوجته مبلغ 1500 دولار عند الدخول، ومن ثم 2000 دولار بعد يومين، علماً أن علي لم يخضع لأيّ جراحة. وكان علي قد خضع، العام الماضي، لعملية قلب مفتوح مستعجلة ودقيقة عاش خلالها رعب تأمين كلفتها لكون صندوق تعاضد أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية قد أبلغه يومها أنه، وبحسب التعرفة الرسمية، لن يستطيع أن يغطي أكثر من 17 مليوناً و500 ألف ليرة من أصل 100 مليون ليرة و2700 دولار، هي كلفة العملية. الا ان الصندوق عاد واخذ الموافقات اللازمة لاحتساب المستلزمات الطبية 22 مليون ليرة على سعر الصرف في حينه للدكتور علي وسائر المنتسبين، وتم تعويضه مبلغا إضافية يقارب 50 مليون ليرة. وقد اضطر إلى الاستدانة من الأقارب ومن بعض المؤسسات التي تقدم القروض والتوسط لدى بعض النافذين. أما الواقع الجديد فقد دفع زملاءه إلى أن يطلبوا له مساعدة مادية عبر مجموعات الواتساب.
رئيس مجلس إدارة الصندوق، ربيع مكوك، أوضح أن الصندوق تواصل مع إدارة المستشفى التي ابدت تجاوبا في تأجيل الدفعات كمرحلة اولى، مشيراً إلى أن التعرفات «تختلف بين مستشفى وآخر. هناك مستشفيات تطلب فوارق أكثر من اللازم. ورغم أن الصندوق رفع تعرفة الأعمال الطبية والاستشفائية 50 ضعفاً، وبات يحتسب الدولار الاستشفائي على سعر 75 ألف ليرة، لا يزال المريض يدفع من 40 إلى 45 في المئة من قيمة الفاتورة الاستشفائية».